هجوم دمشق... هجوم في قلب النظام السوري
دمشق (د ب أ)
لقي العديد من الأشخاص حتفهم في هجوم انتحاري وقع في العاصمة السورية دمشق أمس الأحد، وتحاول الحكومة السورية بكل الطرق، إبقاء الحرب بعيدا عن دمشق وإظهار الحياة في شكلها الطبيعي، ولكن العنف، صار مجددا أقرب مما يرغب كثيرون في الاعتراف به.
عندما انفجرت السيارة المفخخة على حافة المدينة القديمة، كان صلاح يجلس مع خمسة أصدقاء في محل صغير بالقرب من الجامع الأموي الشهير، ويتناولون افطارا هو الخيار والزيتون، هذا هو أول يوم عمل بعد عطلة عيد الفطر الذي بدأ في الأسبوع الماضي، وكان الناس قد عادوا إلى السير مرة أخرى في شوارع المدينة عندما ظهر العنف مجددا في العاصمة السورية وحصد أرواح ما لا يقل عن 20 شخصا.
يقول صلاح، الذي يمتلك محلا صغيرا في المدينة القديمة يبيع فيه الأوشحة والحلي، إن من الممكن دائما أن يحدث أي شيء في دمشق " لكن في الواقع المكان هنا هادئ جدا، فنحن هنا كأننا في سويسرا"، وأضاف الرجل، 45 عاما، أن سكان العاصمة بالكاد ما يسمعون شيئا عن الحرب والمعارك الموجودة في كل مكان تقريبا في سورية عدا دمشق.
وتقريبا لم تتغير دمشق في الواقع خلال سنوات الحرب، فالشوارع صارت أكثر ترتيبا ونظافة مما كانت عليه قبل الحرب، وفي الحي القبطي في المدينة، تم افتتاح المزيد والمزيد من الحانات والمحلات التي تبيع الكحول. فقط نقاط التفتيش التابعة للجيش والموزعة في كل أنحاء دمشق حيث يتم تفتيش السيارات وصناديق الأمتعة بها بدقة مبالغ فيها، هي المظاهر التي تذكر بأن دمشق أيضا تعيش حالة طوارئ، وتبذل الحكومة كل ما في وسعها، من أجل الإبقاء على صورة العاصمة سليمة لم يمسها ضرر.
وعلى الرغم من ذلك، تكررت هجمات في دمشق، ووقعت عدة هجمات في آذار/مارس الماضي وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، عندما فجر مهاجمون أنفسهم، ومن بين هذه التفجيرات، التفجير الذي وقع قبالة مجمع المحاكم الرئيسي، فيما كان انفجار آخر استهدف حجاجا شيعة، والآن انفجرت سيارة مفخخة في قلب دمشق، بالقرب من قصر التحرير الذي يقع على بعد بضعة شوارع من المدينة القديمة التاريخية والنابضة بالحياة، وعلى إثر التفجير احترقت العديد من السيارات بالكامل، كما أحدثت الشظايا ثقوبا في واجهات المباني السكنية المحيطة وحطمت نوافذ.
ويقول صلاح، تاجر الأوشحة والحلي:" صحيح، في كل منزل، في كل عائلة ثمة شخص مات أو مفقود"، وكان صديق صلاح، الذي كان يدير معه المحل على مدار سنوات، توفي جراء أزمة قلبية لأنه لم يتم نقله إلى المستشفى بسرعة كافية، وأثناء الحديث، أنزل صلاح رقبة قميصه إلى أسفل ليظهر ندبة طويلة تعود إلى عملية القلب التي أجراها، ويقول:" هنا في سورية كل واحد قلبه مكسور".
ويأتي الوضع الاقتصادي في طليعة الأشياء التي تؤرق الناس في العاصمة السورية، إلى جانب خطر الهجمات، إذ أن الأسعار تضاعفت بمقدار عشرة أضعاف تقريبا مقارنة بما كانت عليه قبل بداية الحرب منذ أكثر من ستة أعوام، وغاب السائحون لفترة طويلة، ما حدا بصلاح إلى افتتاح مجال تجاري جديد، وقال إن الكثير من السوريين الذين فروا في الوقت الراهن إلى الخارج، يطلبون منه الأوشحة والحلي ليبيعوها في الخارج، وأشار متباهيا إلى أنه أرسل الكثير من هذه البضائع إلى ألمانيا أيضا.
وتكافح دمشق من أجل أن تظهر في شكل طبيعي، رغم ظروف الحرب، وكانت المطاعم والحانات ممتلئة إبان احتفالات رمضان، حتى كان من الصعب في بعض الأحيان أن تحصل على مكان فيها، وقد تعب الناس من الحرب التي ليست بعيدة عنهم، ففي أثناء جلوسهم في المدرجات أو في الحدائق كان يُسْمَع دوي المدفعيات وأزيز المقاتلات السورية التي تقوم بقصف معارضين كانوا يقيمون في حي جوبر الواقع على مسافة كيلومترين اثنين فقط شرقي المدينة القديمة، وتكرر وقوع اشتباكات.
واقتبس مطعم يقع في المدينة القديمة، فقرة من قصيدة كتبها الأديب مارك توين (1835-1910) عن دمشق، وكتبها المطعم على قائمة الطعام التي يقدمها للزبائن، وتقول هذه العبارة:" في دمشق، اﻟﺴﻨﻮاتُ ﻟﯿﺴﺖ إﻻ ﻟﺤﻈﺎت، واﻟﻌﻘﻮدُ ﻟﯿﺴﺖ ﺳﻮى أوﻗﺎت ﻣﺒﺪدّة، فالمدينة لا تقيس الزمن بالأيام والشهور والسنوات، بل بما شهدته من امبراطوريات وهي تنهض على أرضها ثم تنهار إلى خراب".
غير أن المباني المدمرة يكثر وجودها أيضا في دمشق بعد المعارك والهجمات.
فيديو قد يعجبك: