دول البلقان.. بؤرة ساخنة للتطرف الإسلاموي في أوروبا؟
برلين (دويتشه فيله)
تواجه المجتمعات المسلمة في دول البلقان معضلة تتفاقم يوماً بعد يوم: التطرف الإسلاموي. وقد عبرت الولايات المتحدة وألمانيا عن مخاوفهما من أن يجد التطرف موطئ قدم له في منطقة ما تزال في طور التعافي من تبعات الحرب الأهلية.
أفادت تصريحات رسمية لمسؤولين من البوسنة وألبانيا في اجتماع الأسبوع الماضي لـ"منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" في فيينا توقف ظاهرة انضمام جهاديين من البلقان لما يُسمى "الدولة الإسلامية" وباقي التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق. ويتراوح عدد الجهاديين من البلقان المنضمين لـ"داعش" بين ألف إلى عدة آلاف. غير أنه وبحسب التقديرات لم يغادر إلا عدد قليل جداً من المقاتلين البلقانيين إلى الشرق الأوسط خلال السنتين الأخيرتين.
ولكن وبالرغم من هذا النجاح، فإن الوجود القليل ولكنه الخطير للتطرف المحلي في البلقان مضافاً إليه الجهاديين العائدين من مناطق أخرى يشكلان صداعاً للعواصم الغربية وللخبراء. "ندر مغادرة أي متطرف لسوريا والعراق خلال السنتين الماضيتين" يقول فيدران دزيهيك الخبير بشؤون البلقان في "المعهد النمساوي للشؤون الدولية" في تصريح لـDW.
ويتابع "غير أن ما بقي هو ظاهرة وجود التطرف في البلقان نفسها. السلفيون والجهاديون والمتطرفون الإسلاميون موجدون في البلقان وبناهم التحتية سليمة. وهم الآن في طور التركيز على بلدان بعينها وعلى المنطقة ككل".
ويقدر دزيهيك بان 30 إلى 40 بالمئة من البوسنة وكوسوفو، الذين غادروا إلى سوريا والعراق إما قُتل أو بقي هناك. ويُعتقد أن ما يقارب 150 جهادياً عاد إلى البوسنة وأقل من 120 إلى كوسوفو. "مشكلة أولئك العائدين قائمة وقطعياً يشكلون تهديداً أمنياً"، حسب ما يرى الخبير في المعهد النمساوي.
تعي الولايات المتحدة أيضاً المشكلة. فقد قال نائب مساعد وزير الدفاع، هويت ياي، أمام جلسة استماع في واشنطن بأنه "ينبغي فعل المزيد. يتملك القلق حكومات البلقان من خطر الجهاديين العائدين من ساحات المعارك أو ممن يقعون في براثن التطرف في البلقان نفسها.
وتخشى الحكومات من أن تشهد المنطقة موجة من العنف والتعصب والتطرف، وربما تتوسع باتجاه الغرب والشمال"، على حد تعبير هويت لـ"اللجنة الفرعية المختصة بالأخطار المحدقة بأوروبا وأوراسيا" في السابع عشر من مايو 2017.
انتشار السلفية
وفي نفس اليوم، اعترفت الحكومة الألمانية خلال جلسة برلمانية في برلين بوجود مشكلة أخرى ربما تؤدي لتسريع عملية جر سكان البلقان إلى شباك التطرف: النفوذ المتزايد للسعودية ودول الخليج الأخرى. "المؤسسات الدعوية السعودية ناشطة في كوسوفو وتنشر هناك التفسير الوهابي للإسلام عن طريق الوعاظ والدعاة"، حسب بيان مكتوب للحكومة الألمانية.
دخلت السلفية الأصولية وغيرها من التفسيرات الراديكالية للإسلام إلى البلقان عن طريق الدعاة والمساجد المدعومة سعودياً وذلك خلال الحرب في البوسنة وكوسوفو في النصف الأول من تسعينات القرن العشرين.
وقد ازداد نفوذها في العقد الأخير بتأثير من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة في المنطقة ونقص الفرص خصوصاً بالنسبة للشباب. تبلغ نسبة البطالة في دول البلقان الست (ألبانيا وكوسوفو وصربيا ومقدونيا والبوسنة والجبل الأسود) أكثر من 50 بالمئة بين الشباب ولا يتعدى متوسط الدخل الشهري أكثر من 300 يورو.
يعتبر مسلمو البلقان من أكثر المجتمعات المسلمة اعتدالاً في العالم، وهذا يعني أن التفسيرات الراديكالية للإسلام تبقى غريبة عن معظم سكان المنطقة. ولكن يتم في الغالب ذكر أن دول البلقان، ذات الغالبية المسلمة ككوسوفو وألبانيا والبوسنة والهرسك، على أنها تربة خصبة للتعصب الديني والتطرف العنفي. كما أن الدول المجاورة، مقدونيا وصربيا والجبل الأسود، ليست ذات مناعة ضد ذلك الخطر.
في الكتاب المنشور مؤخراً، "بين الخلاص والإرهاب: ظاهرتا التطرف والمقاتلون الأجانب في غرب البلقان"، يقول مؤلفه فالدو أزنوفتش بأن التطرف جاء بشكل أساسي في سياق السلفية الميليشاوية".
ويضيف الباحث: "من حيث الجوهر الهدف الأساسي للسلفية الميليشاوية في المنطقة هو اختطاف الهويات الاثنية للبوسنيين والألبان، والتي تميزت بتراث عمره قرون من التسامح، وادماج هذه الهويات في مجتمع عالمي مضلل: الأمة، والذي تنبع هويته من الدين".
أسباب اقتصادية-اجتماعية
قارن الخبير الأمريكي، المقيم في البلقان، غوردون بارودس، الوضع الحالي في دول البلقان بـ"ما جرى في سنوات جمهورية فايمر في ألمانيا في عشرينات وأول ثلاثينات القرن العشرين".
ووجه التشابه، حسب الخبير هي الطبيعة الضعيفة للنظام الديمقراطي والاقتصاد الكاسد ونسبة عالية من تذمر السكان.
ربما يؤدي هذا التدهور الاجتماعي-الاقتصادي والفساد المتفشي والمخاطر الأمنية ومؤسسات الدولة الضعيفة إلى وقوع عدد أكبر من الناس في براثن الحركات المتطرفة.
بيّد أن فيدران دزيهيك الخبير بشؤون البلقان في "المعهد النمساوي للشؤون الدولية" لا يعتقد بان الوضع الحالي في البلقان يشكل عامل قلق كبير، ولكنه يحذر من وجوب أخذ مؤشرات الخطر على محمل الجد. "من الواضح وجود الظاهرة. وستبقى تلك الظاهرة وتلاحق تطور دول البلقان في السنوات والعقود القادمة. ولكنه من الواضح أيضاً أن غرب البلقان لن يعود إلى ما كان عليه قبل تسعينات القرن العشرين".
ويتنبأ الخبير أيضاً بأن أي ازدياد للتطرف سيكون مرهوناً بالتنمية في دول المنطقة. ويختم قائلاً: "إذا استمرت المشاكل الامنية وعدم الاستقرار والصعوبات الاقتصادية بالتزايد، عندها ستتزايد ظاهرة التطرف".
فيديو قد يعجبك: