الخبراء في ألمانيا يحاولون حل مشكلة عدم تحلل الجثث في المقابر
بون (د ب ا)
صارت هناك مخاطرة مهنية تتعلق بعمال دفن الجثث بالمقابر بألمانيا، تتمثل في أنهم أثناء حفرهم قبورا جديدة قد يصادفون رفاتا مدفونة تحللت جزئيا فقط ولا تزال يمكن التعرف على تفاصيلها.
ويدور نقاش ساخن في ألمانيا حاليا حول كيفية التصرف حيال عدد هائل من الجثث، التي ترفض أن تتحلل حتى بعد مرور فترة تتراوح بين 15 إلى 35 عاما من دفنها داخل ما يصل إلى 32 ألفا من المقابر في البلاد.
ويقول تادي شبرانجر وهو خبير في القانون المتعلق بالبيولوجي ويقيم في بون إن "المشكلة فيما يطلق عليه الجثث الشمعية تتفاقم، ولا تكاد تكون هناك مقبرة في ألمانيا لم تتأثر إلى حد ما بهذه المشكلة".
والسبب في حدوث هذه المشكلة أن الدهون المتراكمة ببشرة الجثث المدفونة تتحول إلى مادة عضوية، يطلق عليها اسم "موم" وهي المادة الشمعية الناتجة عن اختلاط الشحم مع عضلات جسم الميت، كما تعرف أيضا باسم شمع الجثة أو القبر أو الدفن، وتكون النتيجة ظهور طبقة شمعية هشة بيضاء تغطي الجثة وتمنع حدوث مزيد من التحلل.
ويزيد الأمر سوءا وجود التربة المشبعة بهذه الطبقة الشمعية، وأيضا الملابس المصنوعة من الألياف الاصطناعية التي يضع الأقارب جثة المتوفى داخلها، وكذلك اعتياد الشخص المتوفى على استخدام المضادات الحيوية، إلى جانب ظهور النعوش الحديثة المحكمة الإغلاق التي لا ينفذ منها الهواء، كما يلعب موقع المقبرة دورا كبيرا في حدوث الطبقة الشمعية.
ويضيف شبرانجر "إن المشكلة تتعلق أساسا بالرطوبة الكثيفة والتربة الطفلية، فهي تحفظ الجثث بطريقة يمكن معها التعرف على معالم الوجه على الرغم من مرور عدة سنوات على دفنها".
وبسبب تفاقم المشكلة خصصت جامعة بون ندوة بكاملها لمناقشة ظاهرة الجثث الشمعية في منتصف تشرين ثان/نوفمبر الماضي، تناولت مجموعة متنوعة من الجوانب الأخلاقية والدينية والقانونية وتلك المتعلقة بعلوم التربة وخواصها.
ومن بين العوائق التي تحول دون التعرض لهذه المشكلة هو أن الجثث الشمعية غالبا ما تكون من الموضوعات المحظورة، وفي هذا الصدد يوضح بيتر فيلهلم وهو حانوتي سابق من ولاية بادن فيرتمبرج بجنوبي المانيا أنه "في حالة تتكثف فيها العواطف، فإنك لا تريد أن تسبب صدمة لأهل الميت الحزانى وتواجههم بمثل هذه الأمور".
وهناك أيضا عبء نفسي ثقيل يتحمله العاملون بالمقابر الذين يقابلون الرفات الشمعية أثناء دفن جثث جديدة، وهو الترويج للدعوات لمزيد من الانفتاح حول المشكلة قبل أن تؤدي إلى ظهور مشكلة أخرى.
ويقول فيلي برانت المتحدث باسم أكبر فرن لإحراق جثث الموتى تابع للقطاع الخاص بألمانيا والكائن في بلدية داشستنهاوزن بغربي ألمانيا "إن أسوأ سيناريو بالنسبة لأقارب المتوفى هو مشاهدة صور على وسائل التواصل الاجتماعي التقطت بالهاتف المحمول لجدة وقد تحولت إلى جثة شمعية".
وقرر المسؤولون في عدة مدافن زيادة الفترة المقررة لتحلل الجثة من 20 إلى 35 عاما، كما حظروا استخدام المقابر ذات العمق الصلب التي تسهم في مزيد من التحلل البطيء.
ومن ناحية أخرى يستخدم الحانوتية منعدمو الضمير طرقا قاسية لحل هذه المشكلة، ومن بينها استخدام جاروف الحفر لتحطيم النعش قبل قبل وضع جثة جديدة لتعريضها للميكروبات العضوية متناهية الصغر والتي تسرع بعملية التحلل، وعندما يتم اكتشاف جثة شمعية تقوم بعض المدافن بإحراقها بشكل يحمل كل الاحترام، بينما يقوم البعض الآخر بالتخلص منها بشكل أكثر فجاجة.
وحيث أن تجديد أرضية المقبرة ومعالجة الجثث الشمعية يكلف أموالا، فإنه "يتم غالبا إغلاق المقابر مرة أخرى على هذه الجثث، مما ينتج عنه تأجيل التوصل إلى حل حقيقي"، وذلك وفقا لما يقوله الخبير القانوني شبرانجر.
ويدعو ميشائيل ألبرشت من رابطة مديري المدافن الألمانية ومقرها هانوفر إلى إعادة التفكير في عملية الدفن برمتها، ويرى أن إحدى الخطوات المهمة هي اللجوء إلى مزيد من دفن الجثث قريبا من سطح التربة للإسراع بعملية التحلل.
ويقول "إن المنهاج في السابق كان يقول العمق هو الأفضل وذلك بسبب خطر انتشار الأوبئة، ومع ذلك فحتى في يومنا هذا تنص لوائح بعض المقابر على ضرورة دفن الموتى على عمق لا يقل عن 90ر1 أو 2 متر".
ويقدم الخبراء مجموعة قليلة من النصائح لمساعدة الأقارب على تجنب خطر الطبقة الشمعية، وتنصح إيريس زيمرمان من معهد تغذية النبات وعلوم التربة التابع لجامعة كييل الأشخاص بعدم الوقوف على التراب المتراكم بعد تشييع جنازة ما حتى لا يهبط إلى أسفل متحولا إلى كتلة صلبة.
ويجب على الأقارب أيضا أن يزرعوا شجيرات ونباتات معمرة عميقة الجذور فوق المقبرة، لأنها ستمتص المزيد من المياه من التربة، كما لا يجب ري هذه النباتات بكثرة.
وثمة جانب أكثر إشراقا بالنسبة لمديري المدافن وهو أنه من المتوقع حدوث تغيير في اتجاهات الدفن بحيث يحد من المشكلة بمرور الزمن.
ويقول توماس بايدر رئيس قسم شؤون المقابر بمدينة فرانكفورت "إن مشكلة الجثث الشمعية ستصبح نادرة الحدوث بشكل متزايدعلى المدى الطويل".
ويضيف "إن الاتجاه الآن هو اختيار وسيلة حرق الجثث ووضع الرماد داخل جرة".
فيديو قد يعجبك: