ماذا لو نجح انقلاب تركيا؟
كتب - علاء المطيري:
بين متآمر من قلب جيشها وخصم كان بالأمس حليفًا لزعيمها؛ تقف تركيا التي كانت أملاً ونموذجًا مستقرًا في منطقتها على أعتاب صراع داخلي؛ أوجدته محاولة انقلاب فاشلة، سيؤدي إلى إضعاف قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية- وفقًا لصحيفة الاندبندنت البريطانية - التي أوضحت أن أردوغان يزدهر وتركيا تواجه غياب الاستقرار وتدفع ثمنًا باهظًا لتحالفاته السابقة مع فتح الله كولن الذي أصبح المتهم الأول في محاولة الانقلاب الفاشلة.
ويرى مؤيدو أردوغان ومعارضوه - على السواء - أنه لو نجح الانقلاب فإن تركيا ستواجه ديكتاتورية عسكرية شاملة أو حرب أهلية أو كلاهما، وفقًا للصحيفة التي نقلت قول أردوغان إلى قادة العالم: "من يقوم الآن بمحامي الاعتدال كان سيرقص فرحًا إذا تم قتلي على يد المتآمرين".
"غياب الاستقرار في تركيا يمثل أنباء جيدة لداعش".. بهذه العبارة استهلت صحيفة الاندبندنت البريطانية تقرير نشرته، أمس السبت، قالت فيه إن جهود المؤسسات الأمنية التركية ستنصب على تعقب أتباع فتح الله كولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على حساب متابعتها لعناصر التنظيم.
فمحاولة الانقلاب الفاشلة وما تلاه من عمليات تطهير قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مزقت تركيا إربًا، وفقًا للصحيفة التي أشارت إلى أن الدولة التي كانت تمثل أملاً كبيرًا للشرق الأوسط تٌركت ضعيفة وغير مستقرة.
فالجيش التركي الذي كان دعامة قوية للدولة لوقت طويل أصبح جزء من الاضطرابات التي تطال الدولة بعدما أصبح 40 % من جنرالاته وقادته ما بين الفصل من الخدمة والاحتجاز داخل السجون بعدما أصبحوا محل شك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة مساء يوم 15 يوليو الجاري التي خلفت 246 قتيلاً وشهدت قصف البرلمان وتفجيرات في عدد من المقار الحكومية لقتل أردوغان أو إلقاء القبض عليه.
أردوغان يبدأ التطهير
"من يقوم الآن بمحامي الاعتدال كان سيرقص فرحًا إذا تم قتلي على يد المتآمرين".. لفتت الصحيفة إلى أن استجابة أردوغان على محاولة الانقلاب الفاشلة تمثلت في بدء حملة تطهير واسعة تطال الجميع بداية من الجنود إلى المدرسين وكل من له صلة بطريقة أو بأخرى بحركة فتح الله كولن - المتهم بتدبير الانقلاب والذي يقيم في الولايات المتحدة - وطالت الحملة 45 صحيفة و16 قناة تلفزيونية بينها قناة أطفال، إضافة إلى 23 محطة إذاعية.
وخشية من أن تطالهم حملة التطهير والاعتقالات بتهم التورط في محاولة الانقلاب قام العديد من الناس بإحراق الكتب والأوراق التي يمكن أن تكون سندًا لوجود علاقة بينهم وبين حركة فتح الله كولن، ووصلت في بعض الأحيان إلى إلقاء تلك الكتب في الأنهار أو وضعها في سلة القمامة.
قبل 5 سنوات كانت تركيا أكثر الدول استقرار ونجاحًا في الشرق الأوسط بصورة جعلت بمثابة نموذجًا تسعى دول أخرى لتسير على خطاه، لكن، بدل من أن تصبح العراق وسوريا مثل تركيا أصبحت هي مثلهم في السياسة والعرقية والانقسام الطائفي، وفقًا للصحيفة.
وتابعت أن سلطة أردوغان الشخصية أصبح أكثر قوة بعدما أظهره من شجاعة وقوة في هزيمة محاولة الانقلاب وإفشالها وبما أقدم عليه من إزالة ما تبقى من عقبات في طريق توطيد دعائم حكمه، لكن الانقلاب الفاشل أشار إلى أن تركيا الأمة ذات الـ80 مليون نسمة وجيشها الذي يصل قوامه 600 ألف جندي أصبحت أكثر ضعفًا وأقل استقرارًا.
وسيتعمق قادتها في مستقبل عاجل قوامه إجراء عمليات تطهير للتعرف على الموالين والمعارضين، وبينما يستمر ذلك تواجه الدولة ضغوطًا من أكثر من جبهة خاصة جبهة حرب العصابات مع الأكراد جنوب شرق البلاد، والهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش والعزلة السياسية التي تسبب فيها تورطها في الحرب بسوريا.
تركيا وأمريكا وكولن
يمثل عدم استقرار تركيا أنباء جيدة لداعش لأن المؤسسات الأمنية التركية لن يكون اهتمامها منصب بصورة كاملة على تتبع المتمردين السلفيين والجهاديين بقدر تركيزها مطاردة أتباع فتح الله كولن، وستستفيد كل من القاعدة وداعش ومن على شاكلتهم من أجواء العداء لأمريكا في تركيا التي يعتقد الكثيرون أنها كانت تدعم الانقلاب العسكري الفاشل، بعدما كان ينظر إليها على أنها ضمان استقرار تركيا في الداخل والخارج، لكن الانقلاب الفاشل قسم الدولتين بصورة سيكون من الصعب استرجاعها.
ولفتت الصحيفة إلى أن 149 جنرال من أصل 358 جنرال وضابط بحري تم احتجازهم أو خروجهم من الخدمة بطريقة مخزية وكان بينهم قادة كانوا يحاربون التمرد الكوردي في جنوب شرق البلاد إضافة إلى رئيس أركان القوات الجوية السابق.
مؤامرة ضخمة
وأوضحت الصحيفة أن العديد من الأتراك أخذوا وقتًا حتى يدركوا حطورة ما حدث، لكنه بات من الواضح أن محاولة الانقلاب لم تكن مجرد عمل قام به عصبة غير راضية من الضباط داخل الجيش؛ وأنها كانت نتاج مؤامرة هائلة للسيطرة على الدولة التركية استمرت صناعتها عقود وكان من الممكن أن تنجح.
ففي ذروة التمرد سيطر مدبورروا محاولة الانقلاب على رئاسة أركان الجيش ومراكز قيادة القوات الجوية والبحرية وقوات المشاة، وكانوا قادرين على فعل ذلك عبر حراس وأمناء ومساعدين تم وضعهم بصورة سرية في مناصب حساسة.
وبرر وزير الداخلية عدم معرفته بأي شيء عن محاولة الانقلاب إلا في مرحلة متأخرة جدًا بأن الذراع الاستخباراتي المسؤول عن تقديم التقارير عن هذا الأمر كان داعمًا للانقلاب.
ولفتت الصحيفة إلى أن أردوغان لم يكن لديه أدنى فكرة عن الانقلاب حتى الساعة الـ4 من مساء يوم 15 يوليو الذي شهد بداية الانقلاب، وأن أول ما وصل إليه كان معلومة من صهره الذي أوضح له أن جنود الجيش يغلقون الطرقات في مدينة إسطنبول.
وبدأ أردوغان محاولة استمرت 4 ساعات للوصول إلى رئيس الاستخبارات الوطنية أو رئيس الأركان أو رئيس الوزراء، لكنه لم يصل إلى أي منهم.. ويبدوا أن أردوغان قرر الهرب من الفندق الذي كان يقضى فيه إجازته بمدينة مرماريس على ساحل بحر إيجة، قبل وصول فرقة من جنود النخبة لديهم أوامر بالقبض عليه أو قتله.
"غزو المختطفين"
ونقلت الصحيفة عن قدري كورسيل، شخصية نقدية للحكومة التركية - إنه لم يعد هناك الكثير من التساؤلات حول حقيقة مشاركة فتح الله كولن في محاولة الانقلاب الفاشلة رغم إنكاره المتكرر، مضيفًا: "ليس لدي أدنى شك في أنه كان العقل المدبر والعامود الفقري للانقلاب الفاشل".
وتابع: "ما يثير دهشتي هو الدرجة التي وصل إليه كولن بصورة مكنته من اختراق الجيش وإفساده بهذه الطريقة إضافة إلى القضاء والمصالح الحكومية"، مشيرًا إلى وجود تشابه جزئي بين ما قاموا به وبين فيلم "غزو جسم المختطفين" الذي عرض في خميسنيات القرن الماضي والذي قامت فيه المخلوقات الفضائية بالسيطرة على مدينة أمريكية بصورة لم يتم إدراكها إلا في وقت متأخر جدًا.
محاولة الانقلاب لم تكن متوقعة في تركيا التي يسأل فيها المواطنون عن مستقبل لا يجدون له إجابة واضحة بعد فشله، فهل يستغل أردوغان الفرصة المتاحة للتخلص من كل معارضيه ومنافسيه وليس أتباع فتح الله كولن فقط، حيث تم اعتقال قرابة 15 ألف شخص بينهم 10 آلاف جندي، وتنحى الحرس الرئاسي وتم الاستغناء عن ثلث القضاة وسجن إعلاميين وغيرها من التحركات، لكن البعض يرى أن الحملة على المعارضة سوف تتوقف عند هذا الحد.
لو نجح الانقلاب
ولفتت الصحيفة إلى أن أردوغان يظهر ضبط النفس في عمليات تضييق الخناق على المعارضة بصورة عامة، وفقًا لأحد المفكرين في إسطنبول - رفض ذكر اسمه - وأضاف: "لكن عندما نشرت صحيفة رسمًا كرتونيًا ينتقد الحكومة الأسبوع الماضي قامت الشرطة بالبحث عن النسخ واحدة تلو الأخرى في الشوارع لمصادرتها".
وحتى اللحظة الحالية - تقول الصحيفة - يستفيد أردوغان من درجة التوحد والتماسك الذي يبديه الأتراك ضد المتآمرون والمشاركين في محاولة الانقلاب الفاشلة، ولم يقف الأمر عند دعم مؤيديه بل حتى معارضين له، انتقدوا الحكومات الأجنبية والإعلام الذي أورد إدانات رمزية لمحاولة الانقلاب قبل أن يطالب بضبط النفس في إجراء عمليات التطهير داخل المؤسسات التركية.
ويرى معارضي الانقلاب من مؤيدي أردوغان ومن معارضيه أنه لو نجح الانقلاب فإن تركيا ستواجه ديكتاتورية عسكرية شاملة أو حرب أهلية أو كلاهما، وفقًا للصحيفة التي نقلت قول أردوغان إلى قادة العالم: "من يقوم الآن بمحامي الاعتدال كان سيرقص فرحًا إذا تم قتلي على يد المتآمرين".
وقالت صبيحة سنيوسل، مديرة مؤسسة بحثية للدراسة الديمقراطية في إسطنبول: "مساء الانقلاب كان أسوأ مساء في حياتي"، مشيرة إلى أنها كانت معركة بين ديمقراطية منتخبة وانقلاب عسكري، مستشهدة بتقارير أجنبية وصفتها بالمنحازة ضد أردوغان تنتقد الانقلاب باعتدال وكانت متابعة بعضها في ذروة الأحداث: " مصدر عسكري أمريكي يقول أن أردوغان رفض الهبوط في إسطنبول ويطلب اللجوء في ألمانيا".
الانقسام
تواجه تركيا انقسامًا بين عشاق أردوغان ومن يكرهونه، وفقًا لسنيوسيل التي أوضحت أن هناك جانبان من المجتمع يعيشان معًا لكنها لا يتواصلان، مشيرة إلى أنه من الصعب - رغم ذلك - أن تجد شخصًا من اليمين أو اليسار لا يشك في تواطئ الولايات المتحدة مع محاولة الانقلاب الفاشلة، وأن أردوغان نفسه واثقٌ من ذلك رغم الانكار الأمريكي، مشيرة إلى أن الأمر سيخيم على مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل.
ولفتت الصحيفة إلى أن حجم الدعم الذي حصل عليه أردوغان أثناء وبعد الانقلاب مباشرة يظهر عزلته الدولية، وفقًا لأحد المراقبين، الذي أشار إلى أن الرئيس التركي بصدد لقاء بوتين في 9 أغسطس القادم، وأنه من المشكوك فيه أن يكون تحالفه مع روسيا وإيران بديلاً عن عضويته الممتدة في حلف الناتو.
ويمكن لأردوغان أن يزعم أن البديل له في حكم تركيا هم مجموعة من ضباط الجيش الذين لديهم فكر دموي والذين قاموا بقتل المدنيين وقصف البرلمان في الانقلاب الفاشل، لكن سمعة الدولة التركية فسدت بعد التسريبات التي تكشف إلى أي درجة وصل حجم العمل السري في المجتمع منذ ثمانينيات القرن الماضي.
العمل السري
وكان أعضاء حركة فتح الله كولن المتقدمين لوظائف العمل في وزارة الخارجية، على سبيل المثال، يحصلون على إجابات الأسئلة قبل تقدمهم أيًا كانت قدراتهم، حتى أصبحت الخارجية التركية التي كانت ينظر إليها نظرة كبيرة على المستوى العالمي يتدفق إليها دبلوماسيين لا يجيدون التحدث بغير التركية وفقًا لوزير الخارجية.
إن الدولة تنهار - يقول أحد المعلقين، لكنه أوضح أن الأمر يعتمد حتى الآن على ما سيقوم به أردوغان في المستقبل، مشيرًا إلى أنه في الماضي كان يظهر واقعية مصحوبة بنهم سياسي لا يتوقف، لكن في اجتماع الأسبوع الماضي مع قادة الأحزاب الآخرين - باستثناء ملحوظ للأكراد - بدأ أكثر قربًا من العلمانيين الذين ربما يكون مجبرًا على التحالف معهم لأنه يريد أن يستبدل الضباط الذين تم إقالته من أتباع كولن بآخرين علمانيين العديد منهم كان بين ضحايا التطهير الذي قام به أتباع كولن.
من يدفع الثمن؟
تدفع تركيا ثمنًا باهظًا لتحالف أردوغان السابق مع فتح الله كولن بعدما تم انهار التحالف وتحول إلى عداء، مشيرة إلى أن أتباع كولن كانوا يريدون أن يعودا للسيطرة على كل شيء، خاصة أنه كانت الطرق مفتوحة أمامهم بصورة كبيرة لاختراق مؤسسات الدولة والجيش عندما تحالفوا مع أردوغان وحزبه في الفترة منذ عام 2002 حتى 2013 لمواجهة العلمانيين، حيث كانوا يقبلون في وزارة الخارجية بغض النظر عن قدراتهم الدبلوماسية.
ولفتت الصحيفة إلى أن التطورات الأخيرة ستجعل تركيا فناءٌ خلفي لمقاتلي داعش وقاعدة انطلاق إلى سوريا لأن الأجهزة الأمنية التركية ستغض الطرف عن الجهاديين والسلفيين، مشيرة إلى أنه استأنف المواجهة العسكرية مع حزب العمال الكردستاني لحشد القوميين خلفه بعد الفشل في انتخابات في 7 يونيو من العام الماضي.
وترى الصحيفة أن شخص أردوغان يزدهر في أوقات الأزمات والمواجهة التي كانت أبرزها وآخرها محاولة الانقلاب الفاشلة، لكن الدولة التي تقوم على استراتيجية الأزمات الدائمة تصاب بالضعف وتفقد الاستقرار في الوقت الذي تجتاح الحروب دول مجاورة.
فيديو قد يعجبك: