الهند وإسرائيل.. من "فلسطين عربية" إلى تعاون "اخترق السماء"
كتب – محمد الصباغ:
كانت الهند دائمًا داعمة قوية للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولم تبدأ أية علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية إلا بعد مساعدات في شكل صفقات أسلحة وضغط اقتصادي وبحث عن المصلحة الخاصة قبل حل مشكلة فلسطين.
بعدما كانت ترفض تلقي شحنات أسلحة تحتاج إليها بشدة لأنها تحمل أعلامًا إسرائيلية، أنشأت الهند سفارتها في تل أبيب عام 1992، وكانت أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الهند في عام 2003، وهو آرييل شارون. وبمرور السنوات، تدرجت العلاقات الإسرائيلية مع الهند من ميل تام نحو الفلسطينيين و"نضالهم" من أجل الحرية، ثم تعاون عسكري في حروب خاضتها الدولة الآسيوية، ونهاية بعلاقات اقتصادية وزيارة أولى لرئيس وزراء هندي إلى تل أبيب في عام 2017.
ومع مرور 25 عامًا على بدء العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة رسمية إلى الهند تستمر لمدة 6 أيام. وخلال السنوات الخمس والعشرين قفز حجم التجارة بين الجانبين من 200 مليون دولار في عام 1992 إلى نحو 4.16 مليار دولار أمريكي خلال عام 2016.
وبينما كانت العلاقات قائمة على تصدير إسرائيل لأسلحة إلى الهند لمساعدتها في الحروب التي خاضتها في الماضي سواء ضد باكستان أو الصين، وقع الطرفان تسع اتفاقيات ليصل التعاون بين البلدين إلى مجالات الأمن الإلكتروني والفضاء والتنقيب والغاز والنفط، ووصف نتنياهو ما يدور بين البلدين حاليًا بجملة: "شيء مختلف يحدث الآن".
"فلسطين عربية"
الزيارة الطويلة التي تمتد لستة أيام تهدف إلى زيادة صادرات إسرائيل إلى الهند بنسبة 25%، ظهر الاهتمام الإسرائيلي بها من خلال حجم الوفد المرافق لنتنياهو حيث وصل عدد مرافقيه إلى 130 عضوًا.
وقالت وكالة فرانس برس، اليوم الاثنين، إن العلاقات بين البلدين فيما يخص مشتريات الأسلحة كانت تتم بعيدًا عن "أعين الرأي العام"، مضيفة أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي، كان "حزبه- دائمًا- معجبا بإسرائيل لنهجها الصارم تجاه الإرهاب".
حينما زار مودي إسرائيل في العام الماضي وجد استقبالا دافئًا وسكن بفندق الملك داوود حيث يقيم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية حينما يزورون إسرائيل، واشتهرت صورة له مع نتنياهو على شاطئ بحر حيفا وهما في حديث ظهر فيه الود بشكل كبير.
بالعودة إلى قبل إعلان قيام دولة إسرائيل، كان الأمر مختلفًا فكان الزعيم الهندي المهاتما غاندي يعتبر أن فلسطيني تنتمي إلى العرب كما تنتمي بريطانيا إلى البريطانيين وفرنسا إلى الفرنسيين، وعارض دائمًا محاولة اليهود زرع أنفسهم في فلسطين بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي فترة الخمسينيات شهدت الأمور تطورًا حيث اعترفت الهند رسميًا بدولة إسرائيل، ولكن التضامن مع القضية الفلسطينية ظل واضحًا. ومع ذلك صرح أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، جواهر لال نهرو، بأن قادة الدول عليهم أن يتصرفوا بأنانية حينما يتعلق الأمر بمصالح دولتهم وأن تأتي في المقام الأول حينما يتعلق الأمر بالعملية الجيوسياسية.
بداية التغلغل الإسرائيلي
بدأ التوغل الإسرائيلي في الهند مع الحرب الهندية الصينية عام 1962، وحينها كتب نهرو إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن جوريون وطلب أسلحة وذخائر. وخوفًا من إضرار ذلك بعلاقة الهند مع الدول العربية، رغب أن تأتي السفن المحملة بالأسلحة بدون رفع أعلام إسرائيل عليها.
استغلت إسرائيل الموقف ورفض بن جوريون طلب الهند، وأكد أن بلاده لن تساعد الهند إلا بسفن تحمل الأعلام الإسرائيلية وتبدأ الدولتان علاقات استراتيجية.
وخلال هذه الفترة كانت العلاقات قوية جدًا بين مصر برئاسة جمال عبد الناصر والهند بقيادة نهرو، وزار الرئيس المصري الهند عدة مرات واستقبلت القاهرة نهرو أكثر من مرة. ومن المعروف أن العلاقات كانت شديدة التوتر بشكل دائم بين إسرائيل ومصر آنذاك.
في عام 1971، بدأت حربًا بين الهند وباكستان وانتهت بوجود دولة بنجلاديش وشهدت الفترة مرحلة ثانية من بناء علاقات إسرائيل والهند، بحسب ما ذكرته صحيفة إنديا توداي.
حينها كانت شحنات أسلحة متجهة من إسرائيل إلى إيران، لكن أمرت رئيس الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بتغيير وجهتها إلى الهند. لكن أيضًا لم تفعل ذلك إلا بعدما طالبت الهند بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة.
علاقات "اخترقت الفضاء"
بعد عشرين عامًا وتحديدا في عام 1992 أعلن رئيس الوزراء الهندي ناراسيمها راو، بناء علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل، وقال إن القيام بذلك جاء بعدما وصلت عملية السلام بين الفلسطينيين الإسرائيليين اقتربت من التبلور. وبعدها بعامين تم توقيع اتفاقية أوسلو بوساطة أمريكية.
لكن السبب الآخر كان الضغط الأمريكي على الهند من خلال الاقتصاد، ليتحقق مطلب جولدا مائير الذي رغبت فيه من الهند في عام 1971.
ووقفت إسرائيل مع الهند في عدد من الأمور أبرزها التجارب النووية في عام 1998، حينما عارضت أمريكا وقوى غربية خطوات الهند في هذا الشأن. لكن ظهرت إسرائيل وملأت الفراغ الذي تركته أمريكا بعدما فرضت عقوبات على الهند، وعززت علاقتها العسكرية مع شبه القارة.
وفي العام الماضي، باتت العلاقات القوية عسكريا واقتصاديًا علنية وبشكل لا يمكن التشكيك فيه حينما بدأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارة تاريخية إلى إسرائيل هي الأولى لرئيس وزراء هندي منذ إقامة الدولة العبرية.
كتب مودي على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي "سلام على شعب إسرائيل"، ووقع الطرفان اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة. وقال مودي آنذاك إن "من شأن التعاون الحقيقي بين إسرائيل والهند أن يغير وجه العالم"، ليرد نتنياهو بعبارة توضح ما وصلت إليه العلاقات بين البلدين: "السماء لم تعد حدودا للتعاون بيننا، لأننا بالتعاون في مجال الفضاء اخترقنا حتى السماء".
فيديو قد يعجبك: