بوليتيكو: الإعلام الأمريكي يستخدم الجواسيس السابقين كمصادر إخبارية
كتب - هشام عبد الخالق:
قديمًا، كان الجواسيس الأمريكيون- بعد تقاعدهم- يستكملون فترتهم في المخابرات المركزية الأمريكية، أو يُرشحون أنفسهم للرئاسة (مثل جورج بوش الأب)، أو يكتبون مذكراتهم وخبراتهم التجسسية، ولكن- وكما تقول مجلة بوليتيكو الأمريكية- جواسيس اليوم يخططون لأشياء مختلفة تمامًا.
وتتابع المجلة، في تقرير لها، اليوم الأربعاء، الآن، بعد انتهاء فترة عمله، يأخذ الجاسوس كورسات مكثفة في التحدث بشكل سليم، والتمرّن على مختلف اللهجات، ثم يوقّع عقدًا مع برنامج تلفزيوني، فيما تنتظره "ليموزين" الشبكة الإعلامية لتنقله إلى المحطة، حيث يقوم بدور المذيع المساعد في أحد برامج السهرة.
كان آخر هؤلاء الجواسيس- كما تذكر المجلة- هو مدير المخابرات المركزية الأمريكية جون برينان الذي عمل في الفترة 2013-2017، حيث وقّع مع شبكة NBC News كـ"محلل بارز في الأمن القومي وأعمال المخابرات"، وقدّم أول نصائحه الاستخبارية يوم الأحد الماضي في برنامج "Meet the press"، وتسعى NBC من خلال الاستحواذ على خدمات برينان إلى تقليص الفجوة بينها وبين شبكة CNN، التي يعمل لديها كل من مدير المخابرات الوطنية السابق جيمس كلابر، ومدير الـCIA السابق مايكل هايدن، تحت مسميات مشابهة.
ويعمل بعض مخضرمي الأمن الوطني الأقل شهرة في عالم التلفاز أيضًا، وكما تقول المجلة، من الصعب إحصاؤهم جميعًا، ومن ضمن هؤلاء المخضرمين تشاك روزنبرج، مدير إدارة مكافحة المخدرات السابق، وخوان زاراتي، نائب مستشار الأمن القومي في عهد بوش، وفران تونسيند، مستشار الأمن الداخلي في عهد بوش، وغيرهم الكثيرون الذين عملوا كجواسيس صريحين، أو كانوا على دراية بأعمال الجاسوسية.
وتضيف المجلة، كما عمل جنرالات الجيش الأمريكي السابقون كمذيعين مساعدين خلال فترة الحرب على العراق، استطاع الجواسيس الآن أن يشغلوا مناصب في عالم الصحافة حيث أصبحوا مصدرًا للأخبار، ولكن بما أنهم يحصلون على رواتب مقابل عملهم فلا يمكن تسميتهم مصادر، حيث يمنع العمل الصحفي في الولايات المتحدة المصادر من الحصول على أموال، فبدلًا من ذلك يمكن أن يُطلق عليهم مساهمون، ولكن حتى هذا المصطلح غير دقيق لأن المساهمين الصحفيين- مراسلين، محررين، أو مذيعين- يتابعون الأخبار أينما كانت بلا خوف.
لذا من الطبيعي أن يُعرف هؤلاء الجواسيس بالمكان الذي عملوا فيه سابقًا، سواء كانت FBI أو CIA أو الأمن الوطني، مكتب مكافحة المخدرات، ولكن هذا يجعل من الصعب الوثوق بما يقولونه، ويجعل الجميع يتساءلون: هل هذه الحقيقة، أم يحمون رؤساءهم السابقين؟، أم لديهم عملاء آخرون يعملون لصالحهم (حيث كان بعض الجنرالات السابقين الذين ظهروا على شاشات التليفزيون يعملون لصالح متعاقدي وزارة الدفاع) ويدفعونهم في اتجاه معين؟
وتتابع المجلة، ليس الجنرالات أو الجواسيس السابقون فقط هم من يقومون بدور الخبراء على شاشات التليفزيون، بل أيضًا السياسيون المتقاعدون الذين احتلوا تقريبًا كل الشبكات الإعلامية من Fox، وMSNBC، وكذلك أساتذة القانون والمدّعون العامون السابقون الذين انضموا إلى هذه النوعية من العمل مؤخرًا، وقد يكون السبب في أن القنوات بدأت في حشو برامجها بـ"كلام خبراء"، أنه أرخص كثيرًا من أن تضطر لإرسال مراسلين إلى مكان ما للقيام بقصة خبرية.
وأحد أسباب الاعتماد على الخبراء أيضًا، هو أنه من السهل التحدث مع المصادر الموجودة على رأس الفريق، بدلًا من الاعتماد على مصادر جديدة كل يوم، وبما أنه ليس من السهل ملء القنوات الإخبارية بأحداث على مدار الساعة، يمكن للخبراء الحديث عن كل شيء سياسي أو استراتيجي أو خاص بالأمن، مثل فضائح ترامب، العلاقات مع روسيا، مكافحة التمرد، وغيرها من الموضوعات التي قد تجعل ثمنهم مكلفًا في بعض الأحيان.
وأضافت المجلة، من الكذب القول إن هؤلاء الجواسيس لم يضيفوا شيئًا إلى البث التلفزيوني الخاص بالشبكات، حيث يخبروننا كيف تعمل شبكات مراقبة الأجانب، وكيف يجند الروس الجواسيس، كما أنهم يرفهون عنّا بازدرائهم للرئيس الحالي، وفي الوقت الذي يحافظون فيه على علاقاتهم مع أفراد في مؤسساتهم المخابراتية السابقة، فهم يمثلون قيمة معلوماتية كبيرة يشاركون بعضها أحيانًا.
ولكن - كما تذكر المجلة - يكمن ولاء هؤلاء الجواسيس والعملاء السابقين للوكالة التي ينحدرون منها، وليس لصالح الشبكة الإخبارية التي يعملون بها.
وتختتم المجلة تقريرها بالقول: "في عالم تلفزيوني مثالي، سوف تطرد الشبكات الإعلامية هؤلاء الجواسيس، وتعيد توزيع النقود التي يتقاضونها على مراسلين مستقلين يغطون الأمن القومي وأسراره، ومن الممكن الاعتماد على هؤلاء الجواسيس كمصادر مجهولة غير مدفوعة الأجر.
فيديو قد يعجبك: