بعد 500 عام على حركته الإصلاحية.. من هو مارتن لوثر؟
برلين - (د ب أ):
"هنا أنا أقف، ولا يمكنني أن أفعل غير هذا، فليساعدني الرب! آمين"، هذا ما نطق به مارتن لوثر خلال معارضته للقيصر والبابا أمام ما يعرف بـ"مجلس ورمز" عام 1521.
وصيغت هذه الكلمات بعد فترة طويلة من حدوثها، بهدف تعزيز أسطورة لوثر. فقد كان سكان ولاية بروسيا، التي هيمنت عليها اللوثرية، يبحثون في القرن التاسع عشر عن أبطال التاريخ الألماني - وكان لوثر هو من عثروا عليه.
لوثر هو مواطن ألماني أخذ على عاتقه معارضة نهب المال والبابوية الفاسدة في روما وقيصر هابسبورج، الملك الذي كان يفضل القيام بأي شيء إلا رعاية الجزء الألماني من إمبراطوريته.
لذلك فإن صورة لوثر تتناسق بشكل جيد مع الأمير أوتو فون بسمارك، "المستشار الحديدي" ومؤسس الدولة الألمانية الحديثة، ومواطنو بروسيا - حتى لو لم يكن لوثر وحده فقط الذي وقف في وجه القيصر والبابا.
ووقف عدد من الأمراء الألمان في ذلك الوقت إلى جانب لوثر، بقيادة فريدريش الثالث ناخب ساكسونيا الملقب بالحكيم (1463-1525).
فقد رأى فريدريش أن مساندة "الراهب الصغير المتمرد" من الممكن أن تصب في مصلحته- وفي هذه النقطة، اتضح أمران عن لوثر. أحدهما أنه كان أداة سياسية في الصراعات بين الحكام الكبار والأقوياء. والأمر الثاني هو أنه نفسه أصبح سياسيا على نحو متزايد.
قبل 500 عام، كانت الكاثوليكية هي الدين الرسمي للبلاد، كما هو الحال في يومنا هذا بالنسبة للإسلام في معظم الدول الإسلامية. ولذلك عندما أصدر لوثر أطروحته الشهيرة والمكونة من 95 قضية في 31 أكتوبر 1517، مهاجما بيع الكنيسة لصكوك الغفران، اتخذ الفعل بعدا سياسيا.
ولم يتسبب لوثر في تجديد اللاهوتية الدينية فحسب، ولكنه خلق أيضا وضعا سياسيا أدى خلال فترة حياته إلى وجود معسكرات شديدة الانقسام. لتتواصل الانقسامات بشكل قوي حتى القرن العشرين وتؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى حروب في وبين دول أوروبية وممالك وأقاليم.
وكان لوثر على استعداد أن يستمر في شق طريقه من أجل التجديد الديني. ولكن عندما اندلعت الاضطرابات في مسقط رأسه بمدينة فيتنبرج، حيث أتخده المتمردين كمصدر إلهام، هرب لوثر، غير راغب في أن يكون جزءا من ذلك. فلم تكن الثورة في تكوين رجل أصبح ثوريا.
وكما هو الحال مع الكاثوليكية، فقد سعى لوثر وخلفائه إلى إنشاء كنيستهم الخاصة لتكون دينا للدولة. وحدث ذلك مرة واحدة، في ما يسمى بمعاهدة "صلح أوجسبورج" التي وقعت عام 1555، حيث سمح بند "كويوس ريجيو، إيوس ريليجيو" للأمراء الألمان باختيار إما اللوثرية أو الكاثوليكية كديانة داخل أراضيهم.
وهذا ما يفسر تحركات لوثر المتعرجة خلال حرب الفلاحين الألمانية (1524-1525). ففي البداية حث الحكام على عدم التعامل بقسوة مع الفلاحين. وكان هذا لوثر الأخلاقي واللاهوتي والكاهن.
ولكن عندما رأى كيف بدأت الانتفاضة في الخروج عن السيطرة، مما شكل تهديدا للدولة والنظام الكنسي، وقف مع الحكام. أما هذا فكان لوثر الذي أقسم اليمين بالولاء للإمبراطورية الرومانية المقدسة وللأمة الألمانية.
وفي السنوات الأخيرة في حياة لوثر، كان أكثر جرأة في جداله ضد أعدائه المفترضين، في الداخل والخارج كلما رأى أن أعماله اللاهوتية في خطر.
وكان اليهود يحتلون الصدارة في قائمة أعدائه. فعندما أدرك لوثر أنه لن يتمكن من تحويلهم من اليهودية إلى المسيحية، بدأ في محاربتهم - قبل كل شيء في خطبه - وبشكل أكثر حدة مما كان عليه الأمر وقتها.
ولم يكن أقل من ذلك حده في تعامله مع البابا، والذي لم تكن حتى أشد الشتائم السيئة كافية بالنسبة له.
وشملت كراهيته أيضا الأتراك المسلمين خلال أول حصار عثماني لفيينا في عام 1529.
وفي العقد الثاني من القرن العشرين، احتفلت ألمانيا، على الرغم من أهوال الحرب العالمية الأولى التي ألقت بظلالها على العالم، بعيد ميلاد بسمارك الـ 100 في عام 1915 وبالذكرى الـ400 للإصلاح الديني في عام 1917.
لا يوجد شك في كون لوثر شخصية بارزة في التاريخ الألماني. ولكن في عام 2017، لا يمكن للكنيسة البروتستانتية الألمانية أن تحتفل به كبطل ألماني، وخاصة بالنظر إلى وجود ثلاثة ملايين شخص في البلاد من خلفية عرقية تركية، وحقيقة أنه لم يمر على الهولوكوست سوى 70 عاما.
ما تحاول الكنيسة القيام به الآن هو أن تجعل الناس يتفهموا - ويتقبلوا – كون لوثر أحد أشهر وأهم رجال عصره.
فيديو قد يعجبك: