"حرب الموانئ".. كيف تتصارع 6 دول على مد نفوذها في القرن الإفريقي؟
كتب – محمد مكاوي:
باتت منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر، ساحة للصراع والنفوذ الإقليمي العسكري والتجاري، بين عدة دول وقوى إقليمية ودولية، أحدثها تركيا التي حصلت على حق إدارة جزيرة سواكن السودانية الاستراتيجية.
وتسعى كل من الإمارات وتركيا وقطر وإيران بالإضافة إلى الصين وإسرائيل لمد نفوذها والقوة في منطقة جنوب البحر الأحمر، ببناء قواعد عسكرية أو الحصول على حق إدارة وانتفاع موانئ في دول إفريقية فقيرة مثل الصومال وإريتريا وأخيرا السودان.
أمس الثلاثاء، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موافقة السودان على وضع جزيرة سواكن تحت الإدارة التركية، لفترة لم يتم تحديدها، بغرض إعادة بنائها.
وتقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر وهي واحدة من أقدم الموانئ في إفريقيا، واستخدمها الحجاج الأفارقة قديما لأجل الحج إلى مكة، كما استفاد العثمانيون بدورهم من موقعها الاستراتيجي.
ويوجد في الجزيرة، ميناء يعد الأقدم في السودان، وكان يستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية.
يقول أستاذ العلوم السياسية "عبد اللطيف البوني" إن اهتمام تركيا بأمن البحر الأحمر "يُقرأ في إطار بحثها عن نفوذ إقليمي ودولي وتوجيه رسالة سياسية لدول الخليج بأنها موجودة في الساحل الغربي للبحر الأحمر".
وأضاف "البوني" لوكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس)، أن "اتفاق التعاون العسكري وربطه بالاهتمام بأمن البحر الأحمر يعكس بحث تركيا عن نفوذ لها في هذه المنطقة المهمة من العالم ولتأكيد دورها في منطقة الشرق الأوسط، في إطار التنافس بين مختلف الدول التي تسعى الآن لإنشاء قواعد لها في المنطقة".
بالإضافة إلى الاهتمام التركي بمنطقة القرن الإفريقي، كانت إسرائيل حاضرة وبقوة خاصة مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامبن نتنياهو لدول المنطقة وعلى رأسها إثيوبيا وجنوب السودان وما شهدته جولته من توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية.
أهمية المنطقة
في دراسة تحليلية نشرها مركز الروابط للبحوث والدراسات بتاريخ 8 ديسمبر 2016 تحت عنوان " موانئ القرن الإفريقي: ساحة جديدة للتنافس الدولي" أوضحت الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة خاصة لدول الإمارات وتركيا والصين وإسرائيل.
وتقول الدراسة إن "منطقة القرن الإفريقي الواقعة على مدخل البحر الأحمر الجنوبي تشهد تنافس اقتصادي وأمني محتدم إقليميًّا ودوليًّا، وتحوَّل البحر الأحمر من بحيرة عربية إلى ساحة دولية مفتوحة لكل راغب في إيجاد موطئ قدم له فيها".
وأرجعت الدراسة أسباب منافسة تلك الدول على هذه المنطقة إلى عدة أسباب أبرزها "القرصنة التي شكَّلت تهديدًا لحركة الملاحة، وكذلك رغبة دول القرن الإفريقي الفقيرة باستثمار موانئها المطلَّة على مضيق باب المندب وخليج عدن، وقد أتاح وجود حكومات هشة، أو غير مستندة لآليات شرعية، الفرصةَ لمن يقدِّم عروضًا أفضل وغياب المنافسة الحقيقية بين الراغبين في الاستثمار".
حرب الموانئ
بدأت الإمارات وتركيا في الحصول على حق إدارة وانتفاع مجموعة من الموانئ في الصومال التي تعاني فقرا شديدا وصراعات أهلية وعمليات إرهابية، بالإضافة إلى قطر التي حصلت على أكبر ميناء على البحر الأحمر بتمويل قطري في السودان.
يمتلك الصومال أطول ساحل في القارة الإفريقية بطول يُقدَّر بأكثر من ثلاثة آلاف كيلومترات. ويطل أغلبه على المحيط الهندي، بينما تقع سواحله الشمالية على خليج عدن، وسواحله الشرقية على مضيق باب المندب.
فتركيا حصلت عبر شركة البيرق التركية، على حق إدارة ميناء مقديشو بعد أن منحتها الحكومة الصومالية الفيدرالية حق تشغيل الميناء لعشرين عامًا في سبتمبر 2014، على أن تعطي 55% من عائداته السنوية لخزانة الحكومة الصومالية.
أما الإمارات فحصلت عبر شركة موانئ دبي على حق إدارة ميناء بربرة من إدارة حكومة "أرض الصومال" – غير المعترف بها دوليا – في عام 2015 ولمدة 30 عامًا.
وفي إريتريا حصلت الإمارات أيضًا على حق إدارة ميناءي مصوع وعصب، عبر شركة موانئ دبي في عام 2015 لمدة ثلاثين عامًا مقابل أن تحصل إريتريا على 30 بالمئة من عائدات الميناء الذي سيبدأ تشغيله في 2018.
كما حصلت موانئ دبي عام 2000 على حق إدارة ميناء جيبوتي الذي يقع على مدخل البحر الأحمر الجنوبي.
باب المندب
في المقابل تسعى إيران إلى وضع قدمها في منطقة باب المندب بجانب سيطرتها على جزء من منطقة مضيق هرمز، للسيطرة بشكل أكبر على حركة الملاحة التجارية العالمية من الشرق إلى الغرب.
وتدعم إيران جماعة الحوثيين التي تسيطر على مساحات شاسعة في اليمن أبرزها العاصمة صنعاء ومنطقة ميناء الحديدة الاستراتيجي عند باب المندب.
وتتهم السعودية والإمارات والولايات المتحدة، إيران بتهديد الملاحة في باب المندب.
قواعد عسكرية
دشنت الصين قبل خمسة أشهر أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد في جيبوتي قبالة سواحل اليمن والصومال، والتي قال مراقبون إنها تقع قرب قاعدة ليمونير الأمريكية في جيبوتي.
وكشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، نشر في فبراير الماضي، أن القاعدة البحرية الصينية التي تعد أول قاعدة لها خارج الحدود، يمكن أن توفر فرصة كبيرة للصين في توسيع نفوذها خارج أراضيها، خاصة أن المنطقة التي وضعت فيها القاعدة الصينية الجديدة تشهد العديد من عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.
ونقلت نيويورك تايمز عن جابريل كولينز، خبير في الجيش الصيني ومؤسسة بوابة صوت الصوت، قوله إن ما يجري يشبه إلى حد كبير مناورة فريق منافس في كرة القدم، مبيّناً أن ما يجري هو محاولة الخصمين لاكتشاف بعضهما الآخر عن قرب.
وقاعدة "ليمونير" تأسّست عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 في أمريكا، وتقع على مقربة من مطار جيبوتي الدولي، حيث تعتبر القاعدة العسكرية الدائمة والوحيدة في أفريقيا.
وتضم القاعدة قرابة 4000 آلاف عنصر، إضافة إلى أعداد أخرى تقوم بزيارات سرية إلى تلك القاعدة، وأيضاً تعتبر قاعدة لانطلاق العديد من الطائرات دون طيار التي تستهدف مواقع في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، منها غارة شنّتها واشنطن الشهر الماضي في اليمن، خلّفت قتلى في صفوف أفراد البحرية الأمريكية.
وقبل شهرين، افتتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في العاصمة الصومالية مقديشو، بتكلفة 50 مليون دولار في مسعى لتوطيد علاقاتها مع الصومال وتأسيس وجود لها في شرق إفريقيا، حسبما تقول وكالة رويترز.
وقال مسؤول تركي كبير قبل مراسم الافتتاح في مقديشو والتي حضرها رئيس أركان الجيش التركي خلوصي آكار إن الضباط الأتراك سيتولون تدريب أكثر من 10 آلاف جندي صومالي في القاعدة.
تحركات الدول الستة تعني أن فقر دول القرن الإفريقي وحاجته إلى المساعدات دفعته إلى فتح الأبواب أمام القوى الإقليمية والدولية لتضع قدما اقتصاديا وعسكريا في منطقة استراتيجية تسيطر على واحد من أهم الطرق التجارية في العالم.
فيديو قد يعجبك: