"لا يتحدون إلا في المصائب".. هل يوحد ترامب الأمريكيين في السلم؟
كتب - هشام عبدالخالق:
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، مقالًا تحليليًا لمراسلها، فيليب بامب، قال فيه: "كانت أول مرة يلقي فيها الرئيس دونالد ترامب خطابًا بعد فوزه بالانتخابات، في يوم 8 نوفمبر 2016، وقال حينئذٍ حان الوقت أن تطوي الولايات المتحدة جروح فرقتها بعد انتصاره العظيم".
وتابع ترامب في خطاب فوزه، "إلى جميع الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين في البلاد، حان الوقت لأن نتحد ونكون شعبًا واحدًا، وأتعهد لجميع مواطنينا بأن أكون رئيسًا لكل الأمريكيين، وهذا شيء مهم بالنسبة لي".
ولكن هذا لم يكن له تأثير- بحسب الكاتب- حيث اندلعت مظاهرات في اليوم التالي في جميع أنحاء الولايات المتحدة، واستمرت في بعض المناطق عدة أيام.
وكرر ترامب نفس الطلب مرة أخرى بحلول عيد الشكر من هذا العام، حيث قال في رسالة مسجلة: "حان الوقت لأن نستعيد الثقة بين المواطنين، لأنه عندما تتحد أمريكا فلا يوجد شيء لا يمكن تحقيقه".
ويوم تنصيبه، 20 يناير 2017، قال ترامب: "يجب أن نفكر بعقلنا، ونناقش اختلافاتنا بصراحة، ولكن نبحث دائمًا عن الوحدة، فعندما نتحد ستصبح أمريكا لا يمكن إيقافها".
ويقول الكاتب، في أول خطاب لحالة الاتحاد أمس الثلاثاء، حاول ترامب أن يثير موضوع الوحدة مرة أخرى، وقال خلال غذاء مع وسائل الإعلام: "آمل أن أتمكن من توحيد دولتنا، دون أن يكون هناك حدث جلل يضطر الناس لذلك، وأتمنى أن أكون قادرًا على توحيد الناس بدونه، لأن عادة يكون هذا الحدث الجلل شيئًا ليس جيدًا".
وفي الخطاب نفسه، دعا ترامب صراحة إلى وحدة الكونجرس، وقال: "اليوم، أدعوكم جميعًا لنبذ خلافاتكم، والسعي للوصول للوحدة التي نرغب بها، وخاصة بين الأشخاص المنتخبون من قبل الشعب والمفترض بهم خدمتنا".
ويضيف الكاتب، جاءت كلمات ترامب في وقت كان التحزُّب وصل لأقصى درجاته، وازدادت الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين في وجهات نظرهم حول الرئيس، وهي الهوة التي اتسعت أثناء حكم عدة الرؤساء السابقين، وسيكون من الصعب على أي رئيس أن يقلل من تلك الفجوة بين الحزبين الآن، وكما يقول ترامب: "سيتطلب الأمر تحديًا خارجيًا للقيام بهذا"، وكانت آخر مرة تم تقليل الفجوة بين الديمقراطيين والجمهوريين في أعقاب أحداث 11 سبتمبر الماضي.
وتابع، من المستحيل صرف النظر عن أن ترامب نفسه لم يقم بشيء يُذكر لتوحيد الأمريكيين، ومقابل كل خطاب لترامب يحث فيه على الوحدة، يوجد عدد من اللقاءات يهاجم فيها منتقديه السياسيين، و50 تغريدة - تقريبًا - يذم فيها الديمقراطيين، وقيم الحزب اليساري.
كانت تلك النزعة الترامبية - بحسب الكاتب - موجودة في الخطاب أيضًا، عندما قال ترامب إن جيشنا يذكرنا بـ "لماذا نحيي العلم، ونضع أيدينا على قلوبنا من أجل قسم الولاء، ولماذا نقف باعتزاز عندما تدق طبول النشيد الوطني"، وهاجم ترامب مرة أخرى مظاهرات "النشيد الوطني" ضد عنف الشرطة - وتتمثل في رفض بعض اللاعبين الرياضيين الوقوف أثناء النشيد الوطني في المباريات اعتراضًا على عنف الشرطة، ثم انتقلت لعدة مدن وأماكن في الدولة - ويدعم كلًا من الأمريكيين السود والديمقراطيين تلك المظاهرات طبقًا لإحصاء أجرته شبكة سي إن إن في سبتمبر 2017.
عندما ذكر ترامب تلك القضية صفق بعض مؤيديه، ولكنها ذكّرت معارضيه بغضبهم من مواقف ترامب حول القضايا العرقية، ومن الجدير بالملاحظة أن نذكر - كما يقول الكاتب - أنه لم يكن هناك داع لذكر تلك القضية على الإطلاق في الخطاب، فلم تكن جزءًا هامًا من حديث ترامب.
وفي خطابه أمام الكونجرس أمس أيضًا، قال ترامب واحدًا من أكثر الاقتباسات التي سيتذكرها الكثيرون لأجيال قادمة، والتي ذكر فيها: "من واجبي، وواجب كل فرد مُنتخب في هذه الغرفة، أن يدافع عن الأمريكيين، ويحمي أمنهم، عائلاتهم، مجتمعاتهم، وحقهم في أن يؤمنوا بالحلم الأمريكي، لأن الأمريكيين أيضًا حالمون".
وتابع تحليل الكاتب، جملة "الأمريكيون حالمون"، هي استيلاء على كلمة "حالمون" والتي تستخدم لوصف عدد من المهاجرين غير الموثقين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة صغارًا، وكان الحالمون مصب اهتمام المناقشات الأخيرة عن قوانين الهجرة، وبتلك الكلمات، قال ترامب لهم ولجميع الأمريكيين إن هؤلاء المهاجرين لا يستحقون معاملةً خاصة، وقال أيضًا إن المهاجرين جزء من مجتمع آخر بخلاف الأمريكيين، فالأمريكيون - من وجهة نظر ترامب - هم المواطنين، وذلك عندما قال جملة: "كل مواطن يشاهدنا الآن في المنزل"، مُخبرًا إياهم بـ "معًا نستطيع تحقيق كل شيء".
وقال الكاتب، حديث ترامب البليغ عن الوحدة لم يكن صادقًا أبدًا، فترامب يرى أن الاتفاق السياسي بنفس الطريقة التي يرى بها وزارة العدل أو الجيش، كشيء مملوك له طالما ظل رئيسًا، وتلك المطالبات بالوحدة هي مجرد مطالبات للدولة بأن تسانده وتلتزم بأهداف سياسته.
واختتم الكاتب تحليله قائلًا: "يطالب ترامب دائمًا بالولاء، ويلقي خطابات حول ضرورة وحدة الأمريكيين، ثم يذكرهم بلماذا لا يريدون ذلك، وبعض تلك الأشياء لا يمكن تجنبها، كعدم قدرة الجمهوريين على أن يدعموا باراك أوباما على سبيل المثال".
فيديو قد يعجبك: