تحليل: إقرار مسودة الدستور الليبي خطوة مهمة أمام تحديات متشابكة
القاهرة- (أ ش أ):
في خطوة مهمة نحو إعادة الأمل في بناء مؤسسات الدولة الليبية وإرساء نظام سياسي ديمقراطي يستوعب المتغيرات الجديدة في المنطقة والعالم أجمع، أقرت هيئة الدستور الليبي مشروع الدستور الجديد، تمهيدا لطرحه في استفتاء شعبي لتنظيم الحياة السياسية في ليبيا، في وقت هي أحوج ما تكون فيه للم شمل كافة القوى السياسية والمجتمعية.
ولعل إنجاز التصويت على الدستور، يمثل مرحلة مفصلية في تاريخ ليبيا، وسيكون إطاراً جامعاً ومرجعاً للقوانين، وحداً فاصلاً بين صلاحيات السلطات، وحافظاً للحقوق والحريات.
وتأتي خطوة إقرار مسودة الدستور تتويجاً للجهود التي شاركت مصر فيها كثيرا بجانب بعض دول الجوار مثل تونس والجزائر إلى جانب الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا، والتي تتفهم موقف مصر من الأزمة.
جاء هذا التصويت عقب الاجتماع الذي جرى بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر مؤخرا في باريس بوساطة من الرئيس إيمانويل ماكرون والذي نجح في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
وكانت مصر حاضرة بقوة في هذه الاجتماعات، حيث التقى وزير الخارجية سامح شكري بكل من حفتر والسراج وغسان سلامة المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا في باريس لبحث الأوضاع في ليبيا، حيث تدعم مصر تحقيق المصالحة الوطنية ورأب الصدع بين الأطراف الليبية المختلفة، وضرورة مكافحة الإرهاب والذي يتسلل عبر الحدود بين البلدين بما يضر بالأمن القومي المصري.
وصوت 43 عضواً من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، على المسودة من إجمالي 44 عضواً حضروا الجلسة التي عقدت بمقر الهيئة في مدينة البيضاء شرق ليبيا.
وينص مشروع الدستور على انتخاب رئيس البلاد كل 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ويختص بسلطات واسعة أبرزها إبرام المعاهدات وإعلان الطوارئ، وطلب إعلان الأحكام العرفية.
ويؤكد الدستور الذى يتكون من 197 مادة أن "الجمهورية الليبية" دولة مستقلة غير قابلة للتجزئة ولا يجوز التنازل عن جزء منها، وينص على أن يكون الإسلام دين الدولة والشريعة مصدر التشريع، وأكد حرية التعبير والصحافة، ويرفض الحبس في قضايا النشر.
ويشير الدستور الجديد إلى أن نظام الحكم شبه رئاسي، وتتوزع السلطة التشريعية بين مجلسي النواب والشورى، وتلتزم الدولة بحماية حقوق الأقليات وتراثهم الثقافي، والمحافظة على كيان "الجمهورية الليبية"، وضمان مبدأ التداول على السلطة والفصل بين السلطات والتعددية السياسية.
وكشفت مسودة الدستور عن مراعاته للتنوع الثقافي والعرقي، حيث تم الاعتراف بلغات كل من العرب والأمازيج والطوارق والتبو ، كلغات رسمية في البلاد.. وفي حال إقرار تلك المسودة كدستور لليبيا سيكون ثاني دستور تشهده البلاد منذ صدور دستور 1951 في عهد الملك إدريس السنوسي.
وكانت اللجنة المنتخبة لصياغة مسودة الدستور بدأت أعمالها قبل ثلاث سنوات كان مقرراً أن تنهي مهامها بعد 120 يوما، لكن الانقسام السياسي الذي شهدته ليبيا أثر في عملها، وخلف انقسامات بين أعضائها، قبل أن يجري تشكيل لجنة توافقية لوضع مسودة دستور جديدة.
مواقف كاشفة
تبدو مواقف القوى السياسية والمجتمعية من إقرار تلك المسودة كاشفاً لطبيعة التحديات المرحلية والمستقبلية، ففي الوقت الذي رحب فيه رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج بإقرار الهيئة التأسيسية لمسودة الدستور، ودعا إلى طرحها لاستفتاء شعبي لوضع قاعدة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، وعبر التجمع الوطني الليبي عن ارتياحه لإقرار الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي لمسودة الدستور، سادت حالة من الاحتقان خاصة في إقليم برقة الذي اعتبر أن المسودة تكرس المركزية وتستهدف إقصاء شخصيات بعينها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وشككت قوى سياسية ليبية في قيمة ومكانة مجلس النواب باعتباره ليس هو المكان المناسب الذي يبحث الاعتراضات على المسودة، ويرون أن المكان الأنسب لرافضي المسودة هو القضاء.
ويكشف ذلك عن وجود عدة تحديات أمام استكمال خريطة الطريق الليبية التي تضع البلاد على بداية الاستقرار واستتباب الأمن ولعل أبرز هذه التحديات:
أولاً: رغم التفاؤل الذي أبداه كثيرون، بشأن قرب التوصل لنهاية للأزمة القائمة في ليبيا، والحديث عن بدء اهتمام فرنسي جدي بحلها، وحشد المجتمع الدولي من أجل ذلك، إلا أن البعض شكك في إمكانية حل قريب للأزمة الليبية بعد لقاء باريس، لأن القيادة الفرنسية تغفل تعقيدات داخلية كثيرة تكتنف الوضع الليبي مثل ضباط الجيش الليبي المنشقين والنزاعات القبلية والميليشيات المسلحة. وهو الأمر الذي يلقي بتبعات ثقيلة على المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا غسان سلامة، فلابد من العمل على حل سلمي بشأن الميليشيات، لأن ليبيا تمر بمرحلة إعادة بناء تحالفات سياسية وبالتالي فهناك ميليشيات حاليا تتفكك ويعاد بناؤها مرة أخري وهو الأمر الذي يمثل تحديا صريحا لعملية التسوية السياسية.
ثانياً: إشكالية العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية تعد أهم التحديات خلال المرحلة المقبلة، ومن هنا لابد من العمل على وضع خارطة طريق من شأنها ضمان أمن الأراضي الليبية وقواتها الدفاعية في مواجهة كافة التهديدات، وعمليات الاتجار بجميع أشكالها. وتعد الخطة جزءا من إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية لتنسيق مكافحة الإرهاب، وضمان السيطرة على تدفق المهاجرين من السواحل الليبية، لتأمين وضبط الحدود ومكافحة الشبكات الإجرامية التي تستغل ليبيا وتعمل على زعزعة الاستقرار في منطقة البحر المتوسط.
وفي نفس الوقت، تؤدي المؤسسات المدنية مهامها المنوطة بها من إرساء القانون وتفعيله، وإدارة العلمية السياسية بطريقة رشيدة تضمن الانتقال والتداول السلمي للسلطة في ليبيا الحديثة.
ويبقى التأكيد على محورية دور الأمم المتحدة في متابعة تنفيذ اتفاق الصخيرات، وإحاطة المبعوث الأممي الجديد بالجهود التي قامت بها مصر مؤخراً من أجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، فضلاً عن تقييم الجهود الإقليمية والدولية المبذولة في هذا الشأن، من أجل أن تنعم ليبيا بالأمن والاستقرار.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: