لبنان تستجيب للضغط وتنهي موضوع زواج المغتصب من الضحية
القاهرة- (أ ش أ):
بعد نضال طويل خاضته جمعيات مدافعة عن حقوق المرأة في لبنان أثمرت تلك الجهود بإنهاء موضوع زواج المغتصب من الضحية ، بموجب إلغاء مجلس النواب اللبناني للجزء المتعلق بالاغتصاب من المادة ٥٢٢ في قانون العقوبات، وهى مادة طالما كافح نشطاء على مدار سنوات عديدة من أجل تعديلها، حيث كانت تبيح تزويج ضحية الاغتصاب من مغتصبها، لتسقط عنه أي عقوبة ، وبهذا يكون البرلمانيين اللبنانيين قد وضعوا أمام مسئولياتهم في حماية المجتمع اللبناني من آفات تعذرت مواجهتها بالأسلحة القانونية٠
المادة ٥٢٢ تنص على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بغية الزواج...) والمعتدى عليها أوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم في القضية علق تنفيذ العقاب الذي فرضت عليه" ، وتعمل المراجعة البرلمانية، التي صدر عنها إلغاء المادة 522، في إطار ورشة لإصلاح البنود المدرجة في الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني، الذي يحمل عنوان “الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة .
و أشار التعديل على المادة ٥٢٢ ، إلى أنه " في حال تزوجت الفتاة بين الـ15 و18 عاما لا تتوقف الملاحقة بحق من تزوجها حتى لو أسقط أهلها الدعوى المرفوعة على الزوج، بل تحال القضية على مساعد اجتماعي ليضع تقريره بعد مقابلة الفتاة ليرفعه بعد ذلك إلى قاضي الأحداث أو القاضي المدني ليبت الأخير بتعليق تنفيذ العقاب".
موافقة مجلس النواب اللبناني على إلغاء جزئية الاغتصاب حصريا من المادة ٥٢٢ ، جاء بعد حملات ضغط مكثفة و عديدة قام بها أشخاص يمثلون المجتمع المدني و الجمعيات النسوية تطالب بتذليل الصعاب أمام تعطيل هذه المادة ، و كان آخرها الوقفة الصامتة لفتيات ارتدين فساتين زفاف بيضاء تم تخضيبها بالدماء٠
ورغم انضمام لبنان لمصاف الدول العربية التي سبقتها ف هذا المضمار ، بإقرار مجلس النواب اللبناني تعطيل الجزء المتعلق بالاغتصاب من المادة 522 من قانون العقوبات ، والذي تم التصويت عليه بعد مداولات مكثفة، إلا إن المرأة اللبنانية اعتبرته نصرا منقوصا، نظرا لوجود ثغرة قانونية خطيرة في القانون مواد أخرى يمكن أن يفلت المغتصب منها من العقوبة ، مطالبه بالعمل على تنقية أو حذف مواد أخرى في قانون العقوبات اللبناني ما زالت تتمتع بروح المادة الملغاة .
إنجاز غير كامل ، إذ لم يتم إلغاء مفعول المادة 522 بالكامل، التي كانت تنطبق على جميع الجرائم الواردة بين المادتين 503 و521، وتعفي مرتكب إحدى هذه الجرائم من العقاب في حال تزوج الضحية ، أي أن مفعولها أزيل عن جرم الاغتصاب ، ولكنه أبقي عليه في المادتين 505 و518 ، وبهذا لا يرتقى لمرتبة الأنجاز الحقيقي.
وفى هذا السياق ، تطالب جمعيات نسائية، المشرع اللبناني أن يعكف على تحديث التشريعات بما يتوافق مع روح العصر، وبما ينهي سلطة “الأمر الواقع” الاجتماعية على خيار المرأة في تسيير أمور حياتها الشخصية، بما في ذلك إجبارها على الزواج من مغتصبها، وإجبارها على الزواج في سن المراهقة، والذي يمكن أعتباره شكلا مقنعا من أشكال الاغتصاب ، واعتبرت هذه الأوساط أن تخليص التشريعات من عفنها يجب أن يمر من خلال تخليص الفرد بصفته مواطنا من قوانين تنهل من مرجعية دينية، مع العلم أن اجتهادات عديدة تحول دون إجماع داخل الدين الواحد، فما بالك ببلد تتعدد فيه الأديان والمذاهب .
إلغاء المادة 522 التي كانت تعتبر بمثابة ترخيص قانوني لتشريع الاغتصاب في لبنان ما يبيح تزويج ضحية الاغتصاب من مغتصبها ليس العوار الوحيد في القوانين المتعلقة بحقوق المرأة في لبنان، فمازال الطريق طويلا ويستوجب تنقيه القانون اللبناني من أي مواد تطال حقوق المرأة اللبنانية، خاصة حقها في منح أبنائها الجنسية اللبنانية في حال كان الأب من جنسية أخرى، وهو حق يحظى به الأب اللبناني دون الأم، إلى جانب ما يعانيه القانون من فراغ لتحديد سن الزواج ، حيث تعمل جمعيات أهلية جاهدة على تمرير قانون يحدد سن الزواج بـ18 عاما، لكن الامر برمته تم تركه لمحاكم تبيح زواج القاصرات دون أي رادع قانوني واضح .
وبعد تجريم عقوبة الاغتصاب وعدم سقوطها بالزواج من الضحية يغلق الباب أمام الكثير من المشكلات الإجتماعية وفى مقدمتها زواج القاصرات ، بقى أمام الجمعيات النسائية وجمعيات حقوق المرأة والنشطاء المدافعين عن تلك الحقوق فى لبنان مشوار مضنى طويل وشاق من أجل حصول المرأة على كامل حقوقها، حيث يتشدد بعض نواب البرلمان مجهضين كافة المساعي بحجة ارتباط قانون العقوبات بقانون الأحوال الشخصية لدى الطوائف، متذرعين بأن ذلك محاولة لتغيير قانون الاحوال الشخصية المعدل منذ سبعين عاما، رافضين المساس به أو الكلام عنه طيلة هذه المدة، ، واعتبار اي تعديل عليه من صلاحية المؤسسات الدينية التابعة لهذه الطوائف وليس مجلس النواب.
ويفتح هذا الجدل الباب على مصراعيه أمام قضية التداخل بين المحاكم الدينية والمدنية فى بلد تكثر فيه الطوائف وتتعدد، بالإضافة إلى عدم وجود قانون مدني موحد يعامل اللبنانيين في مسائل الزواج والطلاق والميراث وفق معايير موحدة، وينبع اللغط في هذه القوانين نتيجة الخلط بين القوانين الشرعية والقوانين الوضعية، و التناقض بين مفهوم العقوبة ومفهوم الستر.
فيديو قد يعجبك: