إعلان

حكايات العالقين على معبر رفح.. المعاناة لم تنته بعد

01:52 م الخميس 21 ديسمبر 2017

معبر رفح

كتبت – إيمان محمود:

قبل شهر، ومع فتح معبر رفح لأول مرة بعد المصالحة الفلسطينية، وقف عشرات الفلسطينيين ممن وردت أسماؤهم في كشوف المسافرين من وإلى غزة، بينهم أحمد اللوح، الشاب الثلاثيني، الذي كان منشغلا بمصير عمليته الجراحية التي تسوقه إلى الأراضي المصرية للمرة السابعة خلال ثلاث سنوات منذ إصابته في حرب غزة عام 2014، في حين جلست ماجدة أحمد، 50 عامًا، بمشاعر امتزجت بفرحة الخروج وقلق حول تأشيرتها المُنتهية والتي قد تعيق إتمام رحلتها لرؤية أولادها.

أحمد وماجدة ضمن مئات الفلسطينيين، الذين تتعلق أعينهم لعدة أسابيع وربما لشهور بهذا المنفذ البري الذي بات المُتنفس الوحيد لقطاع غزة المُحاصر، منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005 وسيطرة حماس على القطاع في منتصف عام 2007، قبل تسلّم حكومة رام الله الإشراف على المعبر في مطلع نوفمبر الماضي، لتتولى مهمة التنسيق مع الجانب المصري.

أوقع العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014 مئات المصابين، كان من بينهم أحمد. أصيب الشاب الثلاثيني بكسر في العمود الفقري ضغط على النخاع الشوكي، ما أعجزه عن المشي، كما فقد عينه اليسرى نهائيًا.

لسنوات؛ اعتاد أحمد أن يسافر بصحبة زوجته، رفيقة دربه لأكثر من أربعة عشر عامًا لم يرزقهما الله خلالها بأبناء، صعوبة الرحلة من غزة إلى مصر جعلته يشفق على زوجته ليقرر السفر دونها هذه المرة.

أما ماجدة فقد اعتادت السفر بمفردها؛ فمنذ استشهاد زوجها قبل 20 عامًا، وزواج ابنتيها الكبيرتين، لم يبق لديها سوى ولدين؛ غادر أكبرهما غزة منذ تسع سنوات ليدرس هندسة الطيران في الجزائر ومنها للعمل في بلجيكا، أما الابن الأصغر فسافر للدراسة في تركيا منذ عامين "كان المفروض أعيش معه في تركيا لكن الموضوع ما ظبط؛ دخل ابني كطالب وأنا ضلتني هون".

لضعف الإمكانيات الطبية في غزة، أحالت وزارة الصحة الفلسطينية أحمد لإجراء عملية بالعمود الفقري "وضعي كان صعب والعملية كانت خطيرة، جيت المرة الأولى في أكتوبر 2014 على كرسي متحرك".

ثلاثة أعوام جاء خلالها أحمد من غزة إلى مصر لاستكمال رحلة علاجه التي لم تنته بعد، "لفيت على مستشفيات كتير وأجريت عمليات كتير حتى قدرت الآن أقف على رجليا .. وهالمرة جيت لإجراء عملية جديدة الدكاترة قالولي إنها صعبة ونتيجتها بتبين بعد 18 شهر".

ورغم أن السلطات الفلسطينية تعطي أولوية السفر للحالات الإنسانية والجرحى، لكن أحمد كان يواجه صعوبات في انتظار دوره بالكشوف نظرًا لوجود آلاف المسافرين من الطلاب والمرضى، الأمر الذي أرهقه بشكل كبير، إذ مكث لساعات طويلة في المعبر حتى يُصرّح له بالدخول حسب قوله.

عملية أحمد الجراحية تأجلت أربع مرات بسبب المعبر، ففي كل مرة يقع حادث إرهابي في سيناء يتسبب في إغلاق المعبر ليترقب موعدًا جديدًا "المرة دي الحمد لله لحقت أدخل قبل مايقفلوا المعبر بعد تفجير مسجد العريش، الله يكون في عون اللي مادخلوش ويكون في عون أهالي الشهداء".

في 13 أكتوبر المنصرم، أعلنت السلطات المصرية فتح المعبر أمام الفلسطينيين، غير أنه بعد ساعات وقع هجوم إرهابي على كمين جنوب العريش "اتسكّر المعبر وانتهت تأشيرتي بعد يومين" تحكي ماجدة، مستعيدة لحظة اليأس من ضياع فرصة الخروج، وتأجيلها إلى 18 نوفمبر الماضي، حال كل من ورد اسمه في كشوف العابرين في ذلك الوقت.

كانت "ماجدة" تثق في صدور اسمها بالكشوف المقبلة ما جعلها تغامر وتترك التأشيرة دون تجديد، خوفًا من تبدد حلم السفر مرة أخرى "خفت أجددها المعبر ينفتح وتروح عليا السفرية، غامرت واستنيت" وحينما جاء اسمها في الكشوف "ما صدقت حالي إني راح أطلع من غزة".

تخصص الموظفة في سلطة رام الله جزءًا من راتبها من أجل معيشة "على قد الحال" مع والدتها، التي من أجلها تحرص على العودة لخان يونس إن خرجت، فيما يذهب الجزء الأكبر من دخلها لحلم السفر الذي ظل يراودها لعامين "بنتظر السفر لأشوف أولادي .. سنتين محضرة شنطة السفر وشايلاها في الدولاب في الصيف احط الملابس الصيفي وفي الشتا أشيلهم وأحط الشتوي، وأقول يمكن هالمرة تظبط".

"أولادي مايقدروش يجولي غزة .. يخافوا المعبر يتقفل ومايعرفوش يرجعوا" تقول ماجدة. استطاع الابن الأكبر للسيدة الخمسينية الحصول على إقامة في بلجيكا كلاجئ، بعد حرب 2014، ما جعل في إمكانه حرية السفر التي يفتقدها أخوه الأصغر في تركيا "وضعه هناك مازال غير مستقر"، أما ماجدة فتنتظر فتح المعبر لتدخل مصر ومنها تستطيع السفر إلى تركيا التي أصبحت نقطة الالتقاء الوحيدة للأسرة المُشتتة.

وصلت "ماجدة" إلى المعبر بفرحة غامرة، ساعات قليلة من الانتظار تخللتها مكالمات هاتفية من ولديها، قبل أن تعلن الصالة الفلسطينية توقف خروج الباصات نحو الجانب المصري، بسبب اعتصام لطلاب فلسطينيين اعترضوا على دخول "باصات التنسيقات" قبل دورهم، "هم بيسموه تنسيق لكن هو رشوة" حسب قولها.

قضت "ماجدة" ليلة باردة داخل الصالة الفلسطينية، إلى أن طالبتهم السلطات في الصباح الباكر بالاستعداد للرحيل.

"معبر رفح معاناة لا تُطاق"، يقولها أحمد متذكرًا ما يسمى "باصات التنسيقات"، التي تدفع أموالا أكثر لتعبر بشكل أسرع "المُنسقين بياخدوا حوالي 3000 جنيه، مقابل انهم يبعتوا جواز السفر للجانب المصري .. الباص بتاعي كان المفروض يكون رقم 2، أصبح رقم 7 بسبب باصات التنسيقات".

يعود أحمد ليتذكر معاناته مع معبر رفح في مرات سابقة، فانتظار عبور "باصات التنسيقات" لم يكن سوى 1% من معاناة الانتظار في الصالة المصرية، "في إحدى المرات سلّمنا جوازاتنا أنا وزوجتي ووالدتي الساعة 10 صباحًا ولم نغادر الصالة إلا تاني يوم الساعة 6 الصبح".

داخل صالات المعبر، الجميع سواء أمام المعاناة. لكن عزاء "أحمد" الوحيد أنه لم يُمنع من الدخول في أي مرة مضت "في ناس بعد ما تقضي ييجي ليلتين بالمعبر المخابرات المصرية ترفض دخولهم ويرجعوا تاني لغزة".

في 19 نوفمبر مر وفد المصالحة الفلسطينية في طريقه إلى القاهرة لاستكمال المباحثات، وفي أعقابه الباص الذي يقل "ماجدة". مرت ساعات الصباح ثقيلة على السيدة حتى وصلت للصالة المصرية مع بدايات سطوع شمس الظهيرة، التي لم تغادرها إلا صباح اليوم التالي "ضلينا لتاني يوم الساعة 9 الصبح .. أولادي قالولي المهم إنك صرتي عند المصريين وضمنا أنك خرجتي من غزة".

معبر رفح جعل حلم السفر بالنسبة للأم الفلسطينية بعيد المنال، فإما أن ينتهي موعد تأشيرتها لتركيا فتضطر الانتظار لحين تجديدها أو ألا تجد اسمها مُدرجًا في كشوف المسافرين، فلا سبيل أمامها إلا المجيء لمصر والالتماس من السفارة الفلسطينية لتسهيل إجراءات سفرها "تجديد تأشيرة السفر معاناة تانية. ممكن أقعد شهرين عشان يصل الجواز للسفارة التركية بالقدس".

تفاصيل المعبر لا تنتهي. يتجدد العابرين ما بين غزة ومصر، ومعهم تتجدد معاناتهم. "أنا ماليش علاقة بأي اختلافات سياسية .. أنا مواطن وبعاني" بأسى تقول ماجدة، بينما لازالت تنتظر على أعتاب السفارة التركية في القاهرة أملا في إذن السفر لأولادها "كل مرة أروح مايرضوش يدخلوني". لم تشفع دموع السيدة العالقة في تسير أمورها، فيما تنهد أحمد بارتياح بعدما تمكن من العودة إلى مدينته المحاصرة، عقب إجرائه العملية الجراحية، خلال فتح المعبر لأربعة أيام بدأت في 16 ديسمبر الجاري "بدنا نخرج بره غزة لكن مأساتنا الوحيدة في المعبر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان