لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

47 عامًا على "أيلول الأسود".. ما نعرفه عن فترة الأحداث المؤسفة

12:34 م الأربعاء 27 سبتمبر 2017

ارشيفية

كتبت- رنا أسامة:
بعد أعوام من تراجع الاهتمام الدولي، عاودت القضية الفلسطينية الظهور على سطح المشهد السياسي كقضية مركزيّة تُفرد لها مساحات واسعة للنقاش على طاولة اجتماعات كبار القادة مؤخرًا، يتخلّلها تأكيدات على ضرورة تذليل جميع العقبات التي تقف حائلا أمام إبرام "صفقة القرن" لإحلال السلام في المنطقة، وتصريحات رافضة مواصلة توسيع الاستيطان الإسرائيلي، بما في ذلك تأكيد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال كلمته بالقمة العربية الـ28 في مارس الماضي، على أنه "لا سلام ولا استقرار دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، من خلال حل الدولتين".

وبينما تظهر الأردن في مُقدمة الدول التي ترى في حل القضية الفلسطينية سبيلًا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتؤكّد أن القضية من أبرز التحديات التي تواجهها، يُعيد شهر سبتمبر الجاري إلى ذاكرتنا المواجهات المُسلّحة التي جرت قبل 47 عامًا، بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة في الأردن، فيما عُرف بأحداث "أيلول الأسود"، وأسماها الجيش الإسرائيلي بأزمة "جحيليت" (أي الجمرة).. فما هي؟

أيلول الأسود

"أيلول الأسود" هو مُصطلح يُشار إلى شهر سبتمبر -الذي يُطلق عليه "أيلول" في العراق وبلاد الشام- من عام 1970، ويُعرف أيضًا بـ"فترة الأحداث المؤسفة" التي شهدت قتالًا داميًا بين القوات الأردنية والمسلحين الفلسطينيين، أسفرت عن سقوط آلاف القتلى في حرب أهلية استمرت حتى يوليو من عام 1971، وفق ما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وكشفت وثائق حصلت عليها (بي بي سي)، من الخزانة البريطانية في عام 2001، أن عاهل الأردن الراحل الملك حسين بن طلال ناشد إسرائيل "ضرب" القوات السورية أثناء أحداث "أيلول الأسود".

وأضافت الوثائق البريطانية، أن الملك كان يخشى من تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط إلى حرب شاملة مدمرة في حالة سيطرة الفلسطينيين الذين تؤيدهم سوريا على الأردن، ما دفعه إلى مناشدة الحكومة البريطانية ومطالبتها إقناع إسرائيل بالتدخّل، في الوقت الذي كانت سوريا تدعم فيه المليشيات الفلسطينية التي تمكنت من السيطرة على أجزاء من الأردن، حتى تمكّن الجيش الأردني من تدمير قواعدها فيما عُرف لاحقًا بأحداث "أيلول الأسود".

ماذا حدث؟

تعود جذور الصراع إلى ما بعد معركة الكرامة، عام 1968، التي انتصر فيها الجيش العربي الأردني على الجيش الإسرائيلي في الأغوار، والذي كان قد عبر نهر الأردن باتجاه الضفة الشرقية عبر بلدة الكرامة، والتي اعتُبرت "أول انتصار للعرب على إسرائيل".

وحوّلت معركة الكرامة حركة "فتح" من مجرد منظمة مسلحة إلى حركة تحرر وطني. وفي الأثر قامت بعض المجموعات الفدائية الصغيرة خلال شهور قليلة بحل تشكيلاتها والانضمام إلى فتح؛ مثل: جبهة التحرير الوطني الفلسطينية، ومنظمة طلائع الفداء، وجبهة ثوار فلسطين، ما دفع النظام الأردني إلى الشروع في مراقبة نمو الحركة الوطنية الفلسطينية بريبة كبيرة، وتخوّف من أن تتحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى قوة سياسية كبيرة في الأردن، ومسلحة في الوقت نفسه، وتحظى بتعاطف فئات واسعة من السكان.

وفي نوفمبر عام 1968، ظهرت أولى محاولات النظام الأردني لتحجيم المقاومة الفلسطينية، حينما توصل لافتاقية "عرفت باسم "اتفاقية البنود السبع" بين الملك حسين والمنظمات الفلسطينية، لتنظيم العلاقات مع المقاومة يبعدها عن المدن والقرى ويُقيّد حركتها الميدانية. بيد أنها لم تصمد طويلًا، فأصبحت منظمة التحرير الفلسطينية "دولة ضمن الدولة" في الأردن، وأضحى رجال الأمن والجيش الحكومي في مرمى الهجوم.

وشهدت الفترة بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969، مئات الاشتباكات العنيفة بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية. وأصبحت أعمال العنف والخطف تتكرر بصورة مستمرة حتى باتت تُعرف عمان في وسائل الإعلام العربية بـ"هانوي العرب".

كما استمرت منظمة التحرير الفلسطينية في مهاجمة إسرائيل انطلاقًا من الأراضي الأردنية بدون تنسيق مع الجيش الأردني، حيث كانوا يطلقون الأعيرة النارية من أسلحتهم البدائية باتجاه إسرائيل، ما نتج عنه رد فعل عنيف من جانب إسرائيل بالطائرات والصواريخ على المدن الأردنية.

وفي 11 فبراير 1970 وقعت مصادمات بين قوات الأمن الأردنية والمجموعات الفلسطينية في وسط عمان مما أسفر عن وقوع 300 قتيل معظمهم من المدنيين. وفي محاولته منع خروج دوامة العنف عن السيطرة قام الملك بالإعلان قائلًا: "نحن كلنا فدائيون"، وأعفى وزير الداخلية من منصبه. إلا أن جهوده باءت بالفشل.

وفي 9 يونيو 1970، نجا الملك حسين من محاولتيّ اغتيال فاشلتين، قامت على إثرها مصادمات بين قوات الأمن وقوات المنظمات الفلسطينية ما بين فبراير ويونيو من عام 1970 أوقعت نحو 1000 شخص.

بدأت المشكلة تتبلور، بحسب وثائق بريطانية، في 6 سبتمبر 1970، بعد أن خطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثلاث طائرات أجنبية كانت قد أقلعت من ألمانيا وسويسرا وأمستردام هولندا متجهة إلى نيويورك.

حوّل الخاطفون اتجاه طائرتين منها إلى الأردن وأجبروهما على الهبوط في مطار بعيد في منطقة الأزرق الصحراوية شمال شرق الأردن، فيما حوّلت وجهة الطائرة الثالثة إلى القاهرة حيث عمد الخاطفون إلى تفجيرها.

بعد مرور ثلاثة أيام على الحادث، خُطفت طائرة مدنية أخرى، وطلب "الفدائيون" إطلاق سراح رفاق فلسطينيين لهم معتقلين في سجون أوروبية، وعندما رُفض مطلبهم عمدوا في 12 سبتمبر وتحت أنظار وسائل الإعلام العالمية، إلى تفجير الطائرات الثلاث بعد إطلاق سراح ركابها.

تبع ذلك الحادث حمام دم بين الجيش الأردني ومنظمة التحرير الفلسطينية؛ سقط على إثرها ما لا يقل عن 15 ألف قتيل بين صفوف المُسلّحين والمدنيين الفلسطينيين، وتم تسريح أجزاء من المدن الفلسطينية ومُخيمات اللاجئين، ما تسبّب في تشريد ما بين 50 إلى 100 ألف فلسطيني.
وانتقدت الأنظمة العربية الملك حسين واصفين ما قام به بـ"القتل المُبالغ فيه."

واعتبارًا من يوم‏17‏ سبتمبر‏1970,‏ بدأ الجيش الأردني قصف معسكرات وأماكن تجمعات المقاومة الفلسطينية بنيران كثيفة ومتصلة‏.‏ وأدرك قادة المقاومة أن الملك حسين يخوض هذه المعركة لتصفية وجود المقاومة الفلسطينية بالأردن‏، وأنه قد حسم أمره بالفعل‏،‏ وأنه بالضرورة سيمضي إلي النهاية‏،‏ وبالتالي فليست هناك أدني فرصة للبحث عن حل وسط‏ أو وقف العمليات العسكرية عبر المفاوضات‏.‏

واستمرت العمليات العسكرية الأردنية‏، ‏وتساقط كثير من الضحايا من الجانبين‏، لا سيما من الجانب الفلسطيني‏، وبدا واضحًا للمراقبين أن الملك حسين لن يتوقف إلا إذا كسر شوكة المقاومة وقضي علي ياسر عرفات، زعيم منظمة فتح‏‏ ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية‏.، وقتذاك. وقرر الرئيس جمال عبدالناصر أن يوفد الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المصرية المسلحة إلي الأردن‏.‏

قمة القاهرة

قرّر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الدعوة لعقد اجتماع طارئ للقمة العربية بالقاهرة لبحث الموقف في الأردن، وتم تشكيل وفد برئاسة الرئيس السوداني جعفر نميري وعضوية الباهي الأدغم رئيس وزراء تونس آنذاك‏، والشيخ سعد العبد الله الصباح‏،‏ وزير الدفاع الكويتي آنذاك بالإضافة إلي الفريق محمد صادق‏.‏

تم الاتفاق على أن يُمثّل الوفد القمة العربية المجتمعة بالقاهرة‏، وله سلطة التصرف باسمها خلال الاتصالات مع كل من الملك حسين وياسر عرفات‏.‏

وضعت قائمة بالمهام التي يتحتم على الوفد أن ينجزها في العاصمة الأردنية عمان‏.‏ وكانت قمة القاهرة الطارئة تمثل‏‏ محاولة جادة من مصر لإيجاد مخرج للأزمة والأوضاع المتدهورة في الأردن‏، حيث يرتفع عدد الضحايا كل دقيقة بطريقة مخيفة‏، حيث عقدت القمة العربية الطارئة‏ للاتفاق علي خطة العمل‏، بحسب مقال نُشر في جريدة "الأهرام" في نوفمبر عام 2004.

ونجحت الجهود العربية‏‏ وتم الاتفاق على عودة قوات الجيش الأردني الي ثكناتها وقواعدها‏، وجلاء الفدائيين من عمان والمدن والقرى،‏ ونقل قواعدهم إلى خطوط وقف إطلاق النار والتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تضم وقتئذ منظمات المقاومة العشر برئاسة ياسر عرفات‏، وتطبيق نظم الدولة وقوانينها على الفدائيين‏.‏ وعلى كل من يعيش على أرضها أن يحترم سيادة الدولة‏.

وفي 23 سبتمبر 1970، عاد الوفد إلى القاهرة بعد التوصل إلى اتفاق لوقف نزيف الدم‏.‏ وفي مساء‏27‏ سبتمبر‏، وصل الجميع إلى اتفاق شامل بين الحكومة الأردنية والمقاومة الفلسطينية‏، ومثل هذا الاتفاق لم يكن ممكنا أن يتحقق دون إخراج ياسر عرفات من عمان إلى القاهرة‏،‏ لتنطوي صفحة أحداث أيلول الأسود‏، وتم إنقاذ المقاومة الفلسطينية‏ والحفاظ علي حياة ياسر عرفات آنذاك‏.‏

تداعيات "أيلول"

قُدّرت عدد الإصابات التي خلّفتها الحرب الأهلية الأردنية الفلسطينية بعشرات الآلاف، ونحو 4 آلاف قتيل من الجانب الفلسطيني، فيما أُصيب، بحسب سجلات الجيش الأردني، أكثر من 110 جندي أردني ووصل عدد القتلى بين صفوف المدنيين الأردنيين إلى نحو 3 آلاف قتيل.

طُرِدت الفصائل الفلسطينية من الأردن إلى لبنان، لتشتعل الحرب مجددًا هناك حيث أسّس الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ما سُمي فيما بعد "جمهورية الفكهاني"، وهي منطقة سيطرة كاملة للمنظمات الفلسطينية داخل بيروت .

وفي سبتمبر عام 1971، أسّست حركة فتح منظمة "أيلول الأسود" في القاهرة، ردًا على ما تعرض له الفلسطينيون على يد الأردنيين والإسرائيليين، واتخذت مجموعة قرارات من بينها تعزيز المقاومة في لبنان وشن هجمات على إسرائيل انطلاقًا من الجنوب.

كما حدّدت مجموعة من العمليات، وكان منها اغتيال رئيس الوزراء الأردني وقتذاك، وصفي التل، في القاهرة في 28 نوفمبر 1971، حيث رأت فيه المنظمة المسؤول الأول عن مذبحة أيلول الأسود، فضلًا عن عملية ميونخ التي أدت إلى مقتل 11 رياضيًا إسرائيليًا في دورة أولمبياد ميونيخ عام 1972.

في المقابل، أطلقت إسرائيل عملية ضد "أيلول الأسود"، عندما أمرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية، وقتذاك، جولدا مائير بتشكيل فريق لتنفي عمليات اغتيال، انتشر في أوروبا والشرق الأوسط، واغتال العديد من الناشطين الفلسطينيين والعرب، بعضهم ارتبط بمنظمة "أيلول الأسود"، والبعض الآخر لم يكن على صلة بها، بما في ذلك أحمد بوشيكي، الكاتب المغربي الذي لقي حتفه في منتجع تزلّج في النرويج في يوليو عام 1973.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان