وسط الدمار.. حلب تحاول الحياة
كتبت- هدى الشيمي:
بالقرب من القلعة القديمة في مدينة حلب السورية، تصاعدت رائحة الورد والياسمين من متجر نصف مُدمر، وامتلأت جدرانه بالثقوب الناتجة عن إطلاق الرصاص.
تقول صحيفة "الجارديان" البريطانية، إن حلب شهدت حربا شرسة خلال الشهور الماضية،إلا أن القتال لم يستطع القضاء على رائحة المكان العطرة، أو تغييرها، على مدار سنوات الأزمة.
وأضافت الصحيفة، على موقعها الإلكتروني، أن سوق حلب كان من أشهر الأسواق في العالم لقرون عديدة. وكانت المدينة مصدرا هاما الحرير، وامتلأت بالتجار من كل مكان في العصور القديمة والحديثة، والذين كانوا يبيعون الحمير، والسلع الأخرى مثل الفستق والزعتر والصابون.
كانت حلب مدينة غنية، وتقول الصحيفة أن أغلب سكانها كانوا من ميسوري الحال، إلا أن كل ذلك لم يعد موجودا الآن.
لم تتوقف الحياة في غرب المدينة، والتي ما تزال تحت سيطرة الحكومة السورية، ولكن أغلب سكانها يعانون من تدني أجورهم، وعدم قدرتهم على العيش كما كانوا قبل الحرب.
أما الجزء الشرقي من المدينة، والذي سيطر عليه المتمردون في السابق، فلم يبقَ منه سوى الحطام والركام، بعد قصفه أكثر من مرة.
"إذا كانت الحرب مستمرة إلى الآن، لما كان أمامنا سوى هذه الأعشاب لنأكلها"، يقول أبو عبده، 71 عاما، مشيرا إلى أعشاب بذور اللفت التي تنمو حول أحد المباني المُدمرة.
كان أبو عبده يجلس مع مجموعة من سكان المنطقة على كراسي بلاستيكية مكسورة، خارج مسجد قديم في قلب حلب، يُدعى مسجد "التوتة"، والذي أقيم في المكان الذي صلى به الجيش الإسلامي بعد استسلام الرومان عام 637.
وتشير الصحيفة إلى أن الدمار في شرق حلب لم يجعل سكانها الأكثر فقرا في العالم، إلا أن أغلبهم اعتاد على طهي الطعام بآلاف المكونات، وتركيب مكيفات الهواء في منازلهم، وتلقي تعليم جيد.
منذ ستة أعوام وحتى الآن، لم تظهر إشارة واحدة تؤكد أن الأزمة السورية أوشكت على الانتهاء. وتقول الصحيفة إن سوريا وروسيا يشنون هجمات جوية في الشمال، وفي الرقة يموت عشرات المدنيين جراء قصف التحالف الجوي بقيادة الولايات المتحدة على تنظيم داعش.
ونوهت الجارديان لاستمرار القتال في بعض الأحياء في حلب. ولكن أهالي المنطقة الشرقية الذين لم يسعوا للجوء، وتم إخلائهم من المدينة، يحاولوا استئناف حياتهم الطبيعية.
وفي حي الشعار، جلس مُراهق، 14 عاما، أمام مدخل متجر صغير على كرسي بلاستيك، يبيع الألعاب وبجانبها مضخات المياه، وإحاطته أغصان من الأضواء المُشرقة التي تعمل بالمولدات، ويقول للصحيفة إن يملك ذلك المتجر، ويحاول من خلاله الحصول على قوت يومه.
وبالقرب منه، تواجد أبو أحمد، 65 عاما، يبيع الحلويات، والذي أصيب منذ أشهر في قتال انتصرت فيه القوات السورية المدعومة من روسيا وإيران، وتسببت قذيفة في فتح بطنه.
ويخبر أبو أحمد الصحيفة الأمريكية، أن الفريق الطبي في المشفى المُقابل لمتجره، لم يكن لديهم أمل أنه سيحيا، فتركوه على الأرض لكي يموت، ولحسن حظه وجده طبيب آخر وانقذ حياته.
ويقول العجوز السوري إن ما دفعه للمقاومة والبقاء على قيد الحياة، بناته المراهقات الثلاثة، ويتابع: "أرغب في أن أراهم يكبرون، عندما يكون لديك فتيات، تشعر وأنك أخذت كل شيء من الحياة، وأنك ثري".
بعد خمسة أشهر من خسارته لكليته، وجزء من الكبد، قضى أبو أحمد أيام يعد العجين ويضع بداخلها المكسرات والجبن، ويقول : "نقاتل من أجل حياتها، عليّ أن أدير متجري، حتى نجد ما نأكله".
يقيم أبو أحمد الحالة النفسية لمواطنيه بعدد الحلويات التي يبيعها، فإذا تردد أحدهم على متجره لشراء شيء ما فهذا يعني أنه سعيد، وإذا لم يذهب أحد فهذا يعني أنه حزين.
ويؤكد أن حلب ستبقى كما هي دائما، ويضيف: "لقد شاء الله أن تتدمر المدينة الآن، ولكننا سنعمرها، إذا كنا مصرّين بما يكفي، ونعلم ما علينا فعله".
بعد عودة الحلبيين إلى الجزء الشرقي من المدينة مرة أخرى، وجدوا منازلهم مسروقة، ويتبادل المتمردون والحكومة الاتهامات في هذا الشأن.
وبالرغم من الحالة التي وصلت إليها حلب. يحاول أهلها الاستفادة من أي شيء هناك. تقول عنهم الصحيفة إن موقفهم الريادي ساعدهم على البقاء أحياء، ومكنهم من تأسيس العديد من المشاريع.
فيديو قد يعجبك: