لماذا تدعم روسيا بشار الأسد؟
كتبت- رنا أسامة:
سلّطت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية الضوء، على ما قالت إنه "السبب الحقيقي" وراء دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنظيره السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية المستمرة في البلد الشرق أوسطي منذ ست سنوات.
وتُشير المجلة، في تقرير نُشر عبر موقعها الرقمي، الاثنين، إلى أن حدود العلاقات التي أعادت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بارك أوباما ضبطها مع روسيا بشأن الأزمة في سوريا، تتضح في عدد قليل من القضايا؛ فعلى مدار أكثر من عام، حاولت الولايات المتحدة ربط أواصر الوِد مع روسيا، والتعاون من أجل التوصّل إلى حل لإنهاء العنف في سوريا، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل.
ومن جهتها، أبدت موسكو معارضتها الشديدة لأي تدخل دولي يرمي للإطاحة بالأسد، بحُجة أن المفاوضات هي السبيل الأمثل لحل الصراع، مشددة على ضرورة إشراك الرئيس السوري في أية ترتيبات انتقالية قد تفضي إلى حكومة جديدة.
وبالرغم من محادثات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، مع قادة المعارضة السورية في الآونة الأخيرة، فإن المحادثات لم تُسفر عن أية نتائج تشير إلى تغيير الكرملين مواقفه في سوريا.
وترى المجلة أن هذا الأمر ليس بالمُدهِش والمفاجئ حقًا؛ فالعائق الوحيد أمام أي تحوّل في الحسابات الروسية هو الرئيس فلاديمير بوتين نفسه، بالنظر إلى أن مُعارضته الراسخة والمكثفة لتغيير النظام السوري قسرياً.
وتتساءل المجلة: لِمَ يُقدّم بوتين كل هذا الدعم إلى الأسد؟
وتقول إنه من الناحية الظاهرية، تبدو موسكو مُستفيدة من تصدير الأسلحة إلى سوريا، لضمان الوصول الروسي إلى مُنشأة بحرية في ميناء طرطوس على البحر المتوسط.
بيد أنه، وبحسب المجلة، تبدو هذه المصالح هامشية ورمزية.
أما الدافع وراء دعم بوتين لنظام الأسد فربما يعود إلى خوفه من انهيار الدولة- ذلك الخوف الذي واجهه بشكل مباشر خلال المرحلة التي شهدت انفصال جمهورية الشيشان الواقعة شمال القوقاز عن روسيا- التي تعرّضت لقمع شديد في حرب أهلية دموية، وخاضت عمليات مكافحة ضد التمرّد في الفترة ما بين 1999 و2009.
الشيشان
بالنسبة لبوتين، فإن الأزمة السورية تُعيد إحياء ذكرى ما جرى في الشيشان، إذ دار الصراع في كليهما بين الدولة ومُختلف قوى المعارضة، التي تفتقر إلى وجود قائد ودائمًا ما تأتي مُشتملة على الجماعات الإسلامية السُنيّة المُتطرفة، وفقا لفورين أفيرز.
من وجهة نظر بوتين، التي دائمًا ما يجهر بها في اجتماعاته مع نظرائه الأوروبيين والأمريكيين، فإن سوريا تُمثل آخر ساحات المعركة في الصراع العالمي الدائر منذ عقود عدة بين الدول العلمانية والإسلامية السُنيّة، التي بدأت لأول مرة في أفغانستان مع حركة طالبان ثم انتقلت إلى الشيشان، وشتّت عددًا من الدول العربية.
وتقول المجلة إن بوتين ما إن وصل إلى الرئاسة (كرئيس للوزراء بداية في 1999 ثم رئيسًا للبلاد في 2000)، واصطدامه بحرب الشيشان، أعرب عن مخاوفه من التطرّف الإسلامي السُني والمخاطر التي أثارتها الجماعات الجهادية في روسيا، بالنظر إلى كونها تضم قطاعًا كبيرًا من المسلمين السُنة بين سكانها، مُركّزين في شمال القوقاز، ومنطقة الفولغا، ومدن كبرى كما موسكو.
ومن ثمّ فإن الرغبة في احتواء التطرّف يُمثّل دافعًا كبيرًا وسببًا رئيسيًا وراء تقديم بوتين يد العون إلى الولايات المتحدة في حربها ضد حركة طالبان في أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وكذلك دافعًا وجيهًا لتقوية روسيا لعلاقاتها مع شاه إيران، الذي عًمِل كموازن للقوى السُنيّة.
في وضع مثل الشيشان، أوضح بوتين، وفقا للمجلة، بما لا يدع مجالًا للشك أن استعادة الجمهورية الشيشانية من قوات المعارضة المتطرفة كان يستحق كل التضحية.
وفي كلمة ألقاها عام 1999، وعد بملاحقة متمردي الشيشان والإرهابيين في عٌقر دارهم.
وبالفِعل حقّق ما وعد به، فكما تُشير "فورين أفيرز"، قُتِل عدد من قادة المعارضة في هجمات صاروخية شنّتها قوات بوتين. ونجح في احتواء انتفاضة الشيشان بعد عقدين من الصراع الانفصالي.
على مدى العامين الماضيين، تمنّى بوتين أن يتمكّن الأسد من صدّ المعارضة على غِرار ما قام به في مواجهة الشيشان، واقتداءً بسجل والده، الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، في قمع الانتفاضات.
"لا خطة بديلة"
وقالت المجلة إنه على هذا الأساس توقّع بوتين ألا يُمانع هذا النظام اتباع ذات الاستراتيجية للحفاظ على الدولة، فيما يبدو الآن أن الأسد قد أخفق، وبوتين ليس بالشخص الذي يمكن أن يدعم "حصانًا خاسرًا"، بحسب تعبير فورين أفيرز.
وأضافت أن بوتين وباقي القيادة الروسية على دراية بأن دعمهم للأسد أسقط مكانة روسيا في العالم العربي، ولكنّهم لا يملكون خطة بديلة للخروج من هذا المأزق.
وأوضحت أن بوتين ما يزال بوتين يرفض التدخّل بما يمكن أن يفضي إلى تفكيك الدولة السورية، الأمر الذي يحمل في طيّاته تهديدًا بخلق حالة مُشابهة لما جرى في أفغانستان في 1990، حينما شهدت قتالًا بين الجماعات المتطرفة خلق تربة خصبة للجهاد العالمي.
وأشارت إلى أنه في نظر بوتين، فإن ليبيا التي ينعدم فيها القانون في مرحلة ما بعد معمر القذافي، والتي أصبحت مُصدرًا للسلاح والمقاتلين واللاجئين إلى الدول المجاورة، خير دليل على تداعيات التدخّل الدولي.
"أسئلة مؤرقة"
قبل الكفّ عن دعم الأسد، ترى المجلة أنه ينبغي على بوتين وضع إجابات لبعض الأسئلة المؤرقة:
مَن سيُصبح مسؤولًا عن تداعيات إسقاط النظام؟ مَن سيضع المتطرفين السُنة تحت المراقبة؟ من سيُلقي المتطرفين جانبًا بعيدًا عن شمال القوقاز وغيرها من المناطق الروسية ذات الأغلبية السُنية المسلمة؟ وأخيرًا من سيضمن أمن الاسلحة الكيميائية السورية؟
وقالت المجلة إنه "بكل تأكيد فإن بوتين لا يثق في قُدرة الولايات المتحدة على القيام بهذا الدور الرامي لتحقيق الاستقرار، مُستشهدًا في ذلك بانسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان.
وعليه فإن بوتين، بحسب فورين أفيرز، يشك في قدرة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على تحقيق الاستقرار في سوريا، لذا يواصل الوقوف والدعم للنظام الفاشل باعتبارها الوسيلة الوحيدة المُثلى التي تضمن عدم انهيار الدولة.
وبالرغم من أن بوتين يرى في سوريا نموذجًا آخر للشيشان، فإن الوضع في كليهما مختلف تمامًا، حسب المجلة. فسوريا في مخاض حرب أهلية والأسد لا يملك ذات المصادر والآليات التي اعتمد عليها بوتين لاستعادة الشيشان، فهو لا يستطيع القضاء على الممثلين الرئيسين للمعارضة السورية كما فعل بوتين مع المعارضين الشيشان.
علاوة على ذلك، فإن سوريا تعُج بأسلحة تقليدية جنبًا إلى جنب مع ترسانة لأسلحة الدمار الشامل التي تُثير تهديدًا كبيرًا للدول المجاورة، بما في ذلك: الأردن، تركيا، العراق، إسرائيل، وإيران.
"بوتين لن يغير موقفه"
وتابعت المجلة: "وعلى النقيض، لن تقنع تلك الخلافات ولا حجم المأساة الإنسانية بوتين على تغيير موقفه حيال سوريا؛ فالرئيس الروسي سوف يواصل الوقوف في وجه التدخل والإصرار على أن المفاوضات مع الأسد يجب أن تكون جزءً من التقدم للأمام، حتى يمكن العثور على رجل قوي للحفاظ على ما يشبه النظام في الفوضى سوريا."
وأضافت أنه "إذا لم تتحول سوريا، بما يشبه المعجزة، إلى كارثة إقليمية واسعة النطاق، فإن بوتين سوف يقول إن ذلك يرجع إليه لأنه منع أي تدخل. أما إذا كان هناك سيناريو اخر، وهو الأمر المرجح، فإنه سوف يلقي باللائمة على واشنطن."
وقالت المجلة إن الرئيس الروسي سوف يحمل الولايات المتحدة مسؤولية تدمير سوريا وتمكين المتطرفين الإسلاميين السنة عبر نصرة الديمقراطية والثورات العربية.
"في غضون ذلك، يحول عناد بوتين بالفعل أسوأ كوابيسه – تفكيك دولة ذات أهمية جيوسياسية – إلى حقيقة."
فيديو قد يعجبك: