نيويورك تايمز: إدلب.. ملجأ السوريين تحت سيطرة المتطرفين
ترجمة- منن المشري:
تم نقل فراس الرحيم بعد ان نجا من حصار القوات السورية وعائلته من منطقة يسيطر عليها المتمردون في محافظة حمص وسط سوريا واقتيادهم إلى منطقة فقيرة في الشمال الغربي.
ولكن منذ وصول رحيم وزوجته وأطفالهما الأربعة إلى محافظة إدلب في مايو الماضي، كافحوا من أجل العثور على الغذاء والمأوى، وأصبح الفرع السوري لتنظيم القاعدة يهيمن على المنطقة، مما أثار مخاوف من أن القنابل التي تستهدف الجهاديين يمكن أن تقع عليهم.
وقال رحيم، وهو مدرس، عبر الهاتف من محافظة إدلب: "نحن المدنيين، عالقون بين منظمة ذات أيديولوجية متطرفة ومجتمع دولي على استعداد لمكافحتها بأي ثمن".
تحطمت سوريا بعد ست سنوات من الحرب، وانقسمت على خطوط الجبهة المعادية التي تم الحفاظ عليها بمساعدة من القوى الأجنبية ومجالات نفوذها: تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة كلها وضعت القوات على الأرض لمساعدة حلفاءها.
في ذلك التدافع للسيطرة من جانب الرئيس بشار الأسد، ومن جانب المتمردين وداعميهم الدوليين، والجهاديين الراديكاليين، أصبحت إدلب ملاذا للمدنيين الهاربين، وفي نفس الوقت أكبر معقل للفرع المحلي لتنظيم القاعدة المدجج بالسلاح. فالقوى الغربية مثل الولايات المتحدة التي ترغب في محاربة المتطرفين في إدلب استثمرت بكثافة في الجماعات المحلية التي تعارض الجهاديين.
غير أن الحكومة السورية وحلفائها يقولون إن إدلب ليست سوى ملاذ إرهابي، حيث فرض الجهاديون سيطرتهم، وهو رأي يشاركهم فيه بعض المسؤولين الأمريكيين.
وقال بريت ه. ماكغورك، مبعوث الولايات المتحدة إلى التحالف الذي يقاتل تنظيم داعش، الشهر الماضي إن "محافظة إدلب هي أكبر ملاذ آمن لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر. إدلب الآن مشكلة كبيرة".
ويقول عمال الإغاثة والمقيمون إن الوضع هناك أكثر تعقيدا؛ حيث يتواجد خليط من المجموعات التي تكافح من أجل توفير الخدمات اللازمة للمدنيين من جميع أنحاء سوريا الذين تم نقلهم إلى إدلب للعيش في الحرب. وعلى الرغم من أن الجماعات المتطرفة قوية عسكريا، وقد احتج المدنيون على وجودهم، فإن المسلحين لم يتدخلوا بشكل منهجي في المساعدات، على الأقل حتى الآن.
قال نور عواد، المنسق الإعلامي لمنظمة "فيوليت"، الذي يعمل في إدلب: "معظم الناس يفكرون في المستقبل، ويخافون من ذلك. ولكن حتى لو كانوا خائفين، أين يمكن أن يذهبوا".
انضم الكثير من إدلب، وهي محافظة فقيرة معظمها ريفية على طول الحدود مع تركيا، إلى الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011، وسرعان ما تشكلت جماعات متمردة مسلحة وميليشيات إسلامية.
وأرسلت الولايات المتحدة وحلفاؤها على مدى سنوات مساعدات سرية للمتمردين، بما في ذلك الكثيرين في الشمال، لمحاربة القوات الحكومية السورية. واتهمها النقاد بأنه على الرغم من وصول المساعدات إلى ما يسمى بالمتمردين المعتدلين، فقد استفاد الجهاديون أيضا لأنهم قاتلوا إلى جانب المتمردين وأحيانا اشتروا أسلحتهم.
كانت الحكومة في أماكن أخرى من سوريا، تحاصر جماعات المعارضة حتى تقدمت. وكان المتمردون والمدنيون غالبا ما ينقلون إلى إدلب. وفي هذا الشهر، تم إرسال بضعة آلاف من اللاجئين من لبنان إلى إدلب في اتفاق بين حزب الله، والميليشيات الشيعية التي تدعم حكومة الأسد، وهيئة تحرير الشام، التابعة لتنظيم القاعدة المعروف سابقا باسم جبهة النصرة.
وذكرت الامم المتحدة ان عدد سكان إدلب قد تضخم إلى مليوني شخص، نصفهم على الأقل نزح من أماكن أخرى.
وقد أدى العديد من المحتاجين في مكان واحد إلى عملية مساعدة كبيرة، حيث أرسلت عشرات المجموعات إمدادات غذائية وإمدادات أخرى عبر الحدود من تركيا، وأنشأت مرافق طبية ومشاريع أخرى في إدلب.
وكان مستقبل هذه المشروعات قد اثار شكوكا الشهر الماضي عندما خلفت الاشتباكات بين الجماعات المسلحة في المنطقة جبهة النصرة كقوة مهيمنة. وعلى الرغم من ان المجموعة غيرت اسمها العام الماضي وقالت انها قطعت علاقاتها مع القاعدة، رفض المسئولون الامريكيون ذلك الادعاء واعتبروه دعاية.
وما زال المسؤولون الأمريكيون يعتبرون الجماعة منظمة إرهابية خطرة، كما هو الحال بالنسبة لتركيا، التي فرضت قيودا على مرور البضائع التجارية عبر حدودها، خوفا من أن تعود بالفائدة على الجهاديين.
وتقول جماعات الإغاثة إنهم لم يجبروا على دفع أموال، وذلك لأن الجهاديين يعرفون أن مثل هذه المطالب ستوقف المساعدات التي يحتاجها الناس. وقال الجهاديون انهم سيشكلون هيئة مدنية تحكم المحافظة، ولكن مازال من غير الواضح متى يمكن أن يحدث ذلك أو ما ستبدو عليه هذه الهيئة.
ويتواصل العنف داخل المحافظة. وقالت جماعة الدفاع المدني السوري، التي تعرف أيضا ب"الخوذ البيضاء"، على موقع تويتر ان سبعة من عناصرها قتلوا بالرصاص في مكتبهم في ادلب على يد مجهولين.
وقد هدد الاقتتال الأخير بين الجماعات المسلحة في إدلب اقتصاد المحافظة، الذي قال السكان إنه يتحسن. وعلى الرغم من عدم وجود وقف رسمي لإطلاق النار يغطي المنطقة، فقد نجت المنطقة من الضربات الجوية السورية والروسية في الأشهر الأخيرة.
انطلقت الأعمال التجارية، مع السكان المحليين لبناء المباني الجديدة وفتح وكلاء السيارات والمصانع الصغيرة. كما فتحت مجموعة مساعدات تركية مركزا تجاريا حيث تتسوق الأسر المحتاجة بالقسائم الشرائية.
ويرى بعض السكان أن إدلب هي آخر موقف من انتفاضة الأسد وبدء مجتمع سوري جديد. وشارك الآلاف من الناس في بلدة واحدة، سراقب، في الانتخابات المحلية الشهر الماضي، ولم ينتخب رئيس جامعة إدلب مؤخرا، وهو أمر لم يحدث قط للرئيس السوري.
وقال وسام الزرقاء، وهو معلم في اللغة الإنجليزية: "إن الموضوع مثل الفوبيا". واضاف "لا نريد ان يبقى أحد كرئيس لفترة طويلة".
ولكن بما أن الانصار الخارجيين للمتمردين، بما فيهم الولايات المتحدة، قد قطعوا دعمهم، فإن حكومة الأسد، المدعومة من روسيا وإيران، توسع سيطرتها. في مرحلة ما، يتوقع كثيرون بإن المعركة ستأتي إلى إدلب.
وقال محمد يافا، وهو مهندس يساعد في إعادة توطين النازحين: "نحن نذهب من مأساة إلى مأساة أكبر. وأضاف "أنهم يرسلون الجميع هنا ولا نعرف ما سيحدث لهم في النهاية".
وفي حالة اندلاع أعمال عنف جديدة، فإن أمام المدنيين خيارات قليلة. ويخشى الكثيرون من الاعتقال أو التجنيد الإجباري إذا عادوا إلى المناطق الحكومية، وأغلقت تركيا حدودها، حيث أطلق الحراس النار وأحيانا يقتلون الناس التي تحاول التسلل.
وقال علي جمعة، وهو طبيب هرب إلى إدلب من منزله إلى الجنوب، إنه يشعر مرة أخرى بالحبس. وأضاف "انه يعيش الآن في حقل ألغام على حافة حقل اخر للألغام".
فيديو قد يعجبك: