كيف تأثر اقتصاد قطر بعد شهرين من المقاطعة؟
كتب -علاء المطيري:
بعد مضي شهرين على إعلان 3 دول خليجية ومصر قطع علاقاتها مع قطر؛ خسرت الدوحة 20 مليار دولار من الاحتياطي النقدي بخلاف خسائر أخرى جراء ارتفاع الأسعار؛ وأصيب اقتصادها بصدمة مؤقتة، لكن استمرار المقاطعة سيؤدي إلى خسائر فادحة، رغم استثماراتها الضخمة في أوروبا وأمريكا التي ربما تخفف من وطأة الخسائر.
وبينما تقول الإحصائيات إن قطر خسرت خلال الشهرين الماضيين منذ اندلاع الأزمة، مليارات الدولارات بسبب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لها، فإن حجم الضرر الذي تعرض له اقتصادها لا يمكن تقديره بدقة قبل عام على أقل تقدير، كما يقول الخبراء.
وأعلنت الدول الأربع مقاطعتها لقطر في 5 يونيو الماضي بسبب اتهامها بدعم الإرهاب، وهي التهم التي تنفيها الدوحة.
قطر والخليج
تعد السعودية والإمارات من أهم شركاء قطر التجاريين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين قطر ودول الخليج 10 مليارات دولار في 2016، وفقًا لتقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وعند إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر برز العديد من التساؤلات حول تأثير تلك الإجراءات على اقتصاد الدوحة.
لكن وزير الاقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، قال في 9 يونيو، عقب إعلان قطع العلاقات بـ4 أيام، إنه تم تأمين بدائل فورية للبضائع التي كانت تصل من السعودية وعبرها، مشيرًا إلى أن بلاده كانت تعد خططا مسبقة تحسبًا لأي أزمات أو حالات طارئة.
وفي 11 يونيو، نشرت بي بي سي تقريرًا عن تأثير المقاطعة على الدوحة؛ ذكرت فيه أن الزائر إلى أسواق قطر لا يكاد يلحظ أي تأثير للقرار على وفرة البضائع وأسعارها، لكنّ بعض المستثمرين والتجار أعربوا عن مخاوفهم من أنّ استمرار المقاطعة سيأتي بنتائج سلبية على الاقتصاد القطري.
تشير بيانات عام 2015 إلى أن السعودية والإمارات في المرتبة الأولى والثانية على الترتيب من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر وبإجمالي 310 ملايين دولار، أما في تجارة المواشي، فتأتي السعودية في المرتبة الأولى للمصدرين والإمارات في الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار.
وفي تجارة الخضراوات، تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة من حيث المصدرين وبإجمالي 178 مليون دولار سنويًا.
وفي تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية وبإجمالي نحو 200 مليون دولار. وفي المعادن، تأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر وبإجمالي سنوي يفوق النصف مليار دولار.
تشير الأرقام إلى أن معبر أبو سمرة الحدودي بين قطر والسعودية استقبل أكثر من 326 ألف زائر فقط خلال الفترة من 10 يناير إلى 5 فبراير الماضي، وفقًا لوكالة أنباء الشرق الأوسط. ويشهد المعبر يوميًا عبور ما بين 600 و800 شاحنة قبل إغلاقه.
أما بالنسبة لتأثير القرار على الخطوط القطرية، فيبدو واضحًا بالنظر إلى حجم الرحلات اليومية بين الدوحة والمدن الخليجية، وهي على سبيل المثال 19 رحلة يوميًا من مطار دبي الدولي، و6 من مطار أبو ظبي، ومثلها من مطار الكويت، و5 من المنامة، و3 أو 5 من جدة و4 من الرياض.
واستقبل مطار الدوحة 37.3 مليون مسافر عام 2016، بزيادة نحو 7 ملايين مسافر عن عام 2015.
بعد شهرين
لكن بعد مرور شهرين على قطع الدول الأربع علاقاتها الاقتصادية مع الدوحة أعاد السؤال طرح نفسه من جديد "كيف أثرت المقاطعة على الاقتصاد القطري بعد مرور شهرين منذ الإعلان عنها؟".
يقول طيف من خبراء الاقتصاد أن المقاطعة أصابت الاقتصاد القطري بصدمة آنية وخلقت صورة ضبابية أمام المستثمرين قد تجعلهم يعيدون التفكير قبل ضخ استثماراتهم في السوق القطرية. ويرى آخرون أن حجم الضرر لا يمكن تحديده قبل عام على أقل تقدير، بينما يرى فريق ثالث أنه لو طال أمد الأزمة ستكون قطر مجبرة على البحث عن مخرج.
قال الخبير الاقتصادي، مصطفى عادل، "بالطبع؛ الاقتصاد القطري تأثر بسبب الأزمة بين الدوحة ودول المقاطعة، مشيرة إلى أن تلك الأزمة خلقت صورة ضبابية أمام المستثمرين؛ من المؤكد أنه ستجعل الكثير منهم يفكر مليًا قبل التوجه للسوق القطري".
وأضاف لمصراوي أن مستقبل الأزمة القطرية مع دول المقاطعة غير واضح المعالم، وبالتالي فإن مستقبل الاستثمارات الكبيرة في قطر أصبح أمر مشكوك فيه في الوقت الحالي.
ولفت عادل إلى أن الأزمة الحالية تسببت في انخفاض واضح في لمؤشرات البورصة القطرية وتهاوي العملة، إضافة إلى وجود تضييق على الاستثمارات القطرية في الخارج خاصة تلك التي توجد في دول المقاطعة.
وعن التصريحات التي أدلى بها أمير قطر، الشهر الماضي، عن نية الدوحة التوجه نحو التنوع الاقتصادي، قال عادل إن قطر تحصل على 60 في المئة من وارداتها عبر منفذها البري الوحيد مع السعودية، والتحول نحو تنوع مصادر النشاط الاقتصادي يعني إنشاء مشروعات عملاقة واستثمارات متنوعة سيكون من الصعب استكمالها في ظل إغلاق المعبر.
وقال "الحديث عن أنها عوضت تلك الواردات من دول أخرى ليس بالأمر الجيد،" مشيرًا إلى أنها استطاعت توفير السلع الغذائية - على سبيل المثال - من تركيا وإيران، لكن التكلفة الاقتصادية أكبر من تلك التي كانت تحصل عليها من السعودية أو الإمارات وهو ما ينعكس سلبًا على الميزانية العامة على المدى الطويل.
وأكد عادل أنه لا يمكن التقليل من شأن خسائر قطر خلال الشهرين الماضيين بسبب المقاطعة، مشيرًا إلى أن مبلغ 20 مليار دولار ليس رقمًا صغيرًا وأنه سينعكس على عجز في الموازنة العامة للدولة إضافة التكاليف الأخرى التي يتحملها الاقتصاد القطري بسبب زيادة تكاليف الواردات.
واعتبر عادل أن الآثار قصيرة المدى ظهرت جلية على الاقتصاد القطري خلال الشهرين الماضيين، لكنه تحديد حجم الضرر الذي تعرض له الاقتصاد القطري بصورة عامة يحتاج إلى عام على أقل تقدير.
خسائر لحظية
قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن قطر خسرت 20 مليار دولار من الاحتياطي النقدي للدولة بسبب المقاطعة، مضيفًا: "لكنه لا يعد رقمًا ضخمًا بالنسبة للدوحة التي تمتلك احتياطي نقدي يصل إلى 350 مليار دولار".
وتابع "خسائر قطر بسبب المقاطعة لحظية وليست طويلة الأمد"، مشيرًا إلى أن قيمة الودائع الخليجية لدى الدوحة تمثل 7 في المئة من الاحتياطي القطري وسحبها ربما لا يؤثر بصورة كبيرة".
وتابع: "من جهة الأخرى فإن إجمالي استثمارات قطر في الشرق الأوسط تمثل 5 في المئة من إجمالي استثماراتها الخارجية بينما تتركز غالبية استثماراتها في أمريكا وأوروبا".
وعن حركة الطيران قال النحاس إن إغلاق الأجواء أمام قطر زاد تكلفة البضائع والحركة التجارية من وإلى قطر، لكن فتح 9 ممرات طوارئ أمام الطائرات القطرية جعلها تتغلب على المشكلة بعض الشيء.
ولفت النحاس إلى أن العقوبات الجديدة التي فرضتها أمريكا على روسيا تصب في مصلحة قطر، مشيرًا إلى أن تلك العقوبات تضيق النطاق على تصدير الغاز الروسي وهو ما يفتح المجال واسعًا أمام الصادرات القطرية.
من ناجيتها، قالت رضوى السويفى، رئيس قطاع البحوث في بنك "فاروس" للاستثمار، إن أزمة الاقتصاد القطري تمكن في تمركز النشاط الاقتصادي الذي يعتمد على الغاز كمصدر الدخل الرئيسي للدولة.
وأضافت السويفي لمصراوي أن الاقتصاد القطري أصيب "بصدمة على المدى القصير"، مشيرة إلى أن قطر تسعى الآن إلى تنويع مصادر اقتصادها، "لكن لا يمكن الحكم على ذلك في وقت قصير."
فيديو قد يعجبك: