باحث أمريكي للإيرانيين: لا تعولوا على أمريكا.. اعتبروا من الربيع العربي
كتبت - رنا أسامة:
رأى الباحث في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، بيري كاماك، أن الدعم الأمريكي للتظاهرات في طهران لا ينبغي التعويل عليه لإحداث التغيير الذي يصبو إليه الإيرانيون في مواجهة فساد نظام ولاية الفقيه. وأكد أن "التغيير المنشود في إيران لن تُحقّقه الولايات المتحدة، لكن الإيرانيين أنفسهم".
وقال "كاماك" في مقال بصحيفة "ذا هيل" الأمريكية: "عندما ينتفض متظاهرون سلميون في وجه حكومة استبدادية، تدعمهم أمريكا تلقائيًا؛ لاسيّما إذا كانت الحكومة التي يُعارضها هؤلاء المتظاهرون تُغذي الطائفية والإرهاب وتتخذ من (الموت لأمريكا) شعارًا ثوريًا لها".
ودانت الولايات المتحدة اعتقال الحكومة الإيرانية للمتظاهرين السلميين، وقال بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، السبت الماضي: "تحوّلت إيران من دولة غنية ذات تاريخ وثقافة غنية، إلى بلد شرير وضعيف، أهم صادراته هو العنف وإراقة الدماء والفوضى".
وتابع كاماك: "لكن تجربة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تكن سعيدة في السنوات الأخيرة. فبينما تبحث إدارة ترامب والكونجرس كيفية التعامل مع الانتفاضة الشعبية المثيرة في جميع أنحاء إيران، هناك 4 نقاط ينبغي على الإيرانيين أخذها في الاعتبار حيال أمريكا".
ومضى الباحث في تفنيد هذه الاعتبارات، وأولها أن قدرة أمريكا على التأثير على ديناميات الثورات الشعبية محدودة؛ فالنظر إلى الخطاب الأمريكي خلال ثورات الربيع العربي في عام 2011، خير دليل، بحسب قوله.
وأشار كاماك إلى أن الولايات المتحدة كان لها تأثيرًا كبيرًا خلال ثورة 25 يناير 2011، بحكم ما تُقدّمه من مُساعدات أمنية كُبرى لمصر، ظهر جليًا في دعواتها للجيش بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين في ميدان التحرير. لكن قرار الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بالتنحي لم يكن نتيجة للضغط الأمريكي.
وعلى النقيض من ذلك في سوريا، وقبل أن تتحوّل الانتفاضة السلمية إلى حرب أهلية وحشية، لم تتدخّل الولايات المتحدة في دعم المحتجين أو إقناع حكومة بشار الأسد بتخفيف ردة فعلها العنيف إزاء المتظاهرين.
الأمر الثاني، بحسب كاماك، هو أن تغيير أي نظام مدفوعًا بمساعدات خارجية عادة ما تلحقه عواقب وخيمة "غير مقصودة". وبالنظر إلى الدور الأمريكي في الشرق الأوسط منذ عام 2003، يمكن للمرء أن يفترض أن "تغيير النظام" كان سيختفي من السياسة الخارجية للولايات المتحدة. حتى ظهرت دعوات مرة أخرى إلى تغيير النظام الإيراني من قِبل مسؤولين أمريكيين سابقين".
وفي الشرق الأوسط، حيث تفشل الثورات السِلمية في تحقيق نتائج سريعة، يُشير كاماك إلى أنها تميل إلى أن تتحوّل إلى صراعات مسلحة كارثية، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن.
وحتى في حال نجحت تلك الثورات، يُمكن أن تأتي الأنظمة الجديدة أسوأ من أسلافها؛ إذ تحِل القوى الراديكالية والرجعية محل المعتدلة، كما حدث في مصر بعد ثورة يناير عام 2011، والأهم من ذلك، أن الأمر نفسه حدث في إيران نفسها بعد الإطاحة بالشاه في ثورة 1979، ليُنتزع الحكم من قِبل القِوى الدينية التي أنشأت الجمهورية الإسلامية.
وفيما يتعلّق بالجهود الرامية إلى تعزيز أهداف سياسية مُحدّد في البلدان الأجنبية، رجّح الباحث الأمريكي أن تبوء جميعها بالفشل. يقول كاماك "بينما يشعر الأمريكيون بالغضب من التدخّل الروسي في شؤوننا الداخلية، يُحتمل أن يرفض الإيرانيون التدخل الأمريكي المباشر في شؤونهم. وبقدر ما تدعم الولايات المتحدة الاحتجاجات الإيرانية، ينبغي لها أن تُركّز المُثل العُليا التي تتبنّاها، بدلًا من محاباة جماعات معارضة أو تفضيل سيناريوهات معيّنة".
وأضاف: "من واقع تجاربنا في العراق وسوريا وغيرها من البلدان، فإن الدعم المالي أو السياسي للمعارضة الإيرانية يُرجّح إما أن يُبدّد أو يُسرق من قِبل مجموعات معادية للمصالح الأمريكية".
وتوقّع الباحث الأمريكي أن تخطف العقوبات واسعة النطاق المفروضة على إيران، الأنظار عن فساد الحكومة الإيرانية وسوء تصرّفها المالي، بما ستُحدِثه من اضطرابات اقتصادية للأشخاص الذين نحاول دعمهم ظاهريًا.
وأشار إلى أن النهج الأفضل الذي يُمكن للولايات المتحدة أن تتبعه في هذه الحالة، هو دعم التدابير التي تحِدّ من قدرة طهران على قمع حرية التعبير أو الجهود الرامية إلى الحفاظ على أدلة الطب الشرعي التي تُسجّل انتهاكات حقوق الإنسان.
وأخيرًا، أوصى صُنِاع السياسات في أمريكا بضرورة عدم الخلط بين الاضطرابات الداخلية لإيران وسلوكها الخارجي، لا سيما وأن من يدعمون الانتفاضة الإيرانية يفعلون ذلك بدافع تحقيق مصالح خارجية لا التضامن مع مطالب المتظاهرين، وفق قوله.
لكن محاولات تأجيج الانتفاضة في إيران دعمًا لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك إضعاف قوات الحرس الثوري أو تقييد النفوذ الإيراني في سوريا، يُحتمل ألا تلقى ترحيبًا من جانب المتظاهرين، ما يقود إلى فشلها في نهاية المطاف، حسبما يُرجّح "كاماك".
ويقترح البعض أن يُسرّع إلغاء الاتفاق النووي من الضغط على حكومة إيران. وفي هذا الصدد، يرى "كوماك" أن هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الاتفاق أكثر أهمية بالنسبة للشعب الإيراني، مقارنة بمؤسسّته الأمنية القمعية.
والأهم من ذلك، بحسب كاماك، أنه ينبغي تقييم الاتفاق النووي باعتباره أداة لعدم الانتشار، وليس أداة لإجبار التغييرات الداخلية.
وأكّد أنه "من المهم أن يدعم المسؤولون الأمريكيون المطالب الإيرانية، الممثّلة في سيادة القانون والشفافية وإتاحة الفرص الاقتصادية والحريات الشخصية. ولكن من المهم أيضًا الاعتراف بأنهم مجرد (عابري سبيل) في العملية الدينامية التي ستتحدّد نتائجها بشكل مباشر داخل إيران نفسها.
واختتم الباحث الأمريكي مقاله بالقول: "في خضم العديد من أشكال الصراع في الشرق الأوسط، من المؤكد أن التغيير الثوري سيكون أفضل من الانهيار الثوري، للشعب الإيراني وللاستقرار الإقليمي الشامل على السواء".
فيديو قد يعجبك: