إعلان

إنقلاب تركيا.. تفاصيل "ليلة يوم القيامة" - تقرير

03:11 م الإثنين 18 يوليه 2016

تفاصيل ليلة يوم القيامة

كتب - علاء المطيري: 

ليلة شهدتها تركيا حولت إسطنبول الهادئة إلى ساحة حرب وباتت العاصمة أنقرة وكأنها مدينة سورية تشهد مواجهات بين الجنود والمدنيين.. طلقات تدوي أصواتها هنا وهناك وقاذفة تطلق صواريخها لاسقاط مروحية عسكرية ومئات القتلى على قارعة الطريق.. هكذا تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

"وكأنها ليلة يوم القيامة".. بهذه العبارة استهلت الصحيفة افتتاحية تقرير نشرته، أمس السبت، مشيرًا إلى أن فجر السبت شهد تطهير الجيش التركي من آلاف الجنود بعدما فشلت محاولة الانقلاب وأصبح القلق يراود الأتراك الذين جافاهم النوم في تلك الليلة.

وحاول أردوغان التأكيد على سيطرته على الدولة في حديثه الليلة الماضية عن استهداف مدبري الانقلاب ومن ينظر إليهم على أنهم أعداء الدولة.

الرئيس المحاصر 

بعد غياب خلف إرباكًا كبيرًا في تركيا واستمر لساعات، خرج الرئيس المحاصر برسالة وجهها إلى الأمة في ساعات مبكرة قبل فجر السبت، وحث أتباعه عبر رسالة مصورة عبر تطبيق "فيس تايم" الذي كان يسعى لقمع مستخدميه في الماضي وطالبهم بالنزول للشارع لدعم الديمقراطية.

مشهد مذهل 

كانت كلمة أردوغان عبر الهاتف بمثابة مشهد مذهل تم إذاعته تلفزيونيًا في كل أنحاء البلاد، وبدا - في البداية - أنه محرج للرئيس الذي يقدم نفسه كمصدر للقوة المطلقة، وجرى الافتراض بأنه مشهد النهاية.

لكن، في الواقع، كانت كلمته نقطة تحول، عندما دعا مؤيديه للنزول للشوارع والتجمع في مطار إسطنبول الذي أغلقه الجيش لمقاومة الانقلاب.

وبحلول ظهر السبت، وبعد المواجهات التي جرت في العاصمة أنقرة بين الحكومة التي استطاعت استعادة مقر القيادة العسكرية الذي سيطر عليه الانقلابيون، عاد أردوغان الذي كان كثير الحديث عن المؤامرات التي تحاول تقويض حكمه ليسيطر على البلاد بذات القوة وربما أصبح شعوره بالعظمة أكثر قوة.

إنذار 

بعدما انكشفت محاولة الانقلاب، يفترض أن يكون هناك انذار من انهيار الدولة التي تعد شريكًا بالغ الأهمية للغرب في محاربة الإرهاب ومحور الاستقرار في المنطقة المكتظة بالمشاكل.

فالولايات المتحدة كانت تسعى لتعاون أكثر قوة مع تركيا في محاربة الإرهاب بينما اعتمدت عليها أوروبا في وقف تدفق اللاجئين من المناطق التي مزقتها الحروب بالشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية.

كيف تصرف الناس 

بدت تلك الليلة وكأنها ليلة ستقوم فيها قيامة تركيا، يقول سبيل ساملي، منتج أفلام مستقل في مدينة إسطنبول، فالناس تحولوا إلى الأسواق لشراء الخبز والبيض والماء، وذهب آخرون إلى الصرافات الآلية لسحب النقود.

كان يومًا مغريًا خاصة عندما انتشرت تلميحات مبدئية بوجود شيء غير عادي، فالجيش أغلق جسر البسفور، وبدأت الطائرات الماقتلة والمروحيات تحلق على ارتفاعات منخفضة فوق إسطنبول وأنقرة، وعاش سكان المدينتين أوقات متقطعة بين الضجيج وطلقات الرصاص.

وبصورة مفاجئة، بدأ الأتراك يتفاعلون مع هواتفهم الذكية، وأمام التلفزيونات وفي المقاهي والحانات، محاولين اكتشاف ما يحدث.. لم يكن أي شخص يعرف أين كن الرئيس في ذلك الوقت؟.

الشائعات

ذكرت شائعات أن الجيش يٌجري مناورة عسكرية لاحباط مؤامرة إرهابية، وأخرى تحدثت عن خطف طائرة مدنية في السماء، لكن العديد من الأتراك تذكروا تاريخ بلادهم وتدخل الجيش في السياسة وبدأوا يتساءلون عما إذا كان ما يجري هو انقلاب عسكري.

وكان الوقت قريبًا بما يكفي، عندما خرج بن علي يلديريم، رئيس الوزراء التركي، ليقدم لهم الإجابة عن سؤالهم قائلاً في كلمة عبر التلفزيون: "مجموعة متمردة من الجيش كانت تحاول القيام بانقلاب عسكري".

وفي وقت لاحق، دعا منفذوا الانقلاب إلى تشكيل مجلس انتقالي، يحمل شعار مؤسس الجمهورية التركية العلمانية، مصطفى كمال أتاتورك، وأعلن بيانًا قال فيه أنه سيطر على السلطة في البلاد.

وكأنه حلم

بدأت ليلة تركيا بعد مساء الجمعة وكأنها من الأحلام وامتدت حتى قبل طلوع الفجر، تخللتها أحداث عنف وقتل وصلت حصيلته إلى 265 قتيل، غالبيتهم من الأجهزة الأمنية التي كان أطرافها يحارب بعضهم البعض للسيطرة على الدولة.

بدت الليلة وكأنها جزء من المسلسلات الدرامية التي تتناول الصراعات التي هيمنت على تركيا في السنوات الأخيرة، وشهدت الشوارع احتجاجات وحربٌ تدور رحاها بين أردوغان وحليفه السابق فتح الله جولن، الذي اتهمه أردوغان لاحقًا بالوقوف وراء الانقلاب ومسؤوليته عن زيادة العنف السياسي والإرهاب في تركيا.

لفتت الصحيفة إلى أن سمالي، منتج الأفلام التركي الذي سبق الإشارة إليه، ذكر أنه كان واقفًا على سطح إحدى الفنادق بالجزء الأوروبي من مدينة إسطنبول عندما حلقت الطائرات بالقرب من رؤسهم.

وتابع: "توقعنا أن يكون ذلك بسبب حالة التأهب الكبيرة عقب الهجمات التي تعرض لها المطار، لكننا علمنا لاحقًا أنه هناك محاولة انقلاب وأن هناك مطالبات من الناس بالبقاء في المنازل"، لكن أول الإشارات عن الإنقلاب لم تنجح بعدما أصبح من الواضح أن الجيش فشل في السيطرة على المباني الحكومية أو إيقاف المسؤولين المنتخبين وهي أولى خطوات الانقلاب.

البحث عن أردوغان 

في وقت لاحق، علم الناس أن المتآمرون يبحثون عن أردوغان في مدينة مارماريس الواقعة على شاطئ البحر والتي يقضي فيها عطلته، لكن الأمر كان متآخرًا جدًا حيث ظهر أردوغان في مكان غير معروف ليبحث رسالة إلى الأمة التركية عبر الهاتف يطالبها فيها بالنزول للشارع.

كيف أفلت أردوغان؟

للمرة الثانية، اعتمد أردوغان على الإسلاميين المحافظين وشعبيته كما فعل لمواجهة احتجاجات 2013 لمواجهة الانقلابيين، وانضم أئمة المساجد إلى أردوغان وكرروا دعواتهم للناس بمقاومة الانقلاب.

"لن نترك تركيا تسقط".. بهذه الكلمات صرخ أحد المواطنيين في إحدى مقاطعات إسطنبول صباح السبت مطلقًا النار من مسدسه في الهواء وهو يصيح "الله أكبر"، بينما دعت المساجد المواطنيين بالنزل إلى الشوارع وبدت المدن التركية وكأنها مدن حرب محاصرة في العراق أو سوريا.

وقبل أن تهبط طائرة أردوغان في مطار إسطنبول كانت ساعة مخيفة عاشها الأتراك، فالطائرات الحربية كانت تحلق على ارتفاعات منخفضة في سماء المدينة وتلقي قنابل صوتية حتى بدا المدينة وكأنها تتعرض لقصف جوي، واستمر إطلاق النار في إسطنبول وأنقرة، واستخدم الجنود سيارات المدنيين كحواجز لاغلاق الطرق.

وفي البرلمان سمع دوي انفجاران وتم تفجير المروحية التي كان يستخدمها الإنقلابيون من الجو بمقاتلة حربية، بينما شهد مكتب "سي إن إن تركيا" هبوط مروحية عسكرية على سطحه واقتحم الجنود التابعين للانقلاب المقر أثناء البث الحي وأغلقوا القناة.

نهاية المؤامرة

عندما هبطت طائرة أردوغان في مطار إسطنبول كان الفوضى مازالت قائمة، لكن بظهروه أصبح الأمور أكثر وضوحًا بأن المؤامرة تقترب من نهايتها.

وبطريقة مميزة تحدث أردوغان في مواجهة المحتجين في الشوارع وتعهد إليهم بأنه سيجتث المتآمرين من جذورهم، مشدد على أن محدث فضل من الله على تركيا، لأن تلك الحركة وتلك المحاولة ستسمح لنا بتنظيف الجيش الذي يحتاج إلى تنظيف كامل.

انقسام داخل الجيش 

أصبح واضحًا، بعدما هبطت طائرة أردوغان في إسطنبول، أن الواقفين وراء الانقلاب لا ينالون الدعم الكافي داخل الجيش، تقول الصحيفة، التي أوضحت أن حلقة كاملة من محاولة انقلاب كشفت مدى الانقسام العميق داخل المؤسسة العسكرية نفسها، مشيرة إلى أنه انقسام غير ظاهر للعلن.

فبينما يمتلك الجيش التركي تاريخ من التدخل في السسياسة ينعكس في 3 انقلابات صريحة خلال 5 عقود، إلا أن أردوغان كان دؤوبًا في العمل بصورة منتظمة على الحيلولة دون تكرار ذلك وحدوث انقلاب ضده بسلسلة محاكمة مثيرة.

اقتصر الانقلاب - بحسب مسؤولين رسميين - على قوات الدرك - قوات عسكرية تستخدم أسلوب قوات الشرطة المدنية - والقوات الجوية، وعناصر من القوات البرية.

مصير المشاركين

العديد من الجنرالات وضباط برتبة عقيد تم القبض عليهم، ولكن أي من كبار الضباط لم يتم الكشف عنه بصورة علنية، وكثير من ضباط الصف والجنود تم اقتيادهم، السبت، في حملة تطهير للجيش بأكمله.

كل هؤلاء ينتظرون البقاء في السجن مدى الحياة، وفقًا لإلينور سيفيك، مساعد أردوغان، في مقابلة عبر الهاتف مساء السبت.

الخدعة

بعدما انقضت ليلة الانقلاب الفاشل، بدأت نظرية المؤامرة يتم تداولها بين بعض الأتراك الذين اعتقدوا أن ما حدث خدعة أو شيء تم تدبيره بواسطة أردوغان حتى يصبح مبررًا للتخصل ممن يرى أنه أعداء الدولة وليصبح أكثر قوة ويحول منصب الرئيس إلى منصب تنفيذي لديه صلاحيات واسعة.

لكن العديد من الأتراك الصغار قد أصيبوا بالذعر عندما سمعوا أنباء الانقلاب الذي عاصر الكبار بعض مراحله وما شهدته تلك الفترات من عنف، وقال آخرون أن هناك حالة من الرعب انتابت البعض وخوفًا من حرب أهلية عقب سماع أصوات الانفجارات في إسطنبول.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان