لماذا فشلت واشنطن في إنهاء الأزمة مع قطر؟
كتب - عبدالعظيم قنديل:
يرى مراقبون أن التصعيد الراهن في الأزمة القطرية مؤشرا قويا على إخفاق جهود الوساطة للولايات المتحدة، بين قطر من جانب والدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع الدوحة، مع استمرار رفضها قائمة المطالب العربية لإنهاء الأزمة التي دخلت شهرها الثالث.
وقطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وأغلقت حدودها الجوية والبرية والبحرية معها في الخامس من يونيو الماضي، قبل أن تصدر قائمة ب 13 مطلبا، لكن الحكومة القطرية لم تسجل أي رد إيجابي على هذ المطالب.
وشملت قائمة المطالب إعلان قطر خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، والاقتصار على التعاون التجاري، وقطع أي تعاون عسكري، أو استخباراتي مع طهران.
كما تضمنت وقف التحريض الإعلامي ضد الدول العربية من قنوات تابعة لقطر، مع وقف بث قناة الجزيرة القطرية، بجانب إغلاق القاعدة العسكرية التركية، وتسليم المُدانين في قضايا إرهاب، وتجميد أرصدتهم.
تناقض
اتسم الموقف الأمريكي، منذ اندلاع الأزمة، بتناقض واضح، والتلكؤ في أخذ إجراءات حاسمة والانحياز لطرف دون الآخر، مما ساهم في افشال جهود الوساطة من قبل كل من وزير الخارجية والرئيس الأمريكي، حيث أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إلى أن ذلك التناقض تجلى في قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن هجومًا حادًا على الدوحة، متهمًا إياها بدعم وتمويل الارهاب، على الرغم من مناشدة وزارة الخارجية الأمريكية أطراف الأزمة إلى عدم التصعيد.
يشير ذلك إلى أن الولايات المتحدة لا تريد خسارة أي من طرفي النزاع، وذلك في ضوء المصالح الاقتصادية التي تربطها مع دول الخليج بشكل عام، والتي تضم ثلث احتياطات النفط العالمي. فالوساطة الأمريكية تؤكد في كل مرة أن الهدف الأهم هو الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وذلك حسبما أوردت نيويورك تايمز.
وقد قام وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بجولة خليجية، استمرت أربعة أيام في الفترة من10-13 يوليو الماضي؛ زار خلالها الكويت والرياض والدوحة، كما التقى وزراء خارجية الدول الأربع المقاطعة، من أجل إيجاد حل للأزمة الخليجية، وخاصة بعد إعلان قطر رفضها للمطالب الـ13، وذلك حسبما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس).
وكان من أهم نتائج جولة تيلرسون الخليجية، توقيع الولايات المتحدة وقطر، يوم 11 يوليو الماضي، مذكرة تفاهم لمحاربة الإرهاب وتمويله، غير أن دول المقاطعة الأربع قالت إن خطوة توقيع المذكرة غير كافية وستراقب الدول الأربع عن كثب مدى جدية السلطات القطرية في مكافحتها لكل أشكال تمويل الإرهاب ودعمه واحتضانه.
ويرى دنيس روس، الموفد الرئاسي السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط سابقا، أن قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر توفر ضمانة أمنية للقيادة القطرية، مؤكدًا أن تحذير القطريين بسحب القوات الأمريكية من قطر سيجبر الدوحة على إنهاء المواجهة.
وانتقد روس، في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، النهج الذي اتبعه تيلرسون في مهمة الوساطة التي قام بها قبل أسابيع لحل الأزمة الخليجية.
وقال إن "الوزير الأمريكي أخطأ بالتوجه إلى الخليج قبل بلورة خطة جرى التفاوض بشأنها والتوافق حولها لإنهاء النزاع الناشب بفعل السياسات القطرية".
وتتزامن التحركات الأمريكية لحل الأزمة مع قيام وزارة الدفاع الأمريكية بإجراء تمارين عسكرية مشتركة مع القوات القطرية وتوقيع عقود معها لبيعها طائرات مقاتلة، حيث أعلن "البنتاجون" أن أزمة الخليج ليس لها تأثير على العمليات العسكرية في الدوحة.
وتستضيف قطر قاعدة العديد الجوية أكبر منشأة عسكرية أمريكية بالشرق الأوسط والتي يوجه منها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق.
صفقات
ويتساءل المتابعون للأزمة الخليجية عن حقيقة الموقف الأمريكي منها، خاصة مع ضبابية المواقف بين أقطاب الإدارة الامريكية أم أن تملي عليهم تبادل أدوار معينة بين من يدعم هذا الطرف ومن يؤيد الطرف الآخر.
وحصلت الولايات المتحدة الأمريكية على مكاسب اقتصادية هامة في المنطقة، عن طريق عقد الصفقات العسكرية والسياسية، وضخ مزيد من الاستثمارات للأسواق الأمريكية، حيث سارعت الدوحة، منذ بداية الأزمة، لإبرام صفقة شراء طائرات حربية من الولايات المتحدة، في صفقة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، وتشمل شراء 36 طائرة "إف 15"، وذلك حسبما أفادت وكالة "بلومبرج" الأمريكية.
كما خصصت قطر 35 مليار دولار للاستثمارات الأمريكية، وأنفقت أكثر من 50 بالمئة من هذا المبلغ، فإن المزيد من الصفقات يمكن أن تساعد على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث أشارت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، إن صندوق الثروة السيادية في قطر يواصل خططه للاستثمار في الولايات المتحدة.
يذكر أن السعودية وافقت على شراء أسلحة أمريكية قيمتها 110 مليارات دولار مع خيارات شراء تصل إلى 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وذلك خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية، ضمن أولى جولات ترامب الخارجية في 20 مايو الماضي.
"فرصة للمراوغة"
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن "وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون كان يعتقد أنه في نزهة خلوية، حيث لم يكن لديه أي تصورات أو رؤى واضحة حول مخرج الأزمة، الأمر الذي أدى إلى فشل جولته الخليجية، لاسيما وأن جهوده جاءت بعد جهود كويتية وفرنسية وتركية."
وحول الاختلاف الواضح بين موقف ترامب والخارجية الأمريكية، قال فهمي، في تصريحات لمصراوي، إن "الموقف الأمريكي قدم خدمة جليلة إلى الدوحة وأعطاها فرصة للمراوغة والتحايل على مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وذلك بالتزامن مع تحرك اللوبي القطري، داخل الكونجرس الأمريكي، لدفع الإدارة الأمريكية إلى عقد مزيد من صفقات الأسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقطر.
كما توقع فهمي أن تكون جولة الجنرال الأمريكي المتقاعد أنطوني زيني إلى الخليج ستكون مقدمة إلى توجيه دعوة لوزراء خارجية الدول المقاطعة لزيارة واشنطن أو سيقوم وزير الخارجية الأمريكي بجولة جديدة في محاولة إلى تحقيق توازن بين مطالب الدول الداعية لمكافحة الإرهاب من جانب وامتثال قطر إلى تلك المطالب من جانب آخر.
فيديو قد يعجبك: