مصير "رؤية 2030" السعودية بعد صفقة ترامب الأسطورية؟
برلين (دويتشه فيله)
تستنزف صفقة ترامب لبيع السعودية أسلحة بمئات مليارات الدولارات أموالا تعادل ثلثي احتياطي المملكة في الخارج. ما تبعات ذلك على "رؤية 2030" التي يريد الأمير محمد بن سلمان بفضلها نهاية الاعتماد على النفط خلال سنوات قليلة؟
لم يفاجئ القصر الملكي السعودي العالم بالاستقبال المهيب الذي أقامه في الرياض للرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب وحسب، بل فاجأه أيضا بما يمكن تسميته "صفقة اسطورية" أغدقت على الولايات المتحدة عقودا بقيمة 500 مليار دولار.
وتشكل مبيعات الأسلحة الأمريكية بقيمة 360 مليار دولار حصة الأسد منها. أما القسم المتبقي فيشمل في غالبيته استثمارات جلها في الولايات المتحدة لاسيما في مجالات الطاقة وتكرير النفط.
في هذا الإطار وقعت شركة "أرامكو " السعودية 16 اتفاقية مع 11 شركة أمريكية بقيمة 50 مليار دولار لبناء منشـآت لتكرير النفط ومعدات الحفر إضافة لمشاريع أخرى في ولايات أمريكية عدة.
وقد اثارت ضخامة الصفقة الذهول حتى لدى الرئيس ترامب الذي عبر عنها وعن زيارته بالقول: "كان يوما هائلا.. مئات المليارات من الاستثمارات في الولايات المتحدة ووظائف، وظائف وظائف.. ".
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا بالنسبة للاستثمارات والوظائف التي وعدت بها "رؤية السعودية 2030" بعد الصفقة الأسطورية الماموثية مع دونالد ترامب؟
لماذا الرؤية غير واقعية!
تهدف خطة "رؤية السعودية 2030" التي أطلقها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أبريل 2016 إلى تنويع مصادر الدخل من خلال تحولات اقتصادية عميقة تؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي رأسا على عقب وبشكل ينهي اعتماده على النفط بحلول عام 2020 على حد قول ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عندما أطلق الخطة.
ومن أجل دعم هذه التحولات تم الإعلان عن إنشاء "الصندوق السيادي السعودي" الجديد بحجم 2000 مليار دولار ليكون الأكبر من نوعه في العالم.
وينبغي توفير هذه الأموال من تسييل احتياطات سعودية في الخارج ومن صندوق الاستثمارات العامة السعودي بعد حله وتحويل أمواله للصندوق الجديد إضافة إلى عوائد بيع 5 بالمائة من شركة أرامكو على شكل اسهم في البورصة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قيمة الصفقة "السعودية- الترامبية" تعادل قيمة مجمل الاحتياطات السعودية التي بلغت في شهر أبريل الماضي 500 مليار دولار يتوقع أن يذهب 360 مليارا منها على شراء الأسلحة، فإن على الصندوق الجديد الاعتماد على المصدرين الآخرين بشكل أساسي إضافة إلى القطاع الخاص الذي يعتمد بدوره على إنفاق الدولة وبشكل أساسي حتى الآن.
وبما أن ثروة صندوق الاستثمارات تقدر بحوالي 200 مليار دولار وأن بيع 5 بالمائة من أسهم أرامكو سيجلب 100 مليار دولار فإن ثروة الصندوق الجديد لن تصل في أحسن الأحوال إلى ربع المبلغ المطلوب.
ومما يعنيه ذلك أن تمويل مشاريع التحولات الاقتصادية سيواجه المزيد من العقبات، لاسيما وأن عجز الموازنة شكل عامل إعاقة إضافي لهذه المشاريع خلال العامين الماضيين.
عجز الميزانية يؤخر المشاريع
أدى عجز الموازنة السعودية خلال العامين الماضيين بمبلغ زاد على 180 مليار دولار لسحب أموال طائلة من الاحتياطات المالية وإلى شطب وتأجيل الكثير من المشاريع الحكومية إضافة إلى تأخر سداد مستحقات الشركات الخاصة التي تنفذ هذه المشاريع، وهو الأمر الذي أوصلها إلى حافة الإفلاس.
وحسب مصادر عديدة وجهت الحكومة السعودية أكثر من مرة خلال العامين الماضيين لمراجعة مشاريع وتجميد تنفيذ مشاريع أخرى بكلفة حوالي 70 مليار دولار.
ومن المنطقي على ضوء ذلك أن يؤدي نقص الأموال التي يحتاجها "الصندوق السيادي السعودي" الجديد إلى شطب وتأجيل مشاريع تخدم تحقيق أهداف "رؤية 2030".
صحيح أن أموال الصندوق تبدو كافية لتمويل مشاريع الطرق والأنفاق والكهرباء والسكك الحديدية والمرافئ والمطارات وغيرها من مشاريع البنية التحتية، غير أن القيام بالمشاريع المكملة في الصناعات التحويلية وبناء المعاهد والمدارس اللازمة لتعليم مهني شامل يطال جميع الشباب في الريف والمدينة يتطلب المزيد من الأموال التي لم يتضح بعد كيفية توفيرها.
كما أنها عقبات كبيرة ستواجه توفير تمويل المؤسسات اللازمة لحضانة المشاريع الجديدة الصغيرة والمتوسطة في ظل قطاع خاص ضعيف في القطاعات التي تخلق قيمة مضافة عالية.
أية أهمية للبدائل المتوفرة؟
قد يقول قائل إن لدى السعودية مصادر أخرى غير النفط لتنويع مصادر الدخل. ومن هذا المصادر فرض ضرائب جديدة وزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين واللجوء إلى الاقتراض وطرد المزيد من العمال الأجانب أو الاستغناء عنهم.
بالنسبة للضرائب سيبقى مردودها في حدود ضيقة، لأن غالبية السعوديين من أصحاب الدخول المحدودة. ويدل على ذلك أن أكثر من نصفهم تقدم للحصول على معونة برنامج الدعم النقدي الذي طرحته الحكومة لتخفيف تبعات فرض الرسوم الضرائب على السلع والخدمات حسب وزارة العمل السعودية.
أما استقبال المزيد من الحجاج والمعتمرين فيحتاج إلى تجهيز البنية التحتية والسياحية اللازمة.
وبخصوص الديون والاستثمارات الخارجية فليس من الوضح مدى النجاح في استقطابها على ضوء تراجع الاحتياطات واستمرار تراجع عائدات النفط. وقد وصل هذا التراجع إلى النصف، من 260 إلى 130 مليار دولار سنويا.
وفي أحسن الأحوال فإن العائدات الإضافية من الضرائب والعمرة والقروض لن تكون بالكاد كافية لسد عجز الموازنة الذي يقدر بحدود 40 إلى 50 مليار دولار سنويا.
جدير بالذكر، أن حجم الميزانية السعودية التي اعتمدت على النفط بنسبة أكثر من 80 بالمائة حتى الآن يصل إلى أكثر من 220 مليار دولار. وبالنتيجة وعلى ضوء المعطيات الجديدة فإن إعادة النظر بالرؤية التي تمت المبالغة فيها "رؤية 2030" وتحديد أهدافها الجديدة بشكل يتناسب والإمكانات المتوفرة فعليا أمر لابد منه.
فيديو قد يعجبك: