لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

غزل المحلة: معقل الحركة العمالية المصرية التي حافظت على تقاليدها

01:43 م الخميس 10 أغسطس 2017

لندن (بي بي سي)
يتواصل الإضراب الذي بدأه عمال غزل المحلة الأحد الماضي بسبب عدم تنفيذ مطالبهم حتى الآن، والتي تتمثل في صرف العلاوة الاجتماعية ورفع بدل الغذاء أسوة بباقي شركات قطاع العام مثل المطاحن والزيت والصابون.

وهدد العمال بالتصعيد واستمرار الإضراب لحين تنفيذ مطالبهم التي وصفوها بالمشروعة.

يذكر أن هذا الإضراب من قبل عمال غزل المحلة ليس جديدا في تاريخ نضال هذه المدينة الصناعية المصرية المشهورة بحركتها العمالية منذ عقود.

"أوضاع لا إنسانية"

قبل تأسيس شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة عام 1927 كإحدى شركات بنك مصر، طاف المنادون على القرى المجاورة للمدينة يدعونهم للعمل في الشركة قائلين بحسب فكري الخولي في روايته الرحلة: "بنك مصر عمل مصنع يغزل القطن اللي انتوا بتزرعوه و يعمل منه القماش اللي أنتم بتلبسوه، كنا زمان بنزرع القطن لياخده منا الإنجليز، إحنا النهاردة بنزرع القطن، وهانحوله إلى قماش، إحنا اللي هنزرع القطن و حنغزله و حننسجه عشان يبقي كل شيء من مصر صناعة وطنية، ابعتوا ولادكم يتعلموا صنعة و هاياخدوا أجر كويس".

قدم الفلاحون من القرى للعمل في الشركة. لكن الصورة الوردية التي حلموا بها سرعان ما تبددت في ظل قسوة ظروف العمل، حيث يقول الخولي في روايته: "إنهم لا يبحثون عن إسعادنا، بل يبحثون عن مزيد من الشقاء، ألم تسمعوا عما حدث هذا الصباح، أغلقوا الأبواب، أغلقوها في وجه العمال لأنهم لم يأتوا قبل الميعاد، و لم يكتفوا بالغلق بل ضربوا العمال بالعصي و الكرابيج إلى أن سالت الدماء من وجوههم".

وبعد عشرة أعوام من إنشاء الشركة التي كانت أهم شركات الغزل والنسيج في مصر، أشار تقرير حول مساكن العمال إلى أنها: "بعيدة كل البعد عن كونها ملائمة لسكن الإنسان، بل أنها حتى غير ملائمة لإيواء الحيوان، والأغلبية العظمى من تلك المساكن غير مزودة بمراحيض أو مياه شرب نقية أو حمامات".

وأدى سوء التغذية والمساكن غير الصحية لانتشار الأمراض بين العمال. وفي منتصف الأربعينيات، أشار تقرير حول أوضاع العمال في الشركة إلى أن 90 بالمئة من العاملات مصابات بالسل.

ورغم معاناة العمال في السنوات الأولى فإنهم لم يبدأوا في مقاومة الظلم قبل عام 1938 لعدة أسباب أولها أن هؤلاء العمال، فلاحون قادمون حديثا من الريف، ومن ثم ليس لديهم وعي كاف حول العمل الجماعي والنقابي. وثانيها استخدام أصحاب العمل شعارات "وطنية" لابتزاز العمال ومنعهم من الاعتراض على أوضاعهم البائسة حيث كانت إحدى الأفكار السائدة التي أثرت في وعي العمال هي أنه طالما أن الشركة مملوكة لمصريين، فلا يجوز القيام بالاحتجاجات، حتى لو كان هؤلاء المصريين يمارسون أسوأ أنواع الاستغلال. وثالثها أنه كان هناك انقسام بين المحلاويين والشرقاويين، وهو الذي فرق بين العمال على أساس إقليمي وساهم في منع وحدتهم لفترة ليست بالقصيرة.

سلاح الإضراب

في يوليو عام 1938 وقع أول إضراب كبير لعمال شركة مصر للغزل والنسيج، وكان السبب في ذلك تطبيق نظام جديد للعمل يتألف من ثلاث ورديات كل وردية ثماني ساعات بدلا من ورديتين، كل وردية 11 ساعة. ونظراً لأن العمال كانوا يتقاضون أجورهم على أساس نظام القطعة، كان هذا التغير إيذانا بنقص أجورهم بدرجة ملموسة.

في سبتمبر عام 1947 قام عمال غزل المحلة بإضراب آخر للمطالبة بزيادة الراتب واحتجاجا على المعاملة السيئة من قبل إدارة الشركة. فقامت الحكومة آنذاك بمحاصرة الشركة بالدبابات وإخراج العمال من الشركة بالقوة وفض الإضراب، ورغم ذلك كانت النتائج في صالح العمال، إذ تم رفع أجر عمال الإنتاج عدة ملاليم، وتحسين ظروف العمل ومنها إدخال لبس "الأفارولات" لأول مرة إلى الشركة بعد أن ظل عمال الشركة يعملون لفترة طويلة وهم يرتدون الجلاليب والقباقيب، فلقب الحدث بإضراب "الدبابات والقباقيب".

في عام 1953 وقعت انتفاضة تضامنية مع عمال كفر الدوار عقب صدور الحكم على العاملين خميس والبقري بالإعدام في أعقاب أحداث 1953، حيث انتفض عمال غزل المحلة تأييدا لحركة عمال كفر الدوار مدينين الحكم ، وقاموا بحملة لجمع التبرعات للعمال، كما أرسلوا مندوبين عنهم للتظاهر مع العمال في الإسكندرية وكفر الدوار.

فبراير عام 1975 أضرب ما يقرب من 30 ألف عامل من عمال غزل المحلة احتجاجا على تدني الأجور، وقامت قوات الأمن بمحاصرة الشركة، فخرج العمال إلى الشارع والتحموا بالجماهير رافعين شعارا "نبيع البدلة ليه .. كيلو اللحمة بقي بجنيه"، في إشارة إلى الحالة المتدنية التي وصل إليه العمال مما اضطرهم لبيع "أفرولات" العمل لسد احتياجاتهم المعيشية، وبالفعل انتصرت حركة العمال وارتفعت الأجور.

في عام 1986 أعلن عمال غزل المحلة الإضراب عن العمل لمدة أسبوع كامل مطالبين بإضافة الراحات الأسبوعية "أيام الجمعة" للمرتب. والتحم العمال المضربون بالجماهير في الشارع، وتم القبض على الكثير من قيادات الإضراب. وقد رفضت العاملات استخدامهن ضد زملائهن لكسر الإضراب ورفضن العودة للعمل دون الإفراج عن كل زملائهن المعتقلين، رافعات شعار "الإفراج قبل الإنتاج". واضطرت الحكومة وقتها للتفاوض مع قيادات الإضراب في المعتقل.

في عام 1988 قام عمال غزل المحلة بالتظاهر والإضراب عن العمل والاعتصام بمقر الشركة احتجاجا على قرار الرئيس السابق مبارك بإلغاء المنحة التي كانت تعطيها الحكومة للعمال والموظفين مع بداية كل عام دراسي، وطافت مظاهرات العمال مقر الشركة رافعين نعشًا يرمز إلى الحكومة.

في ديسمبر عام 2006 أضرب عمال المحلة لمدة 3 أيام واضطرت الحكومة للاستجابة لطلباتهم الخاصة بصرف مكافأة سنوية قدرها شهرين كل سنة تحت بند الأرباح.

في ديسمبر 2007 قام عمال المحلة بإضراب استمر لمدة اسبوع، للمطالبة بتحسين الأجور وأوضاع العمل، وإقالة إدارة الشركة المملوكة للدولة، وانتخبت لجنة عمالية للتفاوض، لحماية المنشآت والمعدات حتى لا تقع أي مؤامرات للتخريب وإدانة العمال من خلالها.

في 6 أبريل 2008 تم تنظيم الإضراب الأقوى تأثيرا حيث شجع العديد من الحركات السياسية والإصلاحية آنذاك بعد تلقيهم إعلانا من عمال المحلة بخوض الإضراب، وكانت حركة 6 إبريل قد بدأت تدشينها بالتزامن مع دعوات الإضراب. وحاول رجال الأمن منع العمال، وكثفوا من تواجدهم داخل الشركة ونجحوا في إخماد الإضراب. ولكن تفاجأت الأجهزة الأمنية بانتفاضة شعبية خرجت في شوارع المدينة، وللمرة الأولى حطمت المظاهرات صورا لمبارك كانت معلقة في ميادين المحلة، ولم تهدأ الاحتجاجات حتى توجه أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء حينئذ إلى المدينة بصحبة وفد وزاري، وتعهد بطرح سلع مدعومة فيها، وضخ استثمارات بشركة الغزل.

في نوفمبر عام 2008 تحول إضراب عمال المحلة من مجرد مطالب مباشرة خاصة بالعمال داخل الشركة إلى مطالب عامة وشاملة تهتم بالطبقة العمالية ككل سواء كان قطاع كامل أو صناعة بذاتها. وخرج العمال في مظاهرة ضخمة لرفع شعار واحد فقط وهو الحد الأدنى للأجور لكل العمال، وطالبوا أن يكون هذا الحد 1200 جنيه شهريا.

في ديسمبر 2012، أعلن عمال المحلة اعتراضهم على الإعلان الدستوري والمسودة النهائية له التي أعدها الرئيس السابق محمد مرسي.

في ديسمبر 2014 رفضت الإدارة صرف أرباح العمال مما دفعهم للاحتجاج والتظاهر وتقدموا بالعديد من الطلبات إلى مجلس الوزراء ومكاتب العمل لحل مشاكلهم. وبعد تفاقم الأزمة زار المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء حينئذ مقر الشركة، ووعد العمال بصرف الجزء الأخير من الأرباح في أول يناير 2015 ، إلا أن الإدارة لم تلتزم بالاتفاق.

في يناير 2016 تجددت إضرابات عمال الشركة التي أصدرت منشورا يفيد بعقد جمعية عمومية في 27 يناير وصرف باقي مستحقاتهم، إلا أن العمال رفضوا وزادوا من سقف مطالبهم حيث طالبوا بإقالة رئيس مجلس الإدارة وفتح ملفات الفساد وإحالة الفاسدين إلى النيابة العامة، وإعادة هيكلة الأجور.

في أغسطس عام 2017 أضرب عمال غزل المحلة مطالبين بصرف العلاوة الاجتماعية ورفع بدل الغذاء وضم حافز الـ 220 جنيها للأساسي وصرفه.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان