كاتب أمريكي يروي تفاصيل لقائه مع بن سلمان قبل قرار ترامب بشأن القدس
كتبت- رنا أسامة:
"المملكة العربية السعودية، باعتبارها حامية الإسلام وموطن أقدس المواقع الإسلامية، تُمثّل مكانًا جيدًا للحكم على التأثير الذي أحدثه اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس المُحتلة عاصمة لإسرائيل، على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة"، هكذا استهل المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، مقاله في مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
وكتب ساتلوف، يقول: "بخلاف رد فِعل الجماعات الإرهابية، كما حماس وحزب الله، والدول الراعية لها في طهران ودمشق، والردود الغاضبة -بطبيعة الحال- من جانب السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية، التي تضم عدد ضخم من الفلسطينين ذوي الأصوات الصاخبة بين سكانها. فإن السؤال الحقيقي هو: كيف سيكون رد فعل أصدقاء أمريكا الذين أُبعِدوا عن دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟".
وتابع :"إذا كان هناك ثمّة مكان يتوقع أن نسمع خلاله المسلمين يعبرون عن غضبهم العارم من تسليم القدس المُحتلة لليهود، فرُبما سنجده في أروقة السلطة في العاصمة السعودية الرياض. لكن هذا لم يحدث".
"تفاصيل اللقاء"
ويروي الكاتب الأمريكي أنه التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وقت قرار ترامب، قائلًا "الأسبوع الماضي، تواجدتُ في الرياض على رأس وفد يضم أكثر من 50 من مؤيّدي وزملاء في المركز البحثي المعني بشؤون الشرق الأوسط الذي أديره. وقبل ساعات قليلة من إعلان الرئيس بشأن القدس، الأربعاء، أمضيت وبن سلمان 5 ساعات في اجتماعات مع ثلاثة وزراء سعوديين مختلفين، وناقشنا ملفات عدة؛ من الأزمات مع اليمن وقطر ولبنان، مرورًا بـ(رؤية 2030) الطموحة للمملكة، إلى الطرح العام المُحتمل لشركة أرامكو النفطية الحكومية".
في هذه الأثناء، يقول ساتلوف إن البيت الأبيض عقد جلسات إحاطة مع الدبلوماسيين الأجانب ووسائل الإعلام، فبدا جوهر إعلان ترامب الوشيك-وقتذاك- معلومًا مُسبقًا. وعلى الرغم من أن العديد من الفرص سنحت للحديث عن الأمر، لم يأتِ ذكر "القدس" أبدًا على ألسنة محمد بن سلمان وباقي القيادات السعودية الذين كنا نجلس معهم.
وأوضح الكاتب الأمريكي أن "السعوديين ربما كانوا ينتظرون أن يُفرِغوا ما في جُعبتهم مرة واحدة في اجتماعنا الأخير في ذلك اليوم مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي. هذه الرابطة، التي ظلت على مدى عقود، تموّل مدارس ومساجد ومؤسسات دينية. لذا، فمن المؤكد أن يدين رئيس الرابطة الهجوم على قدسية الحكم الإسلامي للقدس".
ومضى قائلًا: "لكن أدهشني أن رئيس الرابطة الجديد نسبيًا، محمد العيسى، كان يحمل رسالةً مختلفة تمامًا. إذ لم تمر كلمة (القدس) على شفتيه قط. وبدلًا من ذلك، ذكر بفخر الصداقات التي أقامها مع الحاخامات في أوروبا وأمريكا، والحوار بين الأديان إلى الذي أبدى التزامه به الآن.. ليست هذه السعودية التي نعرفها".
وأردف: "ثم خطر لي أن: السعوديين ربما كانوا ينتظرون أن يسمعوا بدقة ما سيقوله ترامب، على أمل أن تقنعه توسلات اللحظات الأخيرة بتغيير قراره. وبما أن ترامب لم يُلقِ بيانه حتى الساعة التاسعة مساءً بتوقيت الرياض، ذهبتُ إلى النوم في تلك الليلة واثقًا من أننا سنرى قريبًا الوجه الحقيقي والغضب المُستعِر للمملكة (القديمة)".
وتابع "حينما تلقينا تأكيدًا، صباح اليوم التالي، بأننا سنلتقي ولي العهد محمد بن سلمان، عرفنا أنَّنا سنلاقي ما كنا نتوقعه من رد فعل شديد على قرار ترامب".
ولفت الكاتب في مقاله إلى أن الأمير محمد بن سلمان وعد بتغيير سريع ثوري في بلد اتسم بالترابة وكان ينظر إلى كلمة "ثوري" على أنها كلمة بذيئة. بيد أن ولي العهد السعودي أثبت بالفعل أنه "رجل أفعال لا كلام"؛ إذ نجح في الاستحواذ على جميع السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية تقريبًا. وقال ساتلوف "بن سلمان هو الآن الآمر الناهي في السعودية".
"شخصية بن سلمان"
ومضى الكاتب الأمريكي في وصف شخصية محمد بن سلمان، قائلًا "في بلد لا يعرف أساليب حشد التأييد المُتعارف عليها في الأنظمة الديمقراطية، فإنه رجل يملك المهارات الطبيعية لسياسي بحكم مولده في العائلة الملكية. وبالرغم من ارتدائه الزي السعودي التقليدي، بدا "بيل كلينتونيًا" في مكانته وشخصيته الكاريزمية.
وأكمل: "كان من السهل معرفة السر وراء هوس الشباب الذين التقيناهم في الرياض بمحمد بن سلمان. فقد التقيت بعدد قليل من قادة الشرق الأوسط على مدى الأعوام الماضية، قلة منهم فقط، مثل الملك حسين، عرفوا كيف ومتى ينشرون السحر والذكاء والحكمة والغضب واليأس والأمل بشكل مُبدع. ومحمد بن سلمان يتمتّع بهذه الموهبة المشوبة بدينامية نادرًا ما رأيتها في أي وقت مضى في هذا الجزء من العالم".
وأوضح الكاتب الأمريكي أن بن سلمان يتحدّث الإنجليزية ويفهمها جيدًا، لكنه اختار أن يتحدّث بالعربية خلال اللقاء.
ونوّه إلى أن ولي العهد السعودي يملك الكثير ليقوله عن التخلص من الأفكار المترسخة في المجتمع السعودي مثل الفصل بين الرجال والنساء، واحتواء إيران الآن أو محاربتها لاحقًا، وعن مئات الموضوعات الأخرى- لكن يبدو أنه لم يملك الكثير من الوقت لقول كل هذا. وبالنظر إلى عدد الأشخاص الذين أقصاهم في طريق صعوده إلى قمة السلطة، قد يكون هناك خوفٌ له ما يُبرِّره.
"خيبة الأمل"
وقال ساتلوف: "لا يبدو أن القدس كانت واحدة من بين هذه الموضوعات. ولولا أننا سألناه بشكل مباشر عن بيان ترامب، ربما ما كان النقاش سيُطرح حول هذا الموضوع قط. فبالتأكيد لم يأتِ الأمير محمد إلى الاجتماع من أجل التنفيس عن أفكاره ومشاعره".
وأضاف: "لكننا أردنا مغادرة الرياض ونحن نمتلك فهمًا وضاحًا لرأيه في هذه المسألة، لذا سألناه. وللحفاظ على قدر من السرية، لن أقتبس من حديثه بشكل مباشر، لكن يمكنني قول هذا: (قصر بن سلمان حديثه على كلمة واحدة هي خيبة الأمل من قرار الرئيس الأمريكي -حرفيًا- ثم انتقل سريعًا للحديث عن الموضوعات التي يمكن أن تعمل فيها الرياض وواشنطن معًا لاحتواء تداعيات القرار وإعادة الأمل لعملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية".
وتابع: "لم يقف عند هذا الحد. ففي يوم يوصف على نطاق واسع بأنه أحلك يوم في تاريخ العلاقات الأمريكية مع العالم العربي منذ عقود، طرح بن سلمان رؤية مختلفة للغاية بشأن العلاقات الأمريكية السعودية وإمكانية بناء شراكة إسرائيلية-سعودية" – على حد قول ساتلوف.
وفي هذا الصدد، أكّد بن سلمان مرارًا متانة الشراكة الأمنية بين البلدين، التي أشار بفخر إلى أنها الأقدم في المنطقة، وحتى أقدم من العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بحسب ساتلوف.
وحول ما يتعلق بإسرائيل نفسها، ذكر الكاتب الأمريكي أن حديث بن سلمان كان إيجابيًا على نحو غير مُعتاد. "فعلى النقيض من كل ما سمعتُه من القادة السعوديين في زيارات سابقة، لم يتحدث بن سلمان مطلقا عن النزعة التوسُّعية، والعجرفة، والظلم الإسرائيلي أو الانتهاك الإسرائيلي لحقوق المسلمين في القدس. بل تحدث عن مستقبل واعد ينتظر العلاقات الإسرائيلية-السعودية بمجرد الوصول إلى اتفاق سلام، وتعهَّد عمليًا بالسعي لتحقيق هذا".
وأفاد الكاتب الأمريكي بأن هذه "كانت وجهة النظر السعودية الرسمية، ففي الوقت الذي كًنا نتوقع اتنتقادًا حادًا للولايات المتحدة واستنكارًا لاذعًا لترامب، سمعنا لومًا معتدلًا لقرار الرئيس بشأن القدس ورؤية مفعمة بالأمل لبناء شراكة سعودية-إسرائيلية".
وتساءل الكاتب الأمريكي: "هل كان محمد بن سلمان يقول فقط ما يريد الحضور سماعه؟". ويُجيب"ربما. كنا متأثرين بمسعاه لتطبيق (الإسلام المعتدل) وحديثه عن تقليص عدد المتطرفين في المؤسسات الدينية السعودية جذريًا. وطرح بن سلمان نسبة محددة عن درجة السوء الذي كانت عليه المشكلة منذ عامين وتوقُّعاته بشأن تقلُّص هذه النسبة كثيرًا في السنوات الثلاث المقبلة".
ويُتابع "في رأيي، كان هذا اعترافًا صريحًا بالمسؤولية السعودية عن التعصُّب الديني وإشارةً قوية على التزامها بالتغيير".
وبيّنت أن "الكثير منا غادر اللقاء وهو متخوّف من مدى قدرة قائد طموح كهذا على إحراز تقدم سريع بما يكفي للحفاظ على الدعم الحالي الذي يحظى به من شعبه، دون أن تصل هذه السرعة إلى درجة تُسبب ردة فعل عنيفة من جانب المتضريين من هذا التحول الكبير في سياسات المملكة".
واستطرد الكاتب الأمريكي: "لكن حتى إن قال محمد بن سلمان ما نريد سماعه، يمكن أن يحدث نقيض هذا بسهولة، وأعني أنَّه كان بمقدوره استغلال المناسبة ليبعث رسالةً مباشرة، عن طريقنا، إلى القادة الأمريكيين وأصدقاء الشراكة الإسرائيلية الأمريكية بشأن التكلفة العالية لقرار الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. لكنَّه لم يفعل، وهذا يُهم كثيرًا".
وتابع "يبدو أن أولئك الذين تنبأوا بكارثية ردة فعل العرب والمسلمين على خطوة الاعتراف بالقدس المُحتلة عاصمة لإسرائيل- بما قد يؤدي إلى إلى اندلاع موجة تظاهرات مناهضة للولايات المتحدة، وانتشار العنف ضد المواطنين، والمؤسسات والمصالح الأمريكية، وانتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة بشكل نهائي لا رجعة فيه- كانوا مخطئين تمامًا".
واختتم ساتلوف مقاله قائلًا "رد الفعل بين العرب المؤثرين -حلفاء الولايات المتحدة- على القرار الأمريكي بشكل جاء رصينًا، محسوبًا ومدروسًا. والسعودية، مهد الإسلام، خير مثال".
فيديو قد يعجبك: