هل يتدخل الأسد لإنقاذ عفرين من براثن الهجوم التركي؟
بون (ألمانيا) – (دويتشه فيله):
الهجوم التركي على عفرين واستهداف أنقرة لوحدات حماية الشعب الكردية، سلطا الضوء على علاقة الأسد والنظام السوري مع أكراد بلاده، فهل تتدخل دمشق لنصرة الأكراد السوريين في عفرين من براثن عملية غصن الزيتون التركية.
مع تواصل الجيش التركي وحلفاؤه من الفصائل السورية المعارضة في هجوم عسكري، تصفه أنقرة بأنه يستهدف المقاتلين الأكراد في منطقة عفرين في شمال سوريا، بات من الواضح أن إعلان دمشق باعتبار العملية العسكرية التركية بأنها عدوانية وتدعم الإرهاب لا تعدوا كونها تصريحات إعلامية كما وصفها بعض المراقبين.
وكانت الخارجية السورية قد وصفت في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) العملية التركية بأنها "تمثل الخطوة الأحدث في الاعتداءات التركية على السيادة السورية".
ويشارك ميدانياً في الهجوم الذي أطلقت أنقرة عليه تسمية "غصن الزيتون" مجموعة من الفصائل السورية المعارضة التي تحاول التقدم داخل المنطقة آتية من الجهة التركية، مدعومة بالغارات الجوية والقصف المدفعي التركي.
النظام السوري والهجوم على عفرين
تعرف منطقة عفرين التي تضم أكثر من 360 قرية وبلدة في شمال محافظة حلب بطبيعتها الجبلية. تحدها تركيا من جهتي الشمال والغرب فيما تسيطر الفصائل المعارضة على المناطق الواقعة شرقها وجنوبها.
ويرى الأكاديمي والباحث في شؤون الشرق الأوسط، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس خطار أبو دياب في حوار مع DW عربية أن النظام السوري ألقى بالكرة إلى الجانب الروسي الذي أعطى "ضوءاَ أخضرا" لأنقرة.
وأوضح أبو دياب أنه برغم التصريحات السورية المهددة في البداية للتدخل التركي، إلا أن "استقلالية القرار التي يملكها النظام في دمشق محدودة للغاية، وأن القرار أصبح بيد الدول الوصية كما أسماها مثل روسيا والولايات المتحدة".
ولا يعتقد المحلل السياسي أن النظام سيغامر في الوقوف أمام تركيا حماية للأكراد السوريين في عفرين، بل بالعكس إذ أنه سيحاول الاستفادة من هذا الموضوع وقال "النظام السوري علمنا أنه يحاول دائما اللعب على المتناقضات، لذلك سيحاول بالتأكيد الاستفادة من هذا الموضوع".
من جهته يؤكد الخبير والمحلل السياسي الكردي المتواجد في ألمانيا صلاح علمداري لـ DW عربية انه لم يكن بإمكان تركيا شن الهجوم على عفرين لولا موافقة روسيا التي تسيطر على المجال الجوي في شمالها ولديها وجود عسكري في عفرين وتقيم علاقات جيدة مع وحدات حماية الشعب.
ويرى الخبير الكردي أن روسيا والنظام السوري استفادوا من التدخل التركي وذلك في صفقة سياسية على ما يبدوا تضمن غض الطرف عن تدخل عسكري محدود في عفرين مقابل سماح تركيا بتقدم قوات النظام السوري في مناطق نفوذ تركية بالقرب من إدلب.
وكان الجيش السوري قد أعلن أمس ألأحد (سيطرته الكاملة على مطار أبو الظهور العسكري في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
وقالت القيادة العامة للجيش السوري، في بيان لها الأحد، تلقت وكالة الأنباء الألمانية نسخة منه "استعادت قواتنا بالتعاون مع القوات الرديفة السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري و300 قرية وبلدة في المنطقة الممتدة بين أرياف حماة وإدلب وحلب، بعد تدمير آخر تجمعات وتحصينات التنظيمات الإرهابية فيها".
ويعتبر مطار أبو الظهور ثاني أكبر مطار عسكري سوري في الشمال السوري، وسيطرت عليه فصال المعارضة في سبتمبر 2015 ويوجد فيه 22 مدرجاً ويبعد 50 كيلومترا عن مدينة إدلب وتبلغ مساحته 8 كيلومترات مربعة تقريباً.
العلاقة بين دمشق والمقاتلين الأكراد
ويرى أبو دياب أن العلاقة بين القوات الكردية والنظام السوري شهدت حالة تسمى بـ "غض الطرف"، بين قواتها والقوات الكردية وخاصة وحدات حماية الشعب التي تستهدفها أنقرة في هذه العملية، وأوضح "لم تكن العلاقة في سلم الألويات وذلك لانشغال كل طرف في أمور أهم فرضتها التغييرات السياسة".
وتابع أن "العلاقات شهدت أيضا بعض الاشتباكات بين الطرفين تارة وبعض التقارب تارة أخرى كما حصل في منبج عندما انسحب الأكراد مفسحين الطريق للجيش النظامي، هذا لم يتكرر في عفرين".
وبحسب المحلل السياسي من فرنسا فإن الرفض الكردي لسحب قواتها كما حدث في منبج يدلل على أن "المشروع الكردي بلغ مرحلة أقوى من السابق وذلك عن طريق السيطرة على هذه المناطق".
وكانت وكالة الأنباء الألمانية قد نشرت بأن القوات الكردية في عفرين رفضت طلبا من قبل حكومة دمشق وروسيا تقضي بتسليم منطقة عفرين لقوات النظام السوري، وذلك قبل ثلاثة أيام من بدء الهجوم التركي.
كما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اليوم الاثنين عن القيادي في "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري إبراهيم إبراهيم أن اجتماعاً عقد قبل يومين من بدء الهجوم التركي على عفرين في قاعدة حميميم العسكرية، ضم مسؤولين أكراداً وآخرين من النظام السوري برعاية روسية، تلقى خلاله الأكراد عرضاً بتسليم عفرين إلى النظام، لتجنيبهم معركة تركية في عفرين.
وقال إبراهيم :"رفضنا الموضوع بالمطلق؛ لأن روسيا أرادت ابتزاز الإدارة الذاتية والضغط عليها للقبول بتسليم عفرين لقوات النظام السوري، وأن يعود النظام كاملاً إلى المنطقة".
الخبير الكردي علمداري قال إن التصرف الكردي "مفهوم وله مبرراته" بخصوص رفض طلب انتشار القوات السورية.
وأكد أن النظام السوري "يطمح ببسط قواته النظامية كما كانت في السابق دون مراعاة اعتبار الخصوصية الكردية"، وأوضح الخبير أنه في حالة منبج فقد جاءت الموافقة وذلك كون منبج "ليست مدينة كردية، ولا يمثل الأكراد هناك الأغلبية، بينما الحال في عفرين يختلف"، لذلك فإن الأكراد هناك لن يقبلوا بأن تحكم عفرين من قبل ضابط أمن فقط، كما كان الحال سابقا".
التدخل الدولي.. أفاق للحل
وأعرب المحلل السياسي الكردي علمداري عن أمله في أن تنجح الجهود السياسية الفرنسية في إيجاد ضغط دولي رادع لتركيا، وأكد أن الأكراد هم مكون أساسي من النسيج السوري و"لا يرغبون في الانفصال عن سوريا، إلا أنهم يرغبون في الحفاظ على خصوصيتهم هناك".
وقال علمداري إن فرنسا كان لها دور مشهود في انتزاع قرار حظر الطيران جنوب العراق في التسعينات. ولذلك قد تنجح في فرض معادلة أخرى أمام الهجوم التركي.
إلا أن المحلل السياسي خطار أبو دياب أعرب عن تشاؤمه من حل قريب وقال "إن روسيا وواشنطن تبديان تفهما للخطوة التركية، بالرغم من تصريحات واشنطن بضبط النفس".
وتابع" أعتقد أن الادعاء التركي بأن تكون العملية العسكرية سريعة غير صحيحة وسوف تستمر المعارك لفترة طويلة، خاصة أنه حتى لو فرضت تركيا سيطرتها هناك، فإن الحفاظ على هذه المناطق ليس بالأمر السهل".
ويرى مراقبون أن الجهود الدولية قد تؤدى إلى مشاركة أكبر للأكراد في التمثيل الدولي، إلا أنها لن نوقف الطموحات التركية في الشمال السوري.
فيديو قد يعجبك: