أتباع أردوغان في ألمانيا.. قناعة سياسية أم مجرد عاطفة؟
برلين (دويتشه فيله)
يسعى الرئيس التركي أردوغان لكسب أصوات الجالية التركية في ألمانيا لحسم التعديل الدستوري لصالحه. ويرى خبراء أن شعبيته في ألمانيا لها عدة أسباب منها أسباب نفسية وعدم الشعور بالانتماء للمجتمع الألماني. فكيف ذلك؟
"ما يحدث هنا غير معقول"، هكذا يصف رئيس رابطة الجالية التركية في ألمانيا غوكاي سوفوغلو الوضع عندما يتحاور مع أنصار أردوغان في ألمانيا.
ويسعى غوكاي سوفوغلو لتعبئة أبناء وطنه للتصويت بلا على التعديل الدستوري التركي، والذي من شأنه أن يجعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينفرد بالسلطة.
ومن أجل تحقيق هدفه يتحدث سوفوغلو مباشرة مع كثير من داعمي هذا المسار، المثير للجدل.
الانطباع الذي خرج به غوكاي سوفوغلو خلال حواراته مع الكثيرين من أفراد الجالية التركية هو أن سبب حماسهم لأردوغان "غير قابل للتفسير بالعقل"، لأن هذا الحماس "عاطفي".
ويشرح ذلك قائلاً: "أردوغان يعطي للكثير من الأتراك في ألمانيا الشعور بأنهم أقوى وأعظم".
بينما يرى خبراء آخرون أن الرئيس التركي يعتبر الأتراك المقيمين في الخارج إخوة وأخوات ينتمون إلى تركيا، وأصواتهم مهمة في الانتخابات التركية.
أصوات أتراك ألمانيا تغري أردوغان
تقول لغة الأرقام إن من بين الأتراك، الذين يعيشون في ألمانيا يوجد نحو 1.4 مليون شخص يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء حول الدستور في شهر أبريل 2017.
فهؤلاء إما يحملون جنسية تركيا فقط، أو أن لديهم جنسية مزدوجة (ألمانية وتركية)، ومن شأن أصواتهم أن تكون حاسمة في نتائج الانتخابات، حتى وإن جاءت نسبة مشاركتهم في الانتخابات غير كبيرة، مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2015. حيث كانت نسبة المشاركة حينها حوالي 40 بالمائة فقط.
وغالبية الناخبين الذين يواظبون على المشاركة في الانتخابات التركية في ألمانيا يدعمون تقليديا النهج الإسلامي المحافظ لأردوغان. وكانت نسبتهم في عام 2015 تشكل 60 بالمئة، وهي نسبة تتجاوز الوضع داخل تركيا.
والسؤال الملح هنا هو: ما الذي جعل بعض الأتراك في ألمانيا يخرجون للتظاهر في الشوارع في مدن غاغناو، وكولونيا، وهامبورج بعد حظر اجتماعات لمسؤولين أتراك كانوا يريدون خلالها إلقاء خطابات دعائية لصالح التعديلات الدستورية، رغم أنهم يعترفون بأن حرية التجمع وحرية التعبير مقيدتان للغاية في بلدهم الأصلي؟ فمن هم أنصار أردوغان يا ترى؟
علم النفس وتفسير شعبية أردوغان في ألمانيا
يطلق علماء النفس مفهوم "التنافر المعرفي" على كل شخص يعيش بقيم متناقضة لا توافق بعضها البعض.
ويقوم البعض بتلميع جزء من الحقيقة وتدبيرها على نحو يسهل على الآخر تحملها. ويمكن أن تنطبق هذه الحالة على العديد من الأتراك في ألمانيا، الذين يدعمون مساعي أردوغان لتفكيك الديمقراطية بشكل كامل، ولكنهم يستفيدون في نفس الوقت من جميع الحريات الديمقراطية في بلدهم الثاني ألمانيا.
هذا ما يرجحه على الأقل الباحث في علم النفس حاجي خليل أوشلوكان، مدير مركز الدراسات التركية وأبحاث الاندماج في جامعة دويسبورج ـ إيسن، بولاية شمال الراين وستفاليا.
ويقول في هذا الصدد: "بعد حظر تجمعات سياسيين أتراك في ألمانيا يقول كثير من أنصار أردوغان: انظروا إلى ألمانيا هي تحاول قمع الأصوات غير المرغوب فيها".
كبار سن وشباب أيضا يدعمون أدروغان
قدم معظم المهاجرين الأتراك إلى ألمانيا في الستينات والسبعينات كعمال أجانب. ويصنفون ضمن المحافظين المتدينيين من الأرياف التركية. وسمحت لهم أجواء الحرية في المجتمع الألماني المنفتح بنقل نظرتهم المحافظة إلى أطفالهم، كما يرى الخبير في الشؤون التركية حاجي خليل أوشلوكان. ويحظي أدروغان بشعبية كبيرة وسط المهاجرين المحافظين.
لكن هذا الحماس لأدروغان يشمل الشباب أيضاً. وهم يعرفون حالياً بأن السياسة في ألمانيا لا تخاطبهم على نحو صحيح، كما يلاحظ خليل أوشلوكان.
"الشعور بعدم الانتماء يدفع الناس لدعم أحزاب كحزب العدالة والتنمية، لأنه يمنحهم الشعور بالعظمة والعزة والانتماء الهوياتي"، يشرح خليل أوشلوكان.
فهل يمكن تفسير ذلك من جديد بأطروحة فشل الاندماج في المجتمع الألماني؟
بالنسبة لخليل أوشلوكان "سيكون من السذاجة تفسير ذلك بالقول إن غير المندمجين فقط هم من يصوتون لصالح أردوغان". إذ يوجد بين أنصار أردوغان كثير من الأكاديميين ورجال الأعمال أيضاً. وهم صنف مندمج اقتصاديا ولغويا بشكل جيد في المجتمع الألماني.
وفي هذا الصدد ينتقد خليل أوشلوكان غياب المشاركة السياسية. "إذا لم يكن لدى المرء شعور بأنه جزء من ألمانيا القوية، فإنه يتوجه إلى جماعات قوية
أخرى"، يشرح أوشلوكان. فأردوعان ـ في رأي الخبير في الشأن التركي ـ يعطي من خلال خطابه شعورا للأتراك في ألمانيا بأنهم جزء من تركيا قوية.
"أتراك ألمانيا يجهلون حقيقة الأوضاع في تركيا"
ويضاف إلى ذلك أن العديد من أتراك ألمانيا يجهلون ما يحدث في وطنهم الثاني تركيا. فانتهاكات حقوق الإنسان والمس بسيادة القانون لا تشملهم. وغالبيتهم يعرفون تركيا فقط كوجهة سياحية ومن خلال وسائل الإعلام التركية.
وحاليا تنشر جميع القنوات الرسمية صورا للرئيس أردوغان وهو بصدد افتتاح نفق، أو الصور التي تقدمه كدافع عجلة التنمية الاقتصادية، أو أردوغان، القريب من شعبة والساهر على خدمته. ورغم أن أتراك ألمانيا يحملون الانتقادات الواسعة النطاق لتركيا في وسائل الإعلام الألمانية، لكن الحملات الموجهة ضد أردوغان تتسبب في كثير من الأحيان في نوع من ردة الفعل، فيقول بعدها الأتراك: الآن بالضبط يجب دعم الرئيس أردوغان.
ويرى الكثير من الخبراء أن أردوغان ينظر إليه الكثير من الأتراك في ألمانيا بنظرة إيجابية بصفته الشخص الذي ساهم في تحقيق طفرة اقتصادية في تركيا وضمان للاستقرار السياسي فيها.
فحزب العدالة والتمنية الذي ينتمي إليه الرئيس أردوغان يحكم البلد منذ 15 عاماً. وبسبب الأزمات الحالية التي عاشتها تركيا وتعيشها كمحاولة الانقلاب الفاشلة، والحرب في الجارة سوريا، وصولا إلى الهجمات الإرهابية، يعتبر العديد من الأتراك أردوغان الرجل المناسب لبلدهم في هذا الوقت.
استقرار تركيا هاجس الجالية التركية؟
يتولى الألماني من أصول تركية طلعت كامران منصب رئيس معهد مانهايم للاندماج والحوار بين الأديان. وهو أيضا قلق بسبب الأوضاع في تركيا ويرى أن عملية التحول الديمقراطي في تركيا قد توقفت تماما.
ويؤكد طلعت كامران مرارا وتكرارا أن أردوغان يجسد للأترك المحافظين الوطن والهوية.
ويرى أن من بين أسباب دعم الكثيرين للرئيس هو في المقام الأول الخوف من حرب أهلية في تركيا.
"لهذا السبب فالكثيرون لا ينظرون إلى الوضع التركي من منطلق مبدأ دولة القانون والحرية، ولكن من منطلق الاستقرار"، يقول كامران.
ومن الصعب الآن التكهن بنتيجة الاستقاء الدستوري في تركيا، خصوصا وأن كثيرين من أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم لن يدعموا مساعي أردوغان للتفرد بالسلطة.
لكن رغم فيضان المشاعر ينبغي ألا ننسى أن الأتراك في ألمانيا لا يهتمون كثيرا بالسياسة، وهم غير مبالين تماما، كما يقول الخبير في علم النفس وفي الشأن التركي خليل أوشلوكان.
ويرجح أوشلوكان أن غالبية الأتراك المؤهلين للتصويت في ألمانيا لن يشاركوا في الإنتخابات.
فيديو قد يعجبك: