ترامب والقدس.. أتلانتيك: "كيف لم يحدث ذلك من قبل؟!"
كتب- سامي مجدي:
السؤال في العنوان طرحته مجلة "أتلانتيك" الأمريكية في تحليل نشرته على موقعها الإلكتروني صبيحة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره المثير بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة.
تقول المجلة إن عملية السلام على مدى الربع قرن الأخير تندفع تجاه تلك اللحظة: لحظة إعلان ترامب، الذي جاء مفاجئا لكثير من المراقبين.
أثار القرار الذي أعلنه ترامب من البيت الأبيض الأربعاء موجة غضب عربية وإسلامية وانتقادات دولية من جل دول العالم التي اعتبرته خروجا عن توافق دولي بأن مصير المدينة المقدسة تحدده مفاوضات تسوية نهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأضافت أن لعبة المفاوضات المستمرة منذ عقود قادت إلى حقيقة بسيطة: الفلسطينيون يدفعون ثمنا باهظا– في الواقع المستوطنات الإسرائيلية ابتلعت أراضيهم، وبعض الناس سجنوا وقتلوا والكثير يعيشون على الهامش في إسرائيل، التي ليس لديها دافع يذكر للدخول في المفاوضات، وواصلت، بغطاء أمريكي، احتلال الضفة الغربية وحصار قطاع غزة.
"حلم الدولة ولى"
وقالت إن القرار الأمريكي بالنسبة لكثير من الفلسطينيين العاديين، يعزز اعتقادهم أن الولايات المتحدة لم تكن أبدا وسطيا أمينا بين الطرفين، وأن حلم تحقيق الدولة بموجب اتفاق سلام تاريخي قد ولى.
وذكرت أن قرار ترامب وضع القادة الفلسطينيين في مساحة ضيقة؛ فبدون أي ادعاء للحياد (من واشنطن) في عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة، تجد القيادة الفلسطينية نفسها مجبرة في نهاية الأمر على الإقرار بأن هذه التمثيلية المصطنعة انتهت، ولن تأتيها أي نجدة خارجية لا من الأمريكان ولا من الأوروبيين ولا من أحد اخر.
وقالت "أتلانتيك" إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يعد يستطيع استخدام عملية السلام والمساعدات الخارجية لتهدئة الفلسطينيين في وجه المذلة التي يعيشونها تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وأضافت أن الفلسطينيين يطالبون بخطة جديدة تبعدهم عن الاملاءات الأمريكية، تتضمن تحقيق تسوية حقيقية بين الطرفين السياسيين الرئيسيين، فتح وحماس، وهما على خلاف منذ سنوات.
في نفس الوقت لا يستطيع عباس صد الولايات المتحدة دون المخاطرة بالدعم المالي شديد الأهمية التي تمنحه واشنطن للسلطة الفلسطينية، التي توظف ثلث الفلسطينيين الذي يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقالت المجلة إن الإعلان يستبعد على ما يبدو إدارة خاصة للمدينة برعاية من الأمم المتحدة التي كانت جزءا من مفاوضات سابقة، رغم أن ترامب أكد أن الباب مفتوح أمام محادثات سلام مستقبلية قائلا إن الخطوة لن تؤثر على "أي قضايا الوضع النهائي، بما في ذلك حدود محددة للسيادة الإسرائيلية في القدس أو حل الحدود المتنازع عليها."
كما لاحظ الفلسطينيون غياب أي ذكر في كلمة ترامب لحقوقهم وطموحاتهم في القدس الشرقية كعاصمة معترف بها عالميا لدولتهم، بحسب أتلانتيك.
وقالت المجلة إن غياب التحديد في هذه النقطة، جعل الكثير من الفلسطينيين العاديين يفسرون الإعلان الأمريكي على أنه رفض لروابطهم التاريخية والسياسية والثقافية ومنازعة حقهم في الاستقلال وتقرير مصيرهم بأنفسهم. في نظرهم تتغاضى الولايات المتحدة عن الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية في 1967 وتؤكد أن المدينة إسرائيلية فقط.
وتابعت أن الفلسطينيين، خاصة الأجيال الأصغر، يشككون في جدوى حل الدولتين منذ فترة. فالجيل الذي كبر مع الانتفاضة الثانية شاهد بمرور السنين المستوطنات تبتلع أراضيه والجدار الفاصل يقسمها. أيضا شاهدوا رجال شرطتهم يلقون القبض على أبناء جلدتهم لصالح محتلهم، فيما القادة يسترضونهم بكلمات وشعارات فارغة.
هؤلاء الآن ينظرون في خيارتهم الأخرى؛ كثيرون يريدون من السلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل كخطوة أولى، فيما اخرون يطالبون السلطة بحل نفسها، بينما البعض تحول إلى حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على إسرائيل.
أشارت أتلانتيك إلى قول عباس يوم الأربعاء بأن الولايات المتحدة تخلت بشكل فعلي عن عملية السلام باعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرارها بنقل سفارتها إلى هناك، رغم أنه كان على مدى زمن طويل مناصرا لمحادثات سلام بدلا من خيارات أخرى أكثر شدة مثل المشاركة في حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات على إسرائيل.
ومضى كبير المفاوضين صائب عريقات أبد من ذلك: طالب بالتخلي عن حل الدولتين والتحول إلى "الكفاح من أجل دولة واحدة بحقوق متساوية لجميع من يعيش في فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر."
"دولة واحدة بحقوق متساوية"
قالت المجلة إن أحد لم يكن يتخيل أن يطلق عريقات هذا التصريح قبل عام واحد من الآن، خاصة وأنه جعل من عملية السلام مهمة حياته يتفاوض من أجلها حتى أن عنوان كتابه جاء: "حياة مفاوضات."
قالت المجلة إن تصريح عريقات دفعة نحو نموذج دولة واحدة بحقوق متساوية لجميع من يعيشون فيها، وهو مقترح من المرجح أن يلقى زخما في الوقت الراهن.
أضافت أتلانتيك أن اقتراح دولة واحدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط لم يؤخذ على محمل الجد من أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو، وبدء عملية السلام على أساس حل الدولتين. كان المقترح فكرة خيالية لم تكن أبدا ممكنة في الواقع. لكنها ممكنة الآن بعد سنوات من تحصين السكان المدنيين والعسكريين في الضفة الغربية، وإنفاق ملايين من الدولارات على البنية التحتية وتداخل المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية هناك.
أوردت المجلة نتائج استطلاع رأي أجراه مركز تامي شتينميتز لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب والمركز الفلسطيني للسياسة وأبحاث الاستطلاع في رام الله، أعلن في فبراير. جاء في الاستطلاع أن 44 في المئة من الفلسطينيين قالوا إنهم يدعمون حل الدولتين أقل من 51 في المئة دعموا ذلك النهج في استطلاع مماثل جرى في مارس 2016.
كما أن أكثر من ثلث الفلسطينيين وأغلبية الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل يدعمون حل الدولة الواحدة وتأسيس دولة كونفدرالية، فيما 24 في المئة من الإسرائيليين يدعمون حل الدولة الواحدة و28 في المئة يدعمون دول كونفدرالية.
قالت المجلة إن إعلان ترامب إذا كان به نقطة إيجابية فهي أنه قدم توضيحا ووحد الفلسطينيين.
أشارت أتلانتيك إلى العصيان المدني الذي قاده الفلسطينيون على جانبي الخط الأخضر والذي أجبر الاحتلال على التراجع عن إجراءاته أحادية الجانب تجاه الحرم القدسي الشريف. لم يكن للسلطة الفلسطينية كلمة فيما جرى وقتها؛ فقد كان القادة الدينيون هم من التقطوا الإشارات من الفلسطينيين العاديين.
هذه الأحداث أظهرت أن الفلسطينيين العاديين لديهم بعض القدرة على تغيير ما يجري على الأرض: يمكنهم الحشد ووضع الاستراتيجيات والتعبئة.
قالت أتلانتيك أن هناك حقيقة جديدة تبدو في الأفق بالنظر إلى أن عملية السلام المخجلة لم تعد تعرقل فكرة حل الدولة الواحدة.
فيديو قد يعجبك: