"عملية الإخوة".. تفاصيل أخطر مهمة للموساد في منتجع سياحي بالسودان (صور)
كتبت- هدى الشيمي ورنا أسامة:
كانت واحدة من أكثر عمليات جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) جرأة وتعقيدًا وطولاً. وبعد مرور 37 عامًا، كُشفت تفاصيلها وأحداثها التي وقعت في منتجع لممارسة رياضة الغوص في البحر الأحمر، أدارته الوكالة لسنوات.
ونشرت عدة صحف ومواقع إلكترونية بعض التفاصيل المتعلقة بالعملية المعروفة باسم "عملية الإخوة"، منها هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، وصحيفة هآرتس الإسرائيلية وغيرهم، موضحين أن العملية وقعت في منتجع في قرية عروس السياحية وسط السودان، واستمرت حوالي 3 سنوات في بداية الثمانينات.
وقالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تقرير مطوّل نُشر على موقعها الإلكتروني، إنها كانت مهمة مثيرة، احتاجت إلى سنوات من التحضير.
ونقلاً عن كُتيب تم توزيعه على وكالات السفر الأوروبية، فإن قرية العروس قدمت عروضا لا يمكن رفضها للسياح، وتضمن الكتيب عدة معلومات وصور لرمال الصحراء الذهبية، وبحرها شديد النقاء، والذي يمتلئ بالشعاب المرجانية، وصور لحطام السفن الموجودة قبالة ساحل شرق أفريقيا، حتى يكتشفه الغواصون.
إلا أن ما لم يقله الكتيب، هو إن الرمال الذهبية والمناظر الخلابة كانت مجرد واجهة ساحرة، صممها وأجرى صيانتها عملاء في الموساد، للتغطية على عمليات نقل وتهريب الإثيوبيين اليهود المعروفين باسم (بيتا اسرائيلز) المحتجزين في السودان. وأوضحت هآرتس أن العملاء الاستخباراتيين الإسرائيليين كانوا ينتقلون من المنتجع إلى مراكز اللاجئين بالسودان، وينقلون اللاجئين الإثيوبيين عبر شاحنات إلى المنتجع، ومن هناك يُنقلون إلى إسرائيل عن طريق البحر أو الجو.
وتقول الصحيفة إن ما جرى في هذا المنتجع يُشبه قصص الأفلام الهوليودية، موضحة أن الكاتب والمخرج الإسرائيلي جدعون راف استوحى من هذه الأحداث قصة فيلمه الجديد والذي من المقرر أن يُعرض نهاية هذا العام، ويقوم ببطولته عدد كبير من نجوم الصف الأول في العالم من بينهم كريس إيفانز، وهايلي بنت، وبين كينجزلي، وجرى تصويره في جنوب أفريقيا وناميبيا.
ولفتت هآرتس إلى أن جاد شيمرون، الذي لعب دورًا محوريا في عملية نقل وتهريب اللاجئين الإثيوبيين، كان أول من يكشف عن تفاصيل العملية في كتابه "خروج الموساد: عملية الإنقاذ الجريئة للقبيلة اليهودية المفقودة"، الذي نُشر عام 1997.
وقال شيمرون، في لقاء صحفي أُجري معه سابقًا، إن هذه العملية كانت مختلفة تمامًا عن غيرها من العمليات التي نفذها الموساد، فكانت مليئة بالأحداث المثيرة، وتابع: "أطلقوا علينا الرصاص، وأُلقي القبض علي، واستجوبتني قوات الأمن السودانية، ولحسن الحظ لم يمت أحد من العملاء الآخرين، ولكن أود التأكيد على أن عملية نقل المهاجرين كانت خطيرة للغاية".
يتذكر شيمرون أن قوات الأمن السودانية شكت في أمرهم، ونصبت لهم فخًا في مارس عام 1982، وأطلقت عليهم الرصاص، وهم ينقلون مجموعة من اللاجئين الإثيوبيين على قارب مطاطي، حتى يتوجهون إلى سفينة إسرائيلية تنتظرهم في المياه الدولية.
ويعود تاريخ عملية الإخوة إلى عام 1977، وانتخاب مناحم بيجين رئيسًا للوزراء. عندما تلقت إسرائيل تقاريرًا تفيد ببدء موجة نزوح في إثيوبيا، هربًا من الحرب الأهلية والأزمات الغذائية، وكان من بين النازحين عدد كبير من اليهود الإثيوبيين. وتقول هآرتس إن موقع السودان الجغرافي جعلها المكان المناسب للاجئين، فتوجهوا إليها دون تفكير، رغم أنها معروفة بعدائها الشديد لإسرائيل.
وانطلقت العملية بعد أربعة أعوام من ذلك الوقت، إذ بدأ الموساد باستكشاف الساحل السوداني، وبحثوا عن مواقع تستطيع فيها البحرية الإسرائيلية نقل أكبر عدد ممكن من اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل.
حسب هآرتس، فإن المستكشفين الإسرائيليين عثروا على منطقة بها 15 منزلا خاليا على الشواطئ، والتي تحتوي على مطابخ ودورات مياه وغرف نوم، بناها رجال أعمال إيطاليون قبل سنوات طويل، وتركوها بعد فشل السلطات السودانية في توفير طرق آمنة للوصول إليها، ومدّها بالماء والكهرباء.
ووجد الموساد أن هذا الموقع سيكون أفضل مكان لقضاء عطلات سياحية، والاستمتاع بأشعة الشمس، وممارسة رياضة الغوص، واكتشاف أعماق البحار.
وأوهم الموساد وزارة السياحة السودانية بأنها تؤجر المنتجع لشركة سويسرية ترغب في إنشاء وجهة جديدة لقضاء العطلات في أفريقيا، مقابل دفع مبلغ وصل إلى حوالي 320 ألف دولار، وعينت الشركة الوهمية مجموعة من المدراء الأوروبيين، ومدربي الغوص والركمجة والتزلج، كانوا في حقيقة الأمر عملاء استخباراتيين.
قام الموساد بتأجير المنتجع لمدة 3 سنوات ووضع عددًا من الوكلاء الرئيسيين هناك، حيث تم تكليفهم بتجديده وإمداده بالكهرباء والمياه تمهيدًا لتحويله إلى موقع سياحي مُسلّح بكافة الإمكانات البشرية والمادية.
لم يكن الموظفون العاملون في المنتجع يعرفون أي شيء عن الأهداف الحقيقية للمُنتجع ولا حتى الهويّات الحقيقية لرؤسائهم في العمل. وكذلك الحال بالنسبة للضيوف الزائرين الذين لم يكونوا مُدركين لأغراضه الحقيقية، كما يذكر شيمرون في كتابه.
وأدرك أحد الزائرين، وهو يهودي كندي، أن العاملين في المنتجع لم يكونوا أوروبيين. "في الواقع كنت متأكدًا من أنهم إسرائيليون".
وبيّن الزائر اليهودي، وفق شيمرون، أنه كان يشاهد الموظفين وهم يعدّون وجبة الإفطار كل صباح، ولاحظ أنهم يقومون بتقطيع خضروات السلطة بشكل صغير للغاية، و"الإسرائيليون فقط يقومون بذلك"- على حدّ قوله. وحفاظًا على سلامته ، أبقى الزائر السر لنفسه.
رُبما ساور الموظفين السودانيين بعض الشكوك حيال عادات أصحاب العمل، بما في ذلك إصرارهم على تعليم الموظفين كيفية عمل الخبز الحلو المُضفّر كل يوم جمعة من أجل "كعكة السبت" الخاصة بهم، كما كان أرباب العمل يختفون فجأة بشكل متكرر ثم يعودون إلى المُنتجع مُنهكين، مُختلقين في ذلك أعذارًا تبدو واهية، بينما كانوا في حقيقة الأمر يمارسون مهمتهم "غير المُعلنة".
مهمة إنسانية
يتذكر شيمرون أن "عملية الإخوة" كانت فرصة فريدة لعملاء الموساد، الذي عادة ما كانت تنحصر عملياتهم في إراقة الدماء وتأجيج الصراعات. وبدلًا من ذلك، اضطروا في السودان أن يلعبوا دورًا رئيسيًا في مهمة إنسانية، يُعتقد أنها فريدة ومُميّزة في تاريخ عمليات الاستخبارات الإسرائيلية.
كما دوّن شيمرون في مذكراته "ما الذي يُمكن أن تُقدمه دولة متطورة مُستعدة لاستثمار عشرات الملايين من الدولارات لممارسة نشاط سري في بلد مُعادٍ، بمشاركة عدد كبير من قوات الجيش، فقط من أجل إنقاذ عدة آلاف من الجياع المدنيين في أفريقيا التي مزقتها الحرب؟".
وشدّد شيمرون على أن أبطال القصة الحقيقيين ليسوا عُملاء الموساد، بل هؤلاء اليهود الإثيوبيين الذين واجهوا صعوبات لا نهاية لها في مُحاولاتهم الوصول إلى إسرائيل عن طريق البر أو البحر أو الجو. وقال لهآرتس: "إنهم أبطال القصص الحقيقيين، وليس نحن. ما مروا به من أجل تحقيق حلمهم بالقدوم إلى إسرائيل لا يُمكن أن يتحمّله أي إسرائيلي عادي أو غربي لمدة 3 أيام".
وأشارت الصحيفة إلى أن العدد الإجمالي للإثيوبيين الذين تمكّن عملاء الموساد من إرسالهم إلى إسرائيل على مدى 3 سنوات خلال عملية "الإخوة" كان صغيرًا نسبيًا، مقارنة بعملية "موسى" الأكثر دراماتيكية التي نُقِل على إثرها أكثر من 7 آلاف يهودي إثيوبي جوًا إلى إسرائيل من السودان، عبر بروكسل، في أقل من 3 أشهر، بين 21 نوفمبر 1984 و5 يناير 1985.
لكن وفقًا لشيرمون، فإن الكم الهائل من الوقت والجهد والمال الذي أنفقه الموساد أثناء عملية "الإخوة" يعكس عمق التزام إسرائيل بجلب اليهود الإثيوبيين إلى تل أبيب، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الضحايا المُهدّدين المجاعة والحرب والاضطرابات في مخيمات اللاجئين السودانيين.
ومع ذلك، تقول الصحيفة إن نجاح عملية "موسى" مثّل بداية النهاية لمغامرة منتجع عروس. وبعد ذلك بوقت قصير، عندما تم إسقاط الديكتاتور السوداني الجنرال جعفر نميري في انقلاب أبريل 1985، تم إجلاء ما تبقى من الإسرائيليين من المنتجع وانتهت العُطلة.
فيديو قد يعجبك: