لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الميليشيات والتضخم الاقتصادي والاختطاف تساهم في التداعي البطيء في ليبيا

10:49 ص الثلاثاء 02 مايو 2017

الميليشيات في ليبيا

طرابلس (د ب أ)

ليبيا هي مفتاح طريق الهجرة إلى أوروبا، غير أن الدولة هناك لا تكاد تمتلك السيطرة على الأوضاع وسط حالة الفوضى التي ترتبت على الحرب الأهلية التي أنهكتها. فهناك الميليشيات والمهربون يسيطرون على الحياة اليومية. العاصمة تتداعى - ومعها تتفكك الهياكل والأنماط الاجتماعية في المجتمع.

لقد رأى الفيل الصغير (في حديقة حيوان طرابلس) أياما أفضل من هذه الأيام، غير أن الألوان بهتت، والذراع المعدني الذي يدور حوله في دائرة أصابه الصدأ. وثمة أطفال فرادى تقفز على ظهور الحيوانات داخل متنزه المحطة. وتبدو الكثير من المقاعد محطمة حول دائرة المتنزه. وتلوح في البعد خمس رافعات عند مبنى هائل تحت الإنشاء تشير إلى عمليات التجديد: غير أن العمل في الموقع متوقف منذ عدة أعوام. فوانيس الإضاءة بالشوارع تقف مائلة في أماكنها وغالبا لا تؤدي وظيفتها. العاصمة الليبية تتداعى ببطء.

تقول زينب محمد سديرة بينما كان خمسة من أبنائها يجلسون داخل قطار صغير للعب الأطفال يدور على قضبان صدئة، وقد فقد الأطفال رغبتهم في الضحك بعد الدورة الثانية من اللعب عليه: "أحيانا أكره بلدي والناس الذين حطموه".

تقوم أمهم البالغة من العمر اثنين وأربعين عاما على تربيتهم بمفردها، فقد طُلقت من زوجها قبل مدة بعد أن ضربها زوجها، وتحكي زينب قصتها قائلة: "كان زوجي يعمل بالمخابرات في عهد القذافي، وبعد الثورة وُضع على قائمة المستهدفين بالقتل وشعر أنه مطارد وانعكس هذا الشعور علينا نحن."

لقد دفعت الثورات التي تفجرت في العالم العربي عام 2011 ليبيا إلى أتون الفوضى، فبعد التدخل العسكري ضد معمر القذافي الذي حكم البلاد لعقود وعامل المتظاهرين والثوار في بلده بالعنف، حاولت العديد من الميليشيات سد فراغ السلطة الذي تولد في البلاد. حتى إن العاصمة طرابلس وحدها شهدت حوالي 30 من جماعات الميليشيات المختلفة التى تتصارع من أجل السيطرة. لقد تمركزت هذه الميليشيات بسياراتها الجيب المصفحة والمثبتة فوقها المدافع الرشاشة وقاذفات الصواريخ عند نواصي الطرق.

قبل أن يتوجه يوسف، 25 عاما، ملثما وهو بزيه العسكري بعد غروب الشمس إلى دورية الخدمة مع الميليشيا جلس بمنظاره وحذائه الأبيض المموه مع أصدقائه على مقهى خارج مركز المدينة. يقول يوسف: "نريد أن نحفظ الأمن في منطقتنا". ينتمي يوسف إلى قبيلة من البربر تسيطر على حي السياحية، ويضيف قائلا: "نحن نحمي أهلنا، ولا نريد أن يفرض أحد آخر سيطرته هنا ويتخذ قرارات سياسية ضدنا".

يعكس التمزق والارتياب العميق بين الجماعات المتعددة في طرابلس مأساة البلاد، حيث تتكرر دائما المعارك بينها، وفي الليل تتردد أصوات طلقات الرصاص فوق المدينة عن بعد، وتدوي طلقات الصواريخ فوقها كأنها أصوات الرعد الصيفي الهائل فوق البحر المتوسط. وفي عدة أحياء بطرابلس يوجد على جدران نصف أعداد المنازل أو ثلثها ثقوب سببتها رصاصات القتال أو توجد على واجهاتها شظايا القنابل. يقول يوسف وهو عضو بإحدى الميليشيات: "الوضع هش، ويمكن أن ينقلب رأسا على عقب في أي يوم". حين يخلو المهندس الشاب يوسف من عمله مع الميليشيا يحاول بناء شركته الصغيرة في وقت الراحة.

وتوضح زينب وهي أم الأبناء الخمسة: "هذه ليست ثورة ولكنها فوضى، وعلينا أن ننظر كل يوم، كيف نواصل الحياة". كانت زينب تعمل حتى وقت قريب بأحد الفنادق، ولكن السياح لم يعودوا يأتون إلى طرابلس منذ زمن طويل، والحجرات لا يتم ترتيبها إلا بعد استقبال السائح داخل الفندق، وتوجد في جميع الأبواب الإلكترونية بمعظم الفنادق فتحات ينفذ منها المرء بصورة فردية ودون الحاجة للنظام الإلكتروني.

وتستطرد زينب بقولها: "بين حين وآخر كان بعض الزبائن يدسون في يدي عدة دولارات." والدولارات تساوي الكثير في السوق السوداء التي تمر بفترة ازدهار الآن، ولم يعجب هذا الحال زملاءها من الرجال، فالمرتبات تأتي بصورة غير منتظمة. وما كان منهم إلا أن أرهبوها وفي النهاية تمت إقالتها. وتعلق زينب محمد سديرة على ذلك قائلة: "صار الوضع يزداد سوءا بالنسبة للنساء، وصار المجتمع أشد محافظة، وأحيانا أرتدي الحجاب فقط ليتركني المجتمع وشأني".

كان مركز "جسور" للدراسات والتنمية فى ليبيا قد انتقد مؤخرا في تقرير له وضع النساء الليبيات الذي يزداد صعوبة، فالنساء يبعدون عادة عن المناصب الهامة داخل المكاتب والمؤسسات الحكومية، كما أن المجتمع الليبي المحافظ للغاية يزداد عنفا ضد النساء، ولكن هذا ليس موضوعا للحديث العام.

بالقرب من متنزه المحطة الرئيسية في طرابلس وقف الناس في صف طويل بلغ حوالي 300 متر أمام أحد البنوك ليحصلوا على عدة دنانير ليبية، بينما أوشك البنك أن ينهي صرف الأموال للواقفين. تقول زينب محمد سديرة: "كثيرا ما يأتي الرجال ويقدمون لي مالا مقابل الجنس" ، ثم ينهار صوتها مخنوقا بالعبرات بعد أن تذكرت اقتحام إحدى الميليشيات لقريتها قرب طرابلس قبل عامين وخلال الحرب الأهلية وقام رجال الميليشيا بإشعال النار في بيتها واغتصابها.

إنها قصة يحكيها كثيرون هذه الأيام في ليبيا، كما يحكي الكثيرون أيضا قصص الاختطاف. في دولة تتداعى يصبح البشر عملة، وهذا ما تخشاه زينب على أبنائها، فأكبرهم في سن الرابعة والعشرين وأصغرهم في الرابعة.

الكبير منهم في سن تؤهله للانضمام إلى إحدى الميليشيات، إلا أنه لحسن الحظ لا يفضل ذلك، حسبما تقول زينب التي أضافت أيضا: "يقول ابني الأكبر: عندئذ سيتعين أن أنضم إلى جهة ما"، بينما يمكن أن تنقلب موازين القوى في ليبيا بسرعة غير متوقعة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان