إعلان

عائد من الموت.. صبي مجند رأى والدته بعد فراق 6 سنوات ولم ينطق كلمة

06:03 م الأربعاء 05 أبريل 2017

صبي مجند رأى والدته بعد فراق 6 سنوات ولم ينطق كلمة

كتب - محمد الصباغ

هبط الفتى المراهق من الطائرة وفي أذنيه حجرين صغيرين، لم يوافق على وضع سدادات الأذن، ورأسه لاتزال تؤلمه من الضوضاء التي تزعجه. لا يمتلك حقائب، وملابسه متسخة. حوّلته الحرب إلى طفل مقاتل لكنه سقط أسيرًا للقوات الحكومية، وتعرض للركل واللكم والجلد.

ووفقًا للقصة المنشورة بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فالفتى الآن عاد إلى منزله بعد 6 سنوات من الغياب. خطا إلى شاحنة تابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، وجلس غير متزنًا على المقاعد الخلفية للشاحنة، وبدا في حالة هلع شديد.

"هل تسمعني، دوب؟" سأل أحد موظفي اليونيسيف، مستخدمًا الاسم الأول للفتى. وأضاف موجهًا حديثه للمراهق "سترى والدتك".

حدق "دوب" بعينيه خارج النافذة، وغير أصوات احتكاك السيارة بالطرق غير الممهدة، لم تُسمع كلمة.

لم تبدأ دولة جنوب السودان، الوليدة، طريقها المرجو بعد، وخصوصًا المرسوم للأطفال. أُعلن عن الدولة في عام 2011 لكنها انزلقت سريعًا نحو الوحشية والصراعات العرقية التي تؤجج الحرب، وبدورها أحرقت المدارس ومزقت العائلات وجعلت آلاف الأطفال مشوهين يحملون الأسلحة ويقتلون الأخرين.

والآن، تحاصر المجاعة جنوب السودان، ومن المعروف أن المجاعات تحصد الصغار. فخلال مجاعة ضربت الصومال عام 2011، أكثر من نصف من ماتوا بسببها كانوا أطفالًا تحت سن الخامسة، ووصل عدد ضحايا المجاعة إلى ربع مليون شخص.

وكما كتب المؤرخ الإغريقي هيرودوت، منذ ألفي عامًا مضت: في أوقات السلم، الأبناء يدفنون آبائهم. وفي أوقات الحرب يدفن الآباء أبنائهم.

في جنوب السودان، لا يبدو أن أوقات الحرب ستنتهي قريبًا. ولو حدث ذلك، ستترك دمارًا دائم.

يقترب "دوب" من السادسة عشر. لديه يدين كبيرتين، ومعصم رفيع، ورأس حليق ووجه بيضاوي وذقن دائري. ينتمي إلى قبيلة النوير في قرية بشمال البلاد، بالقرب من مدينة بانتيو.

كان "دوب" صبيًا مجندًا، مع أكثر من 10 آلاف في سن مشابه يحملون البنادق الآلية في جنوب السودان. وقالت اليونيسيف إن القوات المعارضة والحكومية التي تدربت في الولايات المتحدة الأمريكية، تجند الاطفال، من سن العاشرة. ويعتبر القانون الدولي استخدام الأطفال في الحروب جريمة حرب.

ولم تنشر نيويورك تايمز الاسم الكامل للفتى المراهق لأن مسئولي اليونيسيف أكدوا أنه كان شاهدًا على الكثير من جرائم الحرب. وربما يطارده الجنود الذين ارتكبوا هذه الجرائم، من أجل قتله.

يحيط بما مر به "دوب" بعض الغموض. فقالت عائلته إن مقاتلي الحكومية ضربوه في رأسه بشكل متكرر وركلوه في وجهه. ويبدو أنه فقد جزءًا كبيرًا من قدرته على السمع، والحديث. وربما أيضًا يسمع الأصوات، كما قال بعض عمال الإغاثة الذين يحاولون جاهدين إخراجه من قوقعته.

ربما هذا سبب آخر لرغبته في الإبقاء على الأحجار الصغيرة داخل أذنه. يحاول إبقاء الأصوات بعيدة عنه.

في بعض الأوقات التي يجلس فيها وحيدًا، يضحك فجأة أو يبدي علامات غضب.

ومن خلال شهادات لمجموعة من عائلته، يبدو أن دوب ترك الدراسة في سن التاسعة، وغادر منزله ليلتحق بفصيلة معارضة، ثم التحق بالجيش الحكومي بعد ذلك، وعاد وارتد مرة أخرى ليقاتل مع المعارضين، ثم وقع في قبضة القوات الحكومية التي ضربته وعذبته ثم تركته لحاله. كل ذلك حدث ولم يكمل عامه السابع عشر.

تمتلك منظمة اليونيسيف في جنوب السودان، قاعدة بيانات لآلاف الأطفال الذين انفصلوا عن والديهم، وفي حالة دوب، فهو محظوظ برغم كل ما مر به. في ديسمبر، وجده رجل وكان يعاني من جروح خطيرة ويتجول حول قاعدة للجيش بالقرب من جوبا، عاصمة جنوب السودان. ساعده ونقله إلى مخيم كبير للنازحين، وبدأ موظفو اليونيسيف في محاولة اكتشاف هوية هذا الفتى.

لم تره والدته منذ ست سنوات. وذلك على الرغم من زياراته المتكررة لقريتها. توصلت اليونيسيف لمكانها ثم جاؤوا بها إلى مخيم النازحين، وهو المكان الوحيد الآمن الذي يمكن ترتيب لقاءهم الأول منذ فترة طويلة.

عندما نزل دوب من الشاحنة، انهمرت دموع والدته. لكن وفقًا لتقاليد قبيلة النوير، لا يمكنها أن تلمسه قبل أن يتطهر. لذا كان هناك وقت للتضحية. أسرعت إحدى أقاربه، واختفت وسط المخيم، بعدما قالت شيئًا عن "ماعز".

يعيش من في المخيم وسط ظروف سيئة ويقول جاتكوتا وور، مدرس يعيش هناك: "أشعر بأنني محتجز". ثم شعر بأنه أخطأ التعبير فقال "أنا محتجز ".

يقيم الأشخاص بالمخيم لسببين. الأول هو أنهم يخشون من القتل بالمصادفة خلال معارك بين الحكومة والمعارضة. والسبب الثاني هو أن الخوف من مقتلهم على يد الحكومة عن قصد، حيث تنتمي أغلب القوات الحكومية إلى قبيلة الدينكا.

وكان الصراع بين القبيلتين كبير في 2013، عقب الاستقلال عن السودان. والآن اجتذب القتال مجموعات عرقية أخرى في مناطق مختلفة بالبلاد.

بالفعل حصلت العائلة على الماعز، لونها أبيض، وتمت التضحية. تم قطع حلقها، وغمرت الدماء الأرض. حاول الأقارب جاهدين إظهار مشاعر الفرح. بعضهم غنى ورقص.

لكن البعض الآخر كان يهمس: إلى أي مدى يمكنه أن يفهمنا؟ هل سيكون قادرًا على العمل؟ هل يوجد أطباء يمكنهم مساعدته؟

قال بعضهم إنهم توقعوا عدم رؤية "دوب" مرة أخرى مع مغادرته منذ ست سنوات. ربتوا على ذراعيه التي نمت بهما العضلات، وحدقوا في وجهه. وقفت مجموعة من النساء على بعد خطوات منه وبدأوا في التهليل، لكن عيون دوب كانت تائهة.

قال الأقارب إنه بدا كما لو أنه عاد من الموت. وقالت عمته "لكن ليس كما هو. لقد تحوّل".

ed

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان