الاستعلامات: زيارة السيسي لروسيا تطلق مرحلة جديدة في العلاقات السياسية والاقتصادية
كتب- محمد نصار:
قالت الهيئة العامة للاستعلامات، إن الزيارة التي يجريها الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى روسيا، تعد محطة أخرى ذات أهمية كبيرة في مسيرة العلاقات بين البلدين والتي شهدت على مدى السنوات الـ5 الأخيرة تطورات ملموسة في مختلف المجالات.
وأضافت الهيئة، في بيان، اليوم الاثنين، أن هذه الزيارة تعد الرابعة للرئيس إلى روسيا منذ زيارته الأولى لها كوزير للدفاع في عام 2014، كما أن هذا هو اللقاء التاسع بين الرئيس السيسي وفلاديمير بوتين خلال هذه الفترة.
وأوضحت الهيئة، أن هذه القمة ستدشن لمرحلة جديدة على طريق تطوير العلاقات بين البلدين، والتفاهم السياسي بين القيادتين.
المستوى الثنائي
وتابعت الهيئة: "على المستوى الثنائي، فإن هذه القمة تُعقد وقد انقشع – أو كاد ينقشع تمامًا – غبار حادث سقوط طائرة الركاب الروسية، خاصة بعد أن عادت رحلات الطيران الروسي إلى القاهرة، بل إن من المنتظر أن تغلق هذه الزيارة ما بقى من تداعيات هذا الملف بالاتفاق على عودة رحلات الطيران السياحي الروسي إلى المنتجعات المصرية".
وتوقعت هيئة الاستعلامات، مزيد من التطور الإيجابي بعد أن وصل حجم التبادل التجاري إلى نحو 6.5 مليار دولار سنويًا، الأمر الذي يضع روسيا ضمن أكبر شركاء مصر التجاريين مثل الصين والإمارات وإيطاليا والولايات المتحدة، إذ أن ما يشغل مصر على هذا الجانب هو التخفيف من العجز في الميزان التجاري بين البلدين حيث لا يزيد نصيب الصادرات المصرية إلى روسيا من هذا الرقم الكبير عن 500 مليون دولار، وبقية الرقم يتعلق بالصادرات الروسية لمصر، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من الجهد من جانب المصدرين المصريين ومزيد من التسهيلات من الجانب الروسي لدخول المنتجات المصرية.
ونوهت الهيئة إلى أنه قد مر عام كامل على توقيع اتفاقية إنشاء مشروع انتاج الطاقة النووية في مصر في منطقة الضبعة والذي تم التوقيع عليه في 11 ديسمبر 2017 في القاهرة، وهو أكبر مشروع مشترك بين القاهرة وموسكو منذ مشروع السد العالي، كما أن له أبعادًا اقتصادية ومالية واستثمارية فضلًا عن نقل التكنولوجيا المتقدمة في هذا المجال الذي تحتاجه مصر في إطار استراتيجية متكاملة في مجال الطاقة ستجعل من مصر مركزًا إقليميًا وعالميًا لإنتاج وتداول الطاقة بكل مكوناتها ومصادرها المتجددة وغير المتجددة.
وذكرت الهيئة، تعجل مصر في إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خاصة بعدما حقق الاقتصاد المصري خطوات كبيرة علي طريق الاستقرار والنمو والانطلاق، وأصبحت مصر جاذبة للاستثمار بكل المعايير.
الصعيد الإقليمي
يتضمن لقاء الرئيسين السيسي وبوتين، التباحث بشأن القضايا الإقليمية خاصة في سوريا وليبيا واليمن ومن المؤكد أن أي توافق بين البلدين سيكون عنصرًا مؤثرًا بشأن قضايا منطقة الشرق الأوسط بعد ما أثبتت الأحداث في الفترة الأخيرة أهمية دور كل من مصر وروسيا الحيوي في معادلات المنطقة، كما أثبتت التقارب الكبير في وجهات النظر بين البلدين وموقفيهما إزاء معظم قضايا المنطقة.
لمحات ودية
في الوقت نفسه، يكشف تعامل الجانب الروسي مع الزيارة مدى الاهتمام بالعلاقات المصرية الروسية وبأهمية العلاقات بين قيادتي البلدين، فقد تضمن الإعلان الرسمي عن الزيارة من الجانب الروسي التعبير عن الترحيب والاهتمام بها وبأهمية المباحثات التي ستتم خلالها، كما تحدث أكثر من مسئول روسي في هذا الشأن.
كما تضمن جدول الزيارة، إلقاء الرئيس السيسي كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسي وهو الغرفة الأعلى للبرلمان هناك، كأول رئيس لدولة أجنبية يمنح هذه الفرصة، وهي إشارة أخرى للمناخ الإيجابي والودي من الجانب الروسي، وتعبير عن التقدير لمصر ورئيسها.
8 لقاءات سابقة
التقى الرئيسان السيسي وبوتين 8 مرات سابقة، ففي 2014 زار السيسي روسيا بصفته وزيرًا للدفاع مع وزير الخارجية آنذاك، وأعلن أن زيارته لموسكو بمثابة انطلاقة جديدة للتعاون العسكري والتكنولوجي، وفي أغسطس 2014 كانت أول زيارة للرئيس السيسي، إلى روسيا، حيث عقد مباحثات ثنائية بوتين، وتم الاتفاق على إقامة منطقة صناعية روسية كجزء من المشروع الجديد لقناة السويس، وفي فبراير 2015 زار بوتين مصر لمدة يومين، ووقع البلدان العديد من الاتفاقيات خلالها في مختلف المجالات.
وفي مايو 2015 شارك السيسي خلال زيارته لروسيا في احتفالات الذكرى الـ70 لانتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية، وفي أغسطس 2015 بحث السيسي وبوتين، زيادة التبادل التجاري بين البلدين والمشروعات الاستثمارية المشتركة المزمع اقامتها وامكانية انشاء مصر منطقة للتجارة الحرة مع دول الاتحاد الجمركي الأوراسي، وفي سبتمبر 2016 التقى الرئيسان على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين، التي استضافتها مدينة هانجشو الصينية، كما التقي السيسي وبوتين من جديد على هامش قمة مجموعة البريكس، التي عقدت بمدينة شيامن الصينية سبتمبر 2017 والتي تناولت عدداً من القضايا الثنائية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي ديسمبر 2017 قام الرئيس بوتين بزيارة لمصر وقع خلالها اتفاق مشروع الضبعة النووي.
حجم التبادل التجاري
بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وروسيا خلال العام الماضي 6.5 مليار دولار معظمها صادرات روسية لمصر فيما تبلغ صادرات مصر إلى روسيا أكثر قليلًا من 500 مليون دولار.
وعلى صعيد الاستثمارات، تم الاتفاق بين الجانبين المصري والروسي بشأن إنشاء منطقة صناعية روسية في شرق بورسعيد التابعة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ستقام هذه المنطقة الصناعية على مساحة 5 كيلو مترات مربعة باستثمارات تبلغ 7 مليارات دولار في شرق بورسعيد للصناعات اللوجستية، وستوفر ما يقرب من 35 ألف فرصة عمل.
التعاون العلمي والثقافي
تأثر المصريون في مجال القصة والرواية والشعر بالتجربة الروسية في الأدب مثل أعمال "تولستوي، وتشيخوف، ودوستويفيسكي، وبوشكين" ومنذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر شهدت مصر لأول مرة نزوح أحد رواد الثقافة العربية والإسلامية هو الشيخ محمد عياد الطنطاوي، الذي اهتم بالأدب الروسى والثقافة الروسية ليكمل حياته هناك.
سد عالٍ جديد
التعاون المصري الروسي في إنشاء محطة نووية لإنتاج الطاقة في منطقة الضبعة يعيد إلى الأذهان إلى حد كبير التعاون بين القاهرة وموسكو في بناء السد ي، فكل من المشروعين له طابع استراتيجي مهم، ويمثل نقلة في استخدام التكنولوجيا الحديثة من أجل صالح ورخاء الشعب المصري.
وبدأت أولى خطوات هذا المشروع الكبير في عام 2015 حيث وقع الرئيسان اتفاقية لإقامة محطة نووية في منطقة "الضبعة" في مصر، وهي الخطوة التي تدشن دخول مصر عصر تكنولوجيا الطاقة المتجددة من خلال الاستخدام السلمي للطاقة النووية على نطاق واسع، وتستوعب محطة الضبعة إنشاء 8 محطات نووية تتم على 8 مراحل، الأولى تستهدف إنشاء محطة تضم 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بقدرة إجمالية 4800 ميجاوات، ويتم تمويل مشروع المحطة النووية بالضبعة من خلال القرض الروسي والذي يقدر بـ25 مليار دولار على مدى 13 دفعة سنوية متتالية ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي في المشروع في عام 2022 ويكتمل الإنجاز في عام 2028.
علاقات متجذرة
يشير تقرير هيئة الاستعلامات إلى أن العلاقات المصرية الروسية علاقات تاريخية، كانت فترة ازدهارها في الخمسينيات والستينيات، ولكن جذورها تمتد أبعد من ذلك بكثير، ففي 26 أغسطس 1943 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفييتي ومصر وتمت الخطوة الأولى للتعاون بين الطرفين في أغسطس عام 1948، حين وقعت أول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وشهدت العلاقة تطورات بارزة بعد ثورة يوليو عام 1952، حيث ساند الاتحاد السوفيتى مصر بقوة في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، ثم تقاربت سياسات الدولتين عالميًا في مساندة حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتخلص من الاستعمار الغربي، وكذلك في دعم تجمعات العالم الثالث كحركة عدم الانحياز وغيرها.
وعلى الصعيد الثنائي، كان الاتحاد السوفيتى أكبر مساند لمصر عالميًا وأمدها بالأسلحة والمعدات العسكرية والدعم السياسي المطلق، الأمر الذي مكن الشعب المصري من خوض حرب أكتوبر عام 1973 التي خاضتها مصر بسلاح روسي في المقام الأول.
وعلى صعيد التنمية، دعم الاتحاد السوفيتي، جهود مصر التنموية في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وقدم لمصر المساعدة في تشييد السد العالي الذي كان أكبر رمز للتعاون المصري السوفيتى، خاصة وأن معركة بنائه كانت ذات أبعاد سياسية تتعلق بالكرامة الوطنية بعد رفض الغرب تمويل السد من المؤسسات الدولية، فضلًا عن حاجة مصر إلى مساعدات فنية وهندسية في عملية البناء.
وفي بداية التسعينيات كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991. وتطورت العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني، وتم تبادل الزيارات الرئاسية خاصة فى عهد الرئيس بوتين حيث تم توقيع اتفاق تعاون مصري روسي مشترك وسبع اتفاقيات تعاون عام 1997، ثم اتفاقيات أخرى مهمة خلال الأعوام التالية.
وشهدت العلاقات السياسية بين البلدين تطورًا إيجابيًا عقب ثورة الثلاثين من يونيو عام 2013 بدأت بزيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين إلى مصر في 14 نوفمبر 2013، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع المصريين إلى روسيا يومي 12 و13 فبراير 2014، وتوالت هذه الاجتماعات بانتظام بصيغة "2+2" بما يجعل مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تبنت موسكو معها هذه الصيغة التي تتبناها روسيا مع خمس دول أخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.
فيديو قد يعجبك: