صفقات أردوغان مع السودان - جبهة جديدة للتنافس مع خصوم أنقرة؟
برلين (دويتشه فيله)
توقيع اتفاقيات للتعاون العسكري والاقتصادي وظفر أنقرة بـ"إعادة إعمار وترميم آثار جزيرة سواكن" الاستراتيجية جزء من حصيلة زيارة أردوغان للسودان. فما هي الرسائل الجلية أو المبطنة لخصوم أنقرة بالمنطقة، وماذا عن "حرب الموانئ"؟
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أروغان الاثنين (25 ديسمبر 2017) في الخرطوم أن السودان خصص جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها.
وزار أردوغان برفقة نظيره السوداني عمر البشير سواكن حيث تنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" مشروعاً لترميم الآثار العثمانية، وتفقد الرئيسان خلالها مبنى الجمارك ومسجدي الحنفي والشافعي التاريخيين في الجزيرة.
وقال أروغان وهو يتحدث في ختام ملتقى اقتصادي بين رجال أعمال سودانيين وأتراك في اليوم الثاني لزيارته للسودان أولى محطات جولته الأفريقية "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم والرئيس البشير قال نعم".
وأضاف أن "هناك ملحقاً لن أتحدث عنه الآن".
رمزية تاريخية
يمكن وصف الزيارة بحد ذاتها بالتاريخية؛ إذ أنها أول زيارة لرئيس تركي إلى السودان منذ استقلاله عام 1956 ومن هنا تأتي "رمزيتها"، كما يرى خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط، في حديث لـDW عربية.
ميناء سواكن هو الأقدم في السودان ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بورتسودان الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه.
والرمزية والأهمية التاريخية تنطبق كذلك على سواكن. فقد استخدمت الدولة العثمانية جزيرة سواكن مركزاً لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.
وأشار أستاذ العلوم السياسية في عدة جامعات سودانية، عبد اللطيف البوني، في حديث لفرانس برس إلى الأهمية التاريخية لسواكن بالنسبة لتركيا: "سواكن مهمة جداً لتركيا ولها رمزية تاريخية فعندما كانت الدولة العثمانية التركية تحكم هذه المنطقة، كانت سواكن تتبع مباشرة للخليفة العثماني في الأستانة وليس للحاكم في السودان أو مصر".
إعادة تموقع سوداني
ومن جانب آخر، تأتي الزيارة بعد بدء السودان إعادة تموقعه في الإقليم باتجاه محور "الإسلام السياسي (القطري-التركي) والذي حدث بعد زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لقطر في 24 أكتوبر من هذا العام"، كما يرى أبو دياب، لافتاً إلى أن البشير هو الآخر كما "أردوغان ينحدر من خلفية الإسلام السياسي من الناحية الايدلوجية".
وبدأت الخرطوم بإعادة تموقعها بعد أكثر من سنتين من مشاركة الخرطوم في "التحالف العربي" بقيادة السعودية في الحرب اليمنية ضد قوات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح (قتل يوم 4 ديسمبر كانون الأول الحالي) وحلفائه السابقين من الحوثيين.
وأشارت مصادر صحفية إلى أن السودان يشارك بآلاف القوات إلى جانب السعودية، التي سعت من جانبها لدى الولايات المتحدة لرفع بعض العقوبات عن السودان. وجدير بالذكر أن واشنطن رفعت في 12 أكتوبر الماضي جزئياً حظراً تجارياً عن السودان استمر لعقدين.
لكن وزير الخارجية السوداني نفى نية الخرطوم الدخول في محاور إقليمية. وقال غندور في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي في مطار الخرطوم في ختام الزيارة أن "السودان لم ولن يكون يوماً جزءاً من أي محور ونحن منفتحون على كل دول العالم لتبادل المصالح، وتركيا دولة شقيقة ولنا معها تاريخ طويل".
وأضاف أن "السودان مهتم بأمن البحر الأحمر وننسق مع جيراننا في ذلك، وتركيا موجودة في البحر الأحمر ولها قاعدة عسكرية في الصومال لتدريب الجيش الوطني الصومالي".
بين التلميح والتصريح
لدى السودان ساحل على البحر الأحمر يمتد على أكثر من 700 كيلومتر. يقرأ أبو دياب جملة أردوغان أن "هناك ملحقاً لن أتحدث عنه الآن" ومضامينه التي لم تعلن أن الجزيرة ستكون "نقطة للبحرية التركية وللتأثير الجيوسياسي".
وكان وزير خارجية تركيا مولود تشاوش أُوغلو أكثر وضوحاً من رئيسه إذ قال في المؤتمر الصحفي مع نظيره السوداني "تم توقيع اتفاقيات بخصوص أمن البحر الأحمر"، مؤكداً أن تركيا "ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن البحر الأحمر".
وأضاف تشاوش أوغلو "نحن مهتمون بأمن السودان وإفريقيا وأمن البحر الأحمر".
وتابع "لدينا قاعدة عسكرية في الصومال ولدينا توجيهات رئاسية لتقديم الدعم للأمن والشرطة والجانب العسكري للسودان (...) ونواصل تطوير العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية".
ومن جانبه أعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في المؤتمر الصحفي أن السودان وتركيا وقعا اتفاقات للتعاون العسكري والأمني، من بينها "إنشاء مرسى لصيانة السفن المدنية والعسكرية".
وأضاف أن "وزارة الدفاع السودانية منفتحة على التعاون العسكري مع أي جهة ولدينا تعاون عسكري مع الأشقاء والأصدقاء ومستعدون للتعاون العسكري مع تركيا".
وقال "وقعنا اتفاقية يمكن أن ينجم عنها أي نوع من أنواع التعاون العسكري".
البحر الأحمر والقرن الإفريقي.. حرب موانئ
أكد أستاذ العلوم السياسية عبد اللطيف البوني لفرانس برس أن اهتمام تركيا بأمن البحر الأحمر "يقرأ في إطار بحثها عن نفوذ إقليمي ودولي وتوجيه رسالة سياسية لدول الخليج بأنها موجودة في الساحل الغربي للبحر الأحمر".
وأضاف البوني أن "اتفاق التعاون العسكري وربطه بالاهتمام بأمن البحر الأحمر يعكس بحث تركيا عن نفوذ لها في هذه المنطقة المهمة من العالم ولتأكيد لدورها في منطقة الشرق الأوسط وفي إطار التنافس بين مختلف الدول التي تسعى الآن لإنشاء قواعد لها في المنطقة".
ويعيد هذا التنافس المحموم إلى الأذهان ما نقلته وسائل إعلام عن اتفاق قطر مع السودان على إنشاء أكبر ميناء للحاويات في البحر الأحمر في مدينة "بورتسودان" بعد تنافس شرس مع "شركة دبي للموانئ" على الفوز بالصفقة.
وتسيطر الإمارات العربية المتحدة على عدة موانئ في بحر العرب والبحر الأحمر. كما وضع أردوغان موطئ قدم له في الصومال، غير أنه فشل عند محاولته في جيبوتي، والتي تضم "قواعد فرنسية وأمريكية وصينية"، كما يقول أبو دياب ويسجل هنا أن القاعدة الصينية هي "أول قاعدة عسكرية للصين خارج بلادها".
كما أشار أبو دياب في هذا السياق إلى الوجود الإيراني بالمنطقة "من خلال دعم الحوثيين وشراء جزيرة من أريتريا".
الاقتصاد أولاً!
وخلال زيارة الرئيس التركي وقع البلدان على 21 اتفاقية، على رأسها إنشاء مجلس للتعاون الاستراتيجي. وتشمل الاتفاقات أيضاً مشاريع زراعية وصناعية كإنشاء مسالخ لتصدير اللحوم ومصانع للحديد والصلب ومستحضرات التجميل إضافة إلى بناء مطار في العاصمة السودانية الخرطوم.
وأوضح أردوغان أن "حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين يبلغ 500 مليون دولار"، مضيفاً أن هذا "لا يليق بالبلدين".
ومن جانبه قال البشير خلال الملتقى الاقتصادي "نريد رفع الاستثمارات التركية إلي عشرة مليارات دولار في فترة وجيزة". ويجزم خطار أبو دياب بأن الهدف الأساسي للزيارة هو "اقتصادي-تجاري" أكثر منه "استراتيجي".
"رابعة" حاضرة.. والغاز أيضاً
تشهد العلاقات التركية-المصرية توتراً شديداً منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي. ودار حديث عن بوادر تحسن في العلاقات بعد زيارة سامح شكري لتركيا للمشاركة في القمة الإسلامية الطارئة بشأن قرار دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس.
إلا أن رفع أردوغان لـ"إشارة رابعة" خلال الزيارة ربما يعيد العلاقات لـ"مربع التوتر" كما يعتقد أبو دياب.
والتوتر انعكس هجوماً في بعض وسائل الإعلام المصري على الزيارة. حتى أن الفضائية الرسمية الناطقة بالعربية TRT نقلت عن وزير الخارجية السوداني قوله: لو لم تكن زيارة أردوغان إلى السودان ناجحة جدا لما كانت بعض وسائل الإعلام المصرية تناولت الموضوع بشكل مؤسف، لكن "فليموتوا بغيظهم".
ويعتقد خطار أبو دياب أن الرسالة للجانب المصري واضحة: "نحن بإمكاننا أيضاً اللعب في حديقتكم الخلفية".
ويوضح خطار أبو دياب أن أرودغان منزعج لتوجه السيسي لبناء خط أنابيب مع اليونان وقبرص وتجاهل الموانئ التركية وإصرار مصر على "نزع الأهمية" عن الموانئ التركية كـ"مصب للغاز" على البحر الأبيض المتوسط.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس أناستاسيادس واليوناني اليكسيس تسيبراس قد عقدوا في 21 نوفمبر الماضي محادثات تركزت على الطاقة والأمن والهجرة غير الشرعية.
من هنا ربط خطار أبو دياب تلك القمة بمسارعة أردوغان لزيارة اليونان بعد أقل من ثلاث أسابيع على تلك القمة في أول زيارة لرئيس تركي لليونان منذ 65 عاماً.
ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس في ذلك "محاولة لاستدراك الأمر".
فيديو قد يعجبك: