فيتنام تعتبر جون ماكين صديقا وصانع سلام رغم مشاركته في الحرب ضدها
هانوي- (دب ا):
عاشت داو تي تايك، 85 عاما، كل حياتها في بحيرة تروك باخ في هانوي. وتوفر البحيرة، الواقعة وسط حي مكتظ بالسكان في العاصمة الفيتنامية، ملاذا شاعريا من صخب المناطق الحضرية
ولكن تايك تتذكر اليوم الذي دخلت فيه البحيرة تاريخ العالم خلال مجزرة حرب فيتنام.
كان اليوم 26 أكتوبر 1967، وكانت فيتنام الشمالية الشيوعية تخوض حربا لطرد النظام في فيتنام الجنوبية، المدعوم من الولايات المتحدة، وإعادة توحيد البلاد.
كانت غارات القصف الجوي الأمريكية تتم على نحو روتيني، مما دفع تايك إلى إرسال أطفالها إلى الريف حفاظا على سلامتهم ، بينما بقت هي لأنها كانت موظفة في مصلحة حكومية.
وفي ذلك اليوم، كانت هناك حالة من الصخب خارج منزلها ،حيث انتشرت أنباء مفادها أنه تم اسقاط طائرة قاذفة أمريكية ، وسقطت في محطة كهرباء قريبة. وهبط الطيار بالمظلة في البحيرة، وتم انتشاله منها .
وركضت تايك مسرعة إلى خارج المنزل ، حيث رأت قوات الأمن تأسر هذا الشخص الأجنبي. وتذكرت أنه بدا ضخما ومصابا بإصابات بالغة.
وفي الوقت الذي انتابها الرعب من الغارات الجوية، كانت مسرورة لرؤية اسقاط طائرة أمريكية.
وكان الجسد المثخن بالجراح ويتشبث بالحياة خاص بالضابط بالبحرية الأمريكية جون ماكين، الذى أصبح بعد سنوات من ذلك شخصية بارزة كعضو في مجلس النواب، وكسيناتور، وكمرشح رئاسي، وبالنسبة للمعجبين به أصبح رجل دولة بارز بالحزب الجمهورى لا يشعر بالخوف من معارضة سياسة الحزب.
وبعد مرور خمسين عاما على اسره فى هانوي، يعتبر العديد من الفيتناميين ماكين ،الجمهوري المتشدد ، صديقا وصانع سلام.
واشاد دونج ترونج كووك، وهو مؤرخ وبرلماني فى الجمعية الوطنية الفيتنامية، بماكين على ما قام به من أجل استعادة العلاقات بين البلدين.
وقال كووك "هناك مفارقة فى العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام تتمثل في أن الذين شاركوا فى الحرب اصبحوا روادا فى رأب الصدع في العلاقات".
وأضاف " استنادا إلى موقعه في المشهد السياسي ، فقد قدم ماكين اسهاماً كبيراً من أجل تعزيز المصالحة بين البلدين".
ويؤيد ماكين، منذ فترة طويلة، إقامة علاقات أوثق بين فيتنام والولايات المتحدة.
وعاد ماكين إلى هانوي أول مرة فى عام 1985، قبل عشر سنوات من استعادة العلاقات الدبلوماسية. ومنذ ذلك الحين، قام ماكين بزيارات منتظمة، وكان آخرها في يونيو الماضي ، عندما زار المدمرة جون. أس. ماكين – التي سُميت باسم والده ، خلال توقفها في خليج كام رانه في فيتنام.
ويرى ماكين أنه يجب أن تكون فيتنام شريكا أمنيا قويا للولايات المتحدة ، وهو رأي تشاركه فيه هانوي بسبب مخاوفهما المشتركة بشأن صعود نجم الصين، التى تخوض فيتنام معها نزاعا متفاقما حول المطالبات البحرية فى بحر الصين الجنوبي.
وخلال الفترة التي قضاها ماكين في السجن ، واصلت الطائرات الأمريكية بلا هوادة قصف العاصمة الفيتنامية. وحسب تقديرات هانوي، قُتل 1624 مدنيا خلال عمليات القصف فقط في أعياد الميلاد عام 1972.
ويعتقد نجوين تشي توين، وهو مدون منشق معروف أيضا باسمه المستعار "آن تشي"، أن ماكين ربما ينتابه شعور بالذنب من خدمته العسكرية إبان الحرب.
وقال توين، الذى قضى ساعة مع ماكين فى اجتماع خاص عُقد فى هانوي فى عام 2015 " إنه (ماكين )ربما يعتقد الآن أنه يستطيع أن يفعل شيئا جيدا للشعب الفيتنامي".
وأضاف توين، وهو ناشط مناهض للشيوعية يتعرض لمضايقات من جانب رجال الشرطة في كثير من الأحيان ، أن ماكين انصت باهتمام، خلال حديثهما بشأن مخاوفه فيما يتعلق بوضع حقوق الإنسان في فيتنام، وهي دولة شيوعية يحكمها حزب واحد لا تسمح إلا بقدر ضئيل من المعارضة.
وتابع توين "أعتقد أنه رجل طيب القلب، وخلال الاجتماع استمع إلى حديثنا، لذلك أعتقد أنه رجل لطيف يستحق الاحترام ".
بالنسبة إلى البرلماني كووك، لم يعد قصف ماكين لفيتنام أثناء الحرب مدعاة للقلق.
وقال "إنه مواطن أمريكي، فقد كان شخصا فى منظومة حرب، وكان يتعين عليه تنفيذ التزام مواطنته تجاه بلاده".
وأضاف "إن أهم شيء هو استعراض طبيعة الاسهام الذي قدمه هذا المحارب القديم بعد الحرب للعلاقة بين البلدين. من هذه الزاوية، فهو أحد العوامل ، ووجه للمصالحة".
ويصارع ماكين الذي يبلغ من العمر 81 عاما، مرض سرطان المخ ،ولكنه لا يزال يشغل مقعده في مجلس الشيوخ، حيث يتمتع بسمعة باعتباره جمهوريا " مستقلا" .
وبينما يلتزم ماكين في الغالب بمبادئ التيار المحافظ ، والمثل العليا المتشددة للسياسة الخارجية ، فإنه كان داعما قويا لحرب العراق ،و اتخذ موقفا قويا ضد تعذيب الإرهابيين المشتبه بهم، مستشهدا بالمعاملة الوحشية التي تعرض لها في هانوي.
وقد ظهر كخصم للرئيس الأمريكى الحالى، دونالد ترامب ، فى الدورة الانتخابية الاخيرة بعد أن قال رجل الأعمال الأمريكى المرشح الجمهوري للرئاسة إنه يحب الناس "الذين لم يتم أسرهم " ،فى اشارة إلى الفترة الزمنية التي كان فيها ماكين اسير حرب.
وقالت تايك، التى شاهدت ماكين بينما كان يتم انتشاله من البحيرة قبل 50 عاما، إنها لا تعرف شيئا عن مسيرة ماكين السياسية. وبعدما تم إبلاغ تايك بأنه أصبح واحدا من السياسيين الأكثر نفوذا وتأثيرا في واشنطن، ابتسمت ابتسامة خفيفة.
وقالت "كل إنسان له وقته ، فأحيانا يكون في الحضيض ، وأحيانا أخرى في القمة".
فيديو قد يعجبك: