أعمال مربحة تقوم على تحقيق رغبات صفوة الأثرياء
لندن (بي بي سي)
يستطيع المساعدون الشخصيون للأثرياء، بفضل شبكة معارفهم الواسعة عالميا ومعرفتهم بخبايا كل بلد وسرعة بديهتهم، أن يحققوا المستحيل، لكن ذلك مقابل مبالغ باهظة بالطبع.
لنفترض أنك تمنيت يوما الاستمتاع بوجبة إفطار خاصة فوق قوس النصر في باريس، أو خطر ببالك أن تحجز طاولة عشاء في أفخم المطاعم في العالم، مثل "فرنش لوندري" للطاهي توماس كيلر في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل دقائق من وقت العشاء، أو ما رأيك لو أعد لك توماس كيلر بنفسه مأدبة عشاء خاصة في منزله؟
تظل هذه التجارب الفريدة، في نظر السواد الأعظم من الناس، أحلاما بعيدة المنال. أما عن الصفوة، أو الزمرة المميزة من الأثرياء كثيري المشاعل الذين ضاق وقتهم وعلى استعداد لدفع مبالغ طائلة للحصول على ما يريدون، فقد أقيمت شركات ونواد عديدة تضع رهن إشارتهم مساعدين شخصيين لتلبية جميع رغباتهم في كل بلد يزورونها.
وخُصص للأعضاء من الفئة المميزة في هذه النوادي فرق هدفها "إدارة أسلوب حياتهم" عبر القارات، وتتولى هذه الفرق كل شيء بداية من تنظيم الرحلات إلى ترتيب لقاءات بأصحاب النفوذ، والحصول على دعوات لحضور المناسات الاجتماعية التي يتنافس الناس بشدة للحصول عليها.
تقول جاكلين سيينا إنديا، مؤسسة شركة "سيينا تشارلز" لتنظيم الرحلات الباذخة، إن مقابلة طلب العميل بالرفض قد تقضي على شركتها.
وبإمكان سيينا تلبية عدة طلبات في آن واحد، رغم أن هذه الطلبات قد تبدو مستحيلة. إذ قد يطلب منها عملاؤها حجز الغرف المميزة والمطلوبة في الفنادق التي قد تكون محجوزة لشهور، أو تنسيق جلسات تسوّق وجها لوجه مع كبار مصممي الأزياء في فرنسا.
وتقول سيينا: "لو اقتضى الأمر أن أستقل طائرة لأقوم بالحجز بنفسي أو أن أقفز في سيارة الأجرة لأتحدث مع شخص بعينه، سأفعل ذلك دون تردد. فنحن نعمل في عالم لا يعرف المستحيل".
ونظمت سيينا في إحدى المرات رحلة للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو اتش بوش الأب إلى إثيوبيا، وأحضرت في حقائبها الشخصية علب الجعة الخالية من الكحول، وزبدة الفول السوداني، لتتأكد من أن الرئيس سيحصل على الوجبة الخفيفة التي يفضلها أثناء سفره.
وتقول سيينا: "لا يمكنك بأي حال الاستعداد مسبقا لهذه الطلبات، فنحن نتلقى الطلب من العميل ثم أبحث بنفسي عن طريقة لتنفيذه، مهما كلفني الأمر".
وبالطبع يساعدها في تحقيق هذه الرغبات الأموال الوفيرة التي يضعها العملاء تحت تصرفها، وتقول سيينا: "لا شيء مستحيل ما دام لديك المال الكافي".
وبخلاف شركة إنديا، هناك العديد من الشركات الأخرى التي تقدم خدمات إدارة نمط الحياة المترف والمساعدة الشخصية (الكونسيرج) للأثرياء، وقد شهد هذه المجال رواجا في الأونة الأخيرة.
إذ يتجه الناس الآن إلى إنفاق الدخل الفائض على التجارب الفريدة بدلا من إنفاقها على السلع. وكشفت دراسة أجريت عام 2017، أن النمو الذي يحققه قطاع رحلات السفر الفاخرة يفوق ما يحققه قطاع السفر بشكل عام سنويا.
وخلصت دراسة لافتة نشرت في المجلة العلمية للأكاديمية الوطنية للعلوم العام الماضي إلى أن الاستفادة بالمال في تكليف آخرين ببعض المهام والتفرغ لخوض تجارب جديدة، قلل من التوتر وزاد من السعادة. ولهذا، فلا غرابة أن ينفق الموسرون أموالهم لشراء بعض الوقت.
الاهتمام بأدق التفاصيل
ويسافر برادلي تيلور كثيرا من بلد لآخر، بحكم منصبة كرئيس لقسم التسويق المرئي على مستوى العالم بشركة "ميلبوري" للحقائب الفاخرة. وقد جرب منذ خمس سنوات خدمة تنظيم الرحلات والمساعدة الشخصية للأثرياء دون تخطيط مسبق، ومنذ ذلك الحين، أصبح يستعين بهذه الخدمة في جميع أسفاره.
ويقول تيلور إنه يمضي معظم وقته خارج المنزل، متنقلا بين الشركة والمطار، ولهذا فإن وجود جهة جديرة بأن تعتمد عليها في الأمور التنظيمية سيسهل عليك حياتك.
ويلجأ الآن تيلور إلى شركات المساعدة الشخصية للأثرياء لمختلف الأسباب، مثل حجز فنادق تسمح بدخول الحيوانات الأليفة، مزودة بأسرّة وألعاب ترفيهية للكلاب، أو لتوفير نوع الفودكا النادر الذي يفضله في الفنادق التي ينزل فيها حول العالم.
ويقول تيلور: "عندما تصل إلى المكان تشعر أن هذه الشركات قد اتصلت مسبقا للتأكد من أن كل شيء سيكون على ما يرام. وفي كل مرة تجد مفاجأة غير متوقعة في انتظارك، فهم يتوقعون كل ما أريده، حتى من قبل أن أفكر فيه".
وتدير جيني غراهام شركة " كونتسينشيالي ترافيل" لخدمات إدارة نمط الحياة المترف والمساعدة الشخصية للأثرياء في لندن، التي اعتاد تيلور التعامل معها.
وعلى الرغم من أن الشركة لا تشترط العضوية للاستفادة من الخدمات، فإن المزايا التي تقدمها الشركة تختلف باختلاف فئات العضوية. إذ تحصل أدنى فئات العضوية على خدمات لا تزيد عن تلك التي تقدمها شركات السياحة، من قبيل مقارنة تكاليف الرحلة وتعديل مسارها في حالة تغيير خطط السفر، مع الفارق أنها تضع فريق من المساعدين الشخصيين في خدمة العميل في أي بلد يزوره حول العالم.
إلا أن كلفة الخدمات التي تقدمها هذه الشركات أعلى بمراحل من كلفة مثيلاتها لدى شركات حجز تذاكر السفر والحفلات المعتادة.
إذ تبدأ أسعار العضوية من نحو 5.000 جنيه استرليني سنويا لأدنى فئة من فئات العضوية "العضو دائم التعامل مع الشركة"، وتصل إلى 15.000 جنيه لفئة الصفوة.
وتتفاوت أسعار الخدمات الخاصة المصممة بحسب طلب العميل، ولكن الشركات رفضت أن تفصح عن مدى ارتفاع أسعار هذه الخدمات.
وتشرف غراهام على المكاتب العالمية في ولاية لوس أنجليس، ومدينة نيويورك، ولندن، ودبي، وهونغ كونغ، وتقول إن أيام العمل في هذه المهنة مليئة بالمفاجآت غير المتوقعة.
فقد طلب منها أحد العملاء مؤخرا أن تنظم احتفالا باذخا لعيد ميلاد شخص في الستين من عمره، في وادي نابا بولاية كاليفورنيا، في غضون يومين فقط، وخصص لها ميزانية مفتوحة، على أن تنظم أيضا مأدبة عشاء كاملة وسط مزارع الكروم، من إعداد أحد أمهر الطهاه الحائزين على نجوم التميز في دليل ميشلان للمطاعم.
لكنها تقول إن أصعب ما يواجهها هو أعمال التنظيم والتنسيق الطارئة. ففي إحدى المرات، استنجد بها أحد عملائها بعد أن تأخرت طائرته في مطار هونغ كونغ، وكان يريد أن يذهب إلى لندن في أسرع وقت لحضور اجتماع مهم بشأن بيع شركته، وبالطبع كانت ستترتب عواقب وخيمة على تفويت هذا الموعد.
وتقول غراهام: "في غضون 30 دقيقة، أستأجرنا له طائرة خاصة نقلته من مطار هونغ كونغ ووصل إلى لندن قبل الموعد المتوقع".
"البداية من المطار"
تقول إنديا لعملائها إن تجربة السفر المميزة تبدأ من المطار، وتنصحهم باستخدام صالات انتظار الصفوة البعيدة عن الأنظار بالمطارات، بعد أن جربتها بنفسها وأحست بالفرق.
وقد ظهرت مؤخرا صالات انتظار خاصة في بضعة مطارات مثل مطار لوس أنجليس، وفي لندن، وباريس، وجزيرة سانت كيتس على البحر الكاريبي. وهذه الصالات خارج برامج الولاء التي تقدمها الخطوط الجوية للمسافرين الدائمين على طائراتها، وتوجد في مكان منعزل عن المطار المعتاد، وتُفرض رسوم خاصة لدخولها.
وقد دُشن في وقت سابق هذا العام الجناح الخاص في مطار لوس أنجليس الدولي والذي يعد واحدا من صالات الانتظار الخاصة.
وتبدأ أسعار هذه الخدمة من 500 جنيه استرليني، وتوفر هذه الخدمة للعميل سائقا في سيارة فاخرة لنقله وضيوفه وأمتعتهم من الموقع الذي يفضلونه إلى جناح خاص بالمطار، حيث يكون في انتظارهم موظف يرشدهم إلى مكان خاص لإنهاء الإجراءات الأمنية لا يراهم فيه سائر المسافرين ولا يختلطون بهم.
ثم يسترخون في جناحهم الفاخر ويستمتعون بالخدمة المميزة حتى يحل موعد المغادرة، وبعدها تنقلهم سيارة إلى مهبط الطائرات حيث يصعدون درجات مخصصة لهم إلى الطائرة.
وبعد انتشار شركات السياحة الفاخرة، يبدو أن كل شيء أصبح ممكنا، ما دمت قادرا على توفير المال الكافي.
فيديو قد يعجبك: