أزمة ليبيا: حفتر "يسقط الصخيرات" ودول الجوار تطالب باحترام الاتفاق
كتبت- رنا أسامة:
في تحدٍ عالمي من شأنه إثارة القلاقل في ليبيا وزيادة الانقسام السياسي والعسكري الذي تشهده منذ الإطاحة بزعيمها الديكتاتور الراحل معمّر القذافي في 2011، خرج قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، يكتب شهادة وفاة اتفاق الصُخيرات، ويُعلن انتهاء "صلاحية الاتفاق السياسي وكذلك كل الأجسام المنبثقة عنه".
وقال حفتر في كلمة متلفزة، الأحد، إن "مع بلوغ يوم السابع عشر من ديسمبر ألفين وسبعة عشرة اليوم الذي تنتهي فيه صلاحية ما يسمى بالاتفاق السياسي لتفقد معه كل الأجسام المنبثقة عن ذاك الاتفاق بصورة تلقائية شرعيتها المطعون فيها".
يُخيّم على ليبيا حالة من الفوضى والارتباك منذ سقوط نظام القذافي، حيث انتشرت الجماعات المتطرفة المُدجّجة بالأسلحة في عدة مواقع في عموم البلاد، لكن أخطرها، كان في درنة، وتحاول العديد من القوى الدولية والإقليمية التوفيق بين أكبر شخصيتين حاليًا في البلاد، وهما المشير خليفة حفتر، قائد الجيش، وفايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، المدعوم من الأمم المتحدة.
فيما ردّ رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، فايز السراج، على بيان حفتر، مؤكدًا أن "المجلس وحكومته مستمرة ولا تواريخ لنهاية الاتفاق السياسي إلا عند التسليم لجسم منتخب من الشعب". وأضاف أن "المعرقلين لن يثنوا حكومة الوفاق من أداء عملها وواجبها نحو المواطنين".
وشدّد وزراء خارجية مصر وتونس والجزائر، في ختام اجتماعهم بتونس، الأحد، على أهمية التنسيق فيما بينهم من أجل دعم خطة الأمم المتحدة للحل في ليبيا، والتي تهدف إلى حل الأزمة الليبية عبر الاتفاق السياسي من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية في أقرب وقت ممكن.
كما أكد وزراء خارجية دول الجوار في بيان مشترك أهمية إقامة حوار وطني والدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية العام 2018، معربين عن رفضهم التدخلات الخارجية التي من شأنها تعميق الفوضى في ليبيا.
وشدّد مجلس الأمن، الجمعة الماضي، على أن اتفاق الصُخيرات يبقى "الإطار الوحيد القابل للاستمرار لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا"، مؤكدًا أنه ليس هناك حل عسكري للأزمة وعلى جميع الليبيين احترام وقف إطلاق النار.
"اتفاق الصُخيرات"
قبل عامين، وتحديدًا في 17 ديسمبر 2015، نجحت وساطة الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق في مدينة الصُخيرات المغربية بين الأطراف الليبية المتصارعة، أفضى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، برئاسة فايز السراج، باشرت مهامها من العاصمة طرابلس في مارس قبل الماضي.
وحظي الاتفاق بدعم دولي، إلا أنه واجه اعتراضًا من برلمان وحكومة شرق ليبيا، كما طالب المشير حفتر بإدخال تعديلات عليه.
من ذلك الحين أخذت العديد من الدول، خاصة المجاورة لليبيا والمبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، تبذل جهودا حثيثة لتحقيق تسوية سياسية في البلاد. وكان لمصر بحكم الجوار، جولات من الوساطة بين الأطراف الليبية المتنازعة، أبرزها تلك التي نجحت في عقد أول لقاء بين حفتر والسراج شرقي ليبيا، في يناير من العام الماضي، بحسب بيان صادر عن مكتب السراج.
واشتد الخلاف بين السراج وحفتر بعد أن أعلن الأخير بشكل منفرد بدء عملية عسكرية كبيرة لتحرير مدينة سرت -مسقط رأس القذافي -من سيطرة تنظيم داعش.
غير أن حفتر تجاهل اعتراضات السراج واستمر في العملية العسكرية. وقال الناطق باسم القوات المسلحة الليبية العقيد أحمد المسماري آنَذاك إن العملية لا تحمل أبعادًا سياسية وكان محضرًا لها قبل عام.
في أعقاب التوتر الأخير، شكلت القاهرة لجنة خاصة بالأزمة الليبية ترأسها رئيس أركان الجيش الفريق محمود حجازي، عقد أكثر من اجتماع مع أطراف ليبية عدة لمحاولة تقريب وجهات النظر والتوصل إلى حل.
واستضافت القاهرة السراج، في 12 يناير الماضي، كما استقبلت حفتر في 20 من الشهر نفسه، في اجتماعين منفصلين تم خلالهما بحث تطورات الأوضاع في ليبيا وكيفية توافق الفرقاء والسعي نحو حل الأزمة.
ورحب السراج، خلال زيارته إلى القاهرة، بالجهود الرامية لمناقشة النقاط الجوهرية بالاتفاق السياسي، مؤكدا "ضرورة التفاوض بشأنها بروح الوفاق وإعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة، دون إقصاء أو تهميش لأى طرف، وبما يضمن الحفاظ على وحدة التراب والدم الليبي وإعادة بناء هياكل الدولة".
كما رحب حفتر، خلال مباحثاته بالقاهرة، بكافة الجهود والتحركات السياسية المصرية الصادقة، وأبدى استعداده للمشاركة في أي لقاءات وطنية برعاية مصرية، يمكن أن تسهم في الوصول إلى حلول توافقية للخروج من الأزمة الراهنة وحفظ أرواح الليبيين وحرمة الدم.
"تعديل الاتفاق"
بدأت الجولة الأولى من المفاوضات حول تعديل اتفاق الصُخيرات في سبتمبر الماضي، برعاية الأمم المتحدة وفي حضور مبعوثها الخاص إلى ليبيا غسان سلام، لمناقشة إعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وفصل رئاسة الوزراء عنه، إضافة إلى تحديد عدد أعضاء مجلس الدولة وإلغاء المادة الثامنة المتعلقة بصلاحيات المؤسسة العسكرية.
وتضمّنت المباحثات، التي عُقِدت في تونس، 4 نقاط هي: تعديل عدد أعضاء المجلس الرئاسي من تسعة إلى ثلاثة، وضم أعضاء من المؤتمر الوطني العام السابق إلى المجلس الأعلى للدولة، إضافة إلى تحديد صلاحيات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بعد فصله عن مجلس الوزراء، ووضع القيادة العسكرية في البلاد.
وانتهت الجولة الأولى من المفاوضات بالتوصل إلى اتفاق بإعادة تشكيل السلطة التنفيذية من مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين، ورئيس وزراء مستقل.
وتعتبر المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات من أهم العقبات التي تواجه عملية إحلال السلام في ليبيا، وتنص على "أن يكون تعيين جميع القيادات العليا العسكرية والأمنية من اختصاص المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، على أن يكون رئيس المجلس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة".
وفيما اجتمع الفرقاء الليبيون في تونس لتعديل اتفاق الصخيرات، أقر مجلس النواب الليبي -ومقره طبرق- تعديلًا على المادة الثامنة في الاتفاق، أكتوبر الماضي، ولكن الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر تحفظ على هذا الإجراء.
وقال الناطق باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري، إن أسباب تحفظ القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية على المادة الثامنة هي أنها "تستهدف صراحةً الجيش الوطني ورموزه وقياداته". وأضاف أن "المادة تساوي بين المليشيات الإجرامية والإرهابية والجيش الوطني الليبي المتمثل في القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية".
فيديو قد يعجبك: