بالتفصيل.. كيف تعمل الحرب البيولوجية والكيميائية؟
حروب الدمار الشامل، هكذا يطلق عليها و تكمن خطورة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في أنه لا توجد وسائل سهلة للحماية من آثار هجماتها المميتة. ولا يقتصر استخدام تلك الأسلحة على أوقات الحرب، وإنما وقعت حوادث محلية في الولايات المتحدة واليابان، ولجأ إليها تنظيم داعش الإرهابي بأعمال انتقامية من سكان مدنيين عزل في بلدات رفضت الإذعان لسيطرته.
ووفقا لموقع howstuffworks.com، بدأت هجمات الجمرة الخبيثة في الولايات المتحدة بإرسال الجراثيم داخل مظاريف عام 2001 ، فيما تعد أول هجمات إرهابية بيولوجية تتعرض لها البلاد. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل 5 أشخاص، 4 منهم لم يكونوا مستهدفين. وبعد توجيه الاتهامات المبدئية إلى تنظيم القاعدة، إلا أنه وبعد جهود عديدة بحثا عن أي أدلة لإثبات ذلك الاتهام تبين أن الجميع يتعقبون المتهم الخطأ، وتوصل مكتب التحقيقات الاتحادي إلى مصدر محلي لهذه المظاريف- وهو عالم يعمل في مجال الدفاع البيولوجي. وكان أحد مستشاري مكتب التحقيقات الاتحادي الخاص بالجمرة الخبيثة.
خسائر في الأرواح والأموال
إضافة إلى ما تبين من الخطر القاتل لتلك الجراثيم، تسبب حادث عام 2001 في اضطراب كبير، حيث تم إيقاف البريد في عدة مدن، وبلغت تكاليف التخلص من الجراثيم أكثر من مليار دولار. كما أن احتمال وقوع هجوم أكبر أمر يبعث على القلق، إذ يمكن للإرهابيين إخفاء الأسلحة البيولوجية في خطوط إنتاج الأدوية ومصانع المشروبات. وتوجد صعوبة في رصد وتعقب هذه النوعية من الأسلحة بفاعلية.
جلسة توقيع حظر الأسلحة البيولوجية
في عام 2005، أصدرت اللجنة الرئاسية الأميركية لشئون المخابرات تقريرا يشير إلى أنه في حين أن الولايات المتحدة تقوم ببناء وسائل دفاعية كافية مثل اللقاحات وغيرها من التدابير على أرض الواقع، فإن الأمر ينقصه البيانات الأكيدة بشأن البلدان، التي تمتلك أسلحة بيولوجية ونوعية تلك الأسلحة.
معاهدات دولية لنزع الأسلحة الكيميائية
ولأن الأسلحة الكيميائية تمتلك نفس القدرة على قتل الآلاف في أي هجوم على مدينة، وهناك قائمة مأسوية لتواريخ كثيرة شهدت اقتراف تلك الجرائم ضد الإنسانية. فإنه يعد من الإنجازات الإيجابية قيام الكثير من دول العالم بتعهد على الأقل بنزع الأسلحة الكيميائية. وبموجب اتفاقيات الأسلحة الكيميائية، ومن المفترض أن تلك الدول التي تمثل 98 % من سكان العالم، والتي تمتلك نفس النسبة من الصناعات الكيميائية، أن تكون قد تخلصت من الأسلحة الكيميائية، في عام2012، وفقا لبيان منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
كوريا الشمالية ونظام صدام حسين
ولكن هناك الكثير من الوسائل للالتفاف حول تلك المعاهدات. كما أن هناك دول مثل كوريا الشمالية لا توقع على مثل هذه المعاهدات، فضلا عن أن بعض الدول الموقعة على المعاهدات ربما تحتفظ بأسلحة غير معلن عنها. وربما قبل الشروع في تدميرها فعليا، وقعت سرقات أو بيعت الأسلحة، التي جرى الاتفاق على التخلص منها. ومع ذلك، وحتى ديسمبر 2008، تم تدمير أكثر من 40 % من مخزون مواد الأسلحة الكيميائية المعلنة في العالم، بما فيها مخزون كل من روسيا والولايات المتحدة.
الحرب العالمية الأولى
استخدمت الأسلحة الكيميائية لأول مرة في الحرب العالمية الأولى، وقررت دول العالم بسرعة وبشكل موحد أن هذه الأسلحة سببت خطرا كبيرا. فقد تبين بشكل واضح أن قتل الناس بالمعادن المتطايرة والمتفجرات يختلف بشكل أو بأخر عن إطلاق سحابة من المواد الكيميائية القاتلة أو البكتيريا – والتي لا يمكن التنبؤ بآثارها أوالسيطرة عليها. إن المعاهدات الهامة تحظر الأسلحة البيولوجية والكيميائية، بدأت في وقت مبكر من بروتوكول 1925 لحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو غيرها، والوسائل البكتيريولوجية، ووقعت عليها معظم دول العالم.
إرهاب وقيادات مارقة
والمشكلة المؤسفة هي أن الإرهابيين والقادة المارقين لا يولون اهتماما بأي معاهدات دولية. من بين قائمة القيادة المارقة، يأتي تشارلز تايلور، الرئيس السابق لليبيريا، والذي يجري محاكمته بارتكاب العديد من الجرائم ضد الإنسانية. ومن بين الاتهامات الموجهة إلى تايلور، انتهاكه اتفاقيات جنيف أثناء الحرب الأهلية الليبيرية. وتشمل الاتهامات استخدام أسلحة كيميائية وقيام قواته بقتل أفراد قوات حفظ السلام والاغتصاب وقتل المدنيين.
تجاهل معاهدات دولية
تجاهل بعض الموقعين أيضا على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، حيث وقع الاتحاد السوفيتي على المعاهدة، ثم بنى سرا ترسانة هائلة من الأسلحة البيولوجية.
قوات عسكرية ترتدي ستارات وأقنعة واقية من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية
سلاح الجدري الكوري الشمالي
ويذكر أن الدول التي لا توقع على المعاهدات، مثل كوريا الشمالية، تمتلك ما تشاء. بل إن كوريا الشمالية تمتلك أسلحة السارين والجمرة الخبيثة ويشتبه في أنها مسلحة بالجدري.
وهنا يأتي خطر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المستخدمة في الهجمات العشوائية على السكان المدنيين الأبرياء.
وعلى غرار القنبلة النووية، فإن السلاح الكيميائي أو البيولوجي سلاح من أسلحة الدمار الشامل. ويمكن أن يودي هجوم فعال، باستخدام عامل كيميائي أو بيولوجي، بحياة الآلاف بسهولة.
أسلحة كيميائية
يعد التعريف العلمي للسلاح الكيميائي بأنه أي سلاح يستخدم مادة كيميائية مصنعة لقتل الناس. وكان أول سلاح كيميائي يستخدم بفعالية في المعارك هو غاز الكلور، الذي يحرق ويدمر أنسجة الرئة. إن الكلور ليس مادة كيميائية غريبة، فمعظم أنظمة تكرير المياه البلدية تستخدمه حتى يومنا هذا لقتل البكتيريا. ومن السهل تصنيع غاز الكلور من ملح المائدة العادي.
قذائف مدفعية تابعة للجيش الأميركي تم تدميرها في جنوب كلورادو تنفيذا لبنود معاهدات دولية
في الحرب العالمية الأولى، نشر الجيش الألماني طنا من الغاز لخلق سحابة حملتها الرياح باتجاه معسكرات تتمركز فيها "قوات العدو".
وتميل الأسلحة الكيميائية الحديثة إلى التركيز على عناصر تحمل قوة قتل على نطاق أكثر اتساعا، وهذا يعني أنه يستهلك أقل قدر ممكن من المادة الكيميائية لقتل نفس العدد من الناس.
ويستخدم الكثير من مصنعي تلك الأسلحة أنواع المواد الكيميائية الموجودة في علب مبيدات الحشرات.
فيلم The Rock
يميل الكثير منا إلى تخيل أن سلاحا كيميائيا كقنبلة أو صاروخ يطلق مواد كيميائية شديدة السمية فوق المدينة. (على سبيل المثال، عرض فيلم "The Rock" سيناريو حاول فيه الإرهابيون إطلاق صاروخ محمل بالمادة الكيميائية VX ، وهو غاز سام للأعصاب). ولكن في عام 1995، سربت جماعة Aum Shinrikyo الإرهابية غاز السارين، غاز الأعصاب في مترو طوكيو. وأصيب الآلاف وقضى 12 شخصا. ولم تستخدم أي قنابل أو صواريخ عملاقة، بل لجأ الإرهابيون إلى عبوت صغيرة تنفجر لتسريب الغاز في مترو الانفاق.
وفيما يعد هجوما غير متعمد، قامت شركة Blackwater Worldwide، التي تعاقدت معها الولايات المتحدة لحماية المسؤولين في العراق، بإلقاء عبوات صغيرة عن طريق الخطأ تحمل مادة CS، وهي التي ينتج عنها غاز مسيل للدموع، على جنود ومدنيين عند نقطة تفتيش لإفساح الطريق أمام عبور قافلة في عام 2005 .
الأسلحة البيولوجية
يستخدم السلاح البيولوجي البكتيريا أو الفيروس، وفي بعض الحالات السموم التي تستخلص مباشرة من البكتيريا. إذا تم إفراغ حمولة من الروث أو النفايات البشرية إلى بئر مياه أي بلدة، سيكون هذا التصرف أحد الأشكال البسيطة من أشكال الحرب البيولوجية – حيث أن الفضلات البشرية أو الروث الحيواني يحتويان على البكتيريا، تكون مميتة بطرق شتى. وفي القرن الـ19، أصيب الهنود الأميركيون بالجدري من خلال بطانيات تم توزيعها عليهم كتبرعات خيرية.
كما يستخدم أي سلاح بيولوجي حديث سلالة من البكتيريا أو فيروسا يكون من شأنها قتل الآلاف. واستعرض المؤلف الروائي الأميركي توم كلانسي فكرة الإرهاب البيولوجي في 2 من مؤلفاته: "الأوامر التنفيذية" و "قوس قزح السادس". وفي كل من الكتابين، كان مصدر العدوى هو فيروس إيبولا.
وفي سياق أحداث الروايتين، تنتشر العدوى من خلال علب صغيرة من الأيروسول (مثل تلك التي تستخدمها منتجات مبيدات الحشرات لإنتاج "قنابل العتة")، التي يتم تسريبها أثناء إنعقاد إجتماعات، أو من خلال أنظمة الرش المستخدمة لترطيب الملاعب الرياضية.
يمكن لأي هجوم كيميائي فعال أن يستخدم مواد كيميائية شديدة السمية للأشخاص بكميات صغيرة.
أشهر المواد القاتلة
يأتي ترتيب العناصر، الشائع إستخدامها، من الأقل إلى الأكثر تهديدا، كما يلي:
سارين
يؤثر Sarin سارين، كعامل عصبي في سائل أو غاز، بمجرد الدخول إلى الجسم على آلية الإشارات، التي تتواصل الخلايا العصبية من خلالها مع بعضها البعض. ويعتبر سارين من مثبطات الـ cholinesterase، وذلك لأنه يلتصق بانزيم الـ cholinesterase، والتي تستخدمها الخلايا العصبية للتخلص من acetylcholine.
وعندما تحتاج الخلايا العصبية لتوصيل رسالة إلى خلية عصب آخر (على سبيل المثال، لتسبب انكماش عضلة)، فإنها تبعث رسالة مع الأستيل كولين. دون الكولينستيراز لإزالة الـacetylcholine، وتبدأ العضلات في الإنكماش دون أن يمكن السيطرة عليها - وفي نهاية المطاف فإن هذا يسبب الموت بالاختناق لأن الحجاب الحاجز، يعتبر من العضلات. ويظهر مفعول سارين تعمل في غضون 5 إلى 12 ساعة.
لا توجد صعوبة بشكل خاص في تصنيع سارين، وإذا كان هناك شخص محاصرا في مكان مغلق مساحته 1 متر مكعب مع 100 ملليغرام من سارين في الهواء، فإنه سوف يستنشقه ويقتله خلال 60 ثانية.
سيكلوسارين
مادة Cyclosarin سيكلوسارين هي أيضا عامل عصبي آخر. وتعمل بنفس طريقة سارين، ولكنه أكثر من ضعف سمية الأخير، بمعنى أن 35 ملليغرام من سيكلوسارين المحمولة جوا تؤدي لوفاة الشخص خلال دقيقة واحدة.
سومان
يتفوق سومان Soman على سارين، حيث يظهر مفعوله القاتل بشكل أسرع، أي خلال 40 ثانية إلى 10 دقائق. ويتعادل في درجة السمية مع سيكلوسارين.
وتراكم لدى الاتحاد السوفيتي مخزونات كبيرة من سومان، تم إنتاج كميات كبيرة منه إبان الستينيات من القرن الماضي.
في إكس VX
تعمل مادة VX بنفس طريقة سارين، ولكنها في شكل سائل، في حين يتبخر سارين. وتصل سمية VX إلى 10 أضعاف سارين. إن ملامسة 10 ملليغرامات فقط لبشرة شخص ما تؤدي إلى قتله. كما توجد مادة VX على هيئة سائل لزج يلتصق بأي شئ تقع عليه. أنتجت الولايات المتحدة VX خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
مادة VX بمخازن في أسلحة كيماوية في نيوبورت بولاية إنديانا
نوفيتشوك
هي تركيبة كيميائية تهاجم الأعصاب ويتم تصنيعها منتجها السام من خلال خلط مادتين كيميائيتين عاديتين. ومنذ عام 1990، كان هناك على الأقل 3 إصدارات من مادة نوفيتشوك هم (نوفيتشوك-5 ونوفيتشوك-6 ونوفيتشوك-7)، ولكن لا تتوافر معلومات حول ما إذا كان هناك كميات كبيرة من تلك المادة اليوم. وتعتبر جميع تركيبات نوفيتشوك أكثر سمية من مادة VX، وتصل سمية بعضها إلى 10 أضعافها. وهي تعمل أيضا بشكل مختلف عن باقي مواد الأسلحة المذكورة هنا، كما أنها مضادات الترياق المتوافرة حاليا لمادة نوفيتشوك تعد غير فعالة.
بدأ الإتحاد السوفيتي تصنيع إصدارات نوفيتشوك في ثمانينات القرن الماضي، وتعني نوفيتشوك في اللغة الروسية "الوافد الجديد".
غاز الخردل
ولا تقتصر المواد الفعالة في كل الأسلحة الكيميائية المخيفة على مهاجمة الأعصاب فحسب، إنما يوجد هناك أيضا مواد "مُنَفطة"، مثل غاز الخردل، التي تحرق الجلد، وتدمر أنسجة الرئة وتؤدي إلى الوفاة بين الكثير من المصابين. ولكنها أقل فتكا من المواد التي تهاجم الجهاز العصبي.
إجراءات وقائية
وتكمن خطورة الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية في أنه لا يوجد طريقة سهلة للحماية منها. وفي ساحة المعركة، يرتدي الجنود أقنعة الغاز والأغطية العازلة لكامل الجسم عندما يكون هناك إحتمالات ممكنة لهجوم كيميائي أو بيولوجي. وبالتالي فإن من الإحتياطات التي تم التوصية بإتباعها في حالات توقع تعرض مدينة ما لهجوم بمادة VX على نطاق واسع، سيتعين على سكان تلك المدينة إرتداء بدل مصنوعة من أقمشة عازلة تمنع بإحكام تسرب الهواء والماء وقناع واقي من الغاز في وقت الهجوم من أجل الحماية.
فيديو قد يعجبك: