مئة عام على وعد بلفور: حين فكرت "الصهيونية" في دولة بالعريش
كتب – محمد الصباغ:
مئة عام على موجات هجرة صهيونية إلى فلسطين. بدأت بسبع وستين كلمة من بلفور وانتهت باحتلال مستمر حتى يومنا الحالي ومعاناة للشعب الفلسطيني وسبب رئيسي في عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط برمتها.
"وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".. كلمات كتبها وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى ممثل الطائفة اليهودية في بريطانيا والتر روتشيلد في نفس هذا اليوم من عام 1917، ليتدفق بعدها ألاف اليهود من حول العالم إلى أرض فلسطين ويتحول ويمنح المستعمر البريطاني ما لا يملك إلى عصابات الحركة الصهيونية التي كانت تأسيت قبل بضعة عقود في سويسرا، مكافأة على مساعداتهم لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى.
عملت الحركة الصهيونية خلال الحرب العالمية الأولى على إقناع بريطانيا بأن إنشاء دولة لليهود في فلسطين وسيساعد ذلك في تشجيع اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية على الضغط على حكومتهم من أجل مساعدة دول الحلفاء في الحرب التي كانت قد أرهقت كل المشاركين فيها، بحسب ما ذكرته الموسوعة الفلسطينية، وهي مشروع توثيقي بتعاون بين دائرة الشؤون التربوية والثقافية في منظمة التحرير الفلسطينية (دائرة التربية والتعليم العالي حاليا) وجامعة الدول العربية.
وقال اللورد هربرت كتشنر، القائد الأعلى للجيش البريطاني آنذاك، إن تطورات الحرب العالمية مهدت لاحتلال فلسطين وإبقاءها تحت الحماية البريطانية من أجل حماية مصالحها في المنطقة وخصوصًا قناة السويس، بحسب الموسوعة الفلسطينية أيضًا.
وانتهى الأمر بمساعدات صهيونية لبريطانيا في الحرب وانتهى الأمر بإصدار وعد بلفور. وبدأت بعد ذلك البيان محاولات عربية لمواجهة الأزمة من خلال الدبلوماسية لسنوات متتالية، ولكن مع توافد الألاف من اليهود إلى الأراضي الفلسطينية بدأ الفلسطينيون والعرب الدفاع المسلح عن أرضهم وبدأت معاركهم ضد العصابات الصهيونية، والمستمرة حتى الوقت الحالي الذي ظهرت فيه دولة إسرائيل إلى الوجود في حين تحاول فلسطين دخول عصبة الأمم المتحدة كدولة بعضوية كاملة.
وتحتفل بريطانيا وإسرائيل بالذكرى المئوية على هذا الوعد حتى اليوم، حيث توجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى بريطانيا ودعا رئيس الوزراء تيريزا ماي إلى احتفال بهذه الذكرى التي مهدت لإعلان الدولة العبرية في عام 1948 وبداية معاناة الفلسطينيين ومقاومتهم للاحتلال.
الحركة الصهيونية
كانت البداية بالمؤتمر الصهيونية برئاسة تيودور هرتزل في بازل السويسرية عام 1897 حيث بانتقال فكرة الصهيونية إلى واقع عملي، وسعوا منذ هذا الوقت إلى إقناع دول كبرى مثل ألمانيا وبريطانيا بتأسيس وطن قومي لليهود.
انتظروا الفرصة كثيرًا حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى، وبحسب الموسوعة الفلسطينية، فقد التفتت بريطانيا إلى فكرة تهجير اليهود إلى وطن لهم. وتحديدًا عام 1902 عزمت الحكومة البريطانية التي كان وزير خارجيتها آرثر بلفور، على منح اليهود وطنًا لهم في شرق إفريقيا ثم فكر في تسكينهم بمدينة العريش المصرية.
لم تنجح هذه المحاولات وخلال الحرب العالمية الأولى نشطت الحركة الصهيونية وتواصلت مع ألمانيا وبريطانيا ورجال السياسة في هذه الدول من أجل إقناعهم بأن فكرة الوطن القومي لليهود سيصب في مصلحتهم، وأكدوا لهم أن دولتهم المزعومة ستكون حافزًا لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الحكومة هناك من أجل مناصرة الحلفاء.
وفي يونيو عام 1917، التقى زعيم الحركة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان ووالتر روتشيلد باللورد البريطاني كتشنر، في يونيو 1917 حيث طلب قائد الجيش البريطاني من زعماء الحركة الصهيونية صياغة مسودة بيان يعكس رؤية الحركة الصهيونية حول فلسطين ليتم صياغته إلى بيان يُعرض على الحكومة البريطانية للنظر فيه.
وبالفعل تم إعداد البيان ووافقت عليه حكومة لويد جورج في الثاني من نوفمبر عام 1917، وجاء نص الرسالة كما ترجمتها إلى اللغة العربية هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كالتالي:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الإنتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الاخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الاخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي". سأكون ممتنا لك إذا ما احطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا البيان".
المقاومة
لم يتعامل الفلسطينيون مع وعد بلفور بالشكل الجدي في بداية الأمر، لكن مع المهاجرين اليهود إلى دولتهم بالألاف بدأ المخاوف تضرب قلوب العرب. وقالت الموسوعة الفلسطينية إن المواجهة الفلسطينية لهذا البيان البريطاني بدأت بمحاولات سياسية ودبلوماسية مع بريطانيا الاستعمارية في هذا الوقت حيث كانت تفرض حمايتها على المنطقة.
مع بداية عام 1918، كُتبت العرائض وأُرسلت المذكرات والوفود إلى الحكومة البريطانية لإقناعها بخطورة ما أقدمت عليه. كما عُقدت المؤتمرات المناهضة لوثيقة بلفور ولكن بالطبع كانت تحصل على تصريح من المندوب البريطاني قبل الانعقاد، وكانت أيضًا توجه انتقادها لطرف واحد في البداية وهو الجانب الصهيوني وكانت تلك رغبة القيادات السياسية العربية والفلسطينية.
تطور الأمر إلى الصراع المسلح بين العرب والصهاينة الذين جاؤوا لغزو أرضًا عربية فلسطينية، وكانت المعركة طبقية أيضًا حيث عُين الصهاينة ككبار موظفين وعلى حساب الفلسطينيين، وامتلكوا أيضًا الأراضي والأعمال بمساعدة بريطانية.
اندلعت المظاهرات في فلسطين لدرجة أن قررت الإدارة البريطانية في مارس عام 1920 بمنع المظاهرات كافة، وكان ذلك نقطة انطلاق لثورة عام 1920 التي بدأت بهجمات ضد مستعمرات يهودية وحوصرت مستعمرات أخرى بأسلاك شائكة، وبدأت آنذاك بريطانيا في إرسال المساعدات العسكرية للصهاينة في فلسطين بعد هجمات على حاميات بريطانية أيضًا.
وهنا لم تعد أعمال المقاومة تستهدف الحركة الصهيونية الغازية فقط بل انطلقت لتوجه ضرباتها نحو الاحتلال البريطاني أيضًا.
وكانت ثورة 1920 هي أولى خطوات المقاومة الشعبية بحسب الموسوعة الفلسطينية والتي تواصلت حتى الآن ضد الاحتلال سواء كان بريطانيًا أم إسرائيليًا، ومرت بمراحل أبرزها ثورة استمرت بين عامي 1936 و1939 وانتفاضات متواصلة في الأراضي المحتلة، لتصبح هذه الوثيقة التي تحتفل بها دولة الاحتلال وأكبر القوى الاستعمارية في التاريخ هي العنصر الرئيسي لوجود دولة إسرائيل والحروب المتواصلة بين العرب وإسرائيل وسبب كبير في انهيار الاستقرار في الشرق الأوسط.
فيديو قد يعجبك: