عن نظرة المُغتصب ورائحته النتنة.. مقال لنادية مراد الفائزة بـ "نوبل" في الجارديان
كتب - هشام عبدالخالق:
"كان سوق الرقيق يفتح أبوابه في المساء، وكنا نستطيع سماع الضجة في الطابق السفلي حيث كان المسلحون يسجلون أسمائنا، وعندما بدأ الرجال في دخول الغرفة التي تم احتجازنا بها، صرخت جميع الفتيات كما لو كان انفجارًا عنيفًا وقع". بتلك الكلمات بدأت الفائزة بجائزة نوبل للسلام لهذا العام نادية مراد مقالها في صحيفة "الجارديان" البريطانية، عن التجربة التي عاشتها كأسيرة استعباد جنسي لدى داعش.
وتقول مراد، في مقالها المنشور اليوم: "لم توقف صرخاتنا ولا توسلاتنا أي من الجنود الذين وقفوا يحدقون بنا، وبدأوا في أخذ الفتيات الجميلات أولًا، ويسألونهن عن أعمارهن، ويفحصن شعرهن وأفواههن، وسألوا الحارس عما إذا كانت هؤلاء الفتيات عذارى أم لا، ليجيب بمنتهى الثقة "بالطبع"، ومن ثم بدأ أفراد التنظيم في لمس أجسادنا من كل مكان يمكنهم الوصول إليه".
وتضيف الفائزة بنوبل للسلام، عندما ارتفع صُراخ النساء والفتيات بدأ الداعشيون في مطالبتهم بالتزام الصمت المطبق، ولكن أوامر الجنود دفعت الفتيات للصراخ بصوت أعلى، وحاولت المقاومة ودفع الأيدي التي كانت تحاول أخذي وكان هذا تصريح مني بـ "إذا ما قُدر لأحد أعضاء التنظيم أن يأخذني فهذا لن يكون سهلًا"، وقامت النساء الأخريات بهذا أيضًا.
وتابعت مراد، أن بعد ذلك جاء أحد أفراد التنظيم الأكبر رتبة، والذي كان لديه فتاة إيزيدية وكان جاء إلى المنزل بغرض تبديلها بفتاة جديدة، وصرخ فيّ "قفي"، وكان هذا الضابط ذو الرتبة العالية يبدو كالوحش بوجهه المغطى بالشعر من كل جانب.
وتقول مراد، في مقالها، إن تنظيم داعش خطط لمهاجمة سنجار في شمال العراق والاستيلاء على الفتيات واستخدامهن كأسيرات والمتاجرة بهن في سوق الرقيق، ودرس كل شيء من اقتحام المنازل وطرق تقدير قيمة الفتاة، وأي أفراد التنظيم استحقوا السبايا كهدية وأي منهم يجب عليه دفع ثمنها.
وتوضح مراد، أن هذا ليس شيئًا تفرد به تنظيم داعش، فاستخدام العنف الجنسي خلال الحرب له تاريخ طويل، وأنا لم يكن في اعتقادي أبدًا أنني سأتشارك مثل هذه التجارب السيئة مع النساء في رواندا مثلًا، ولكنني الآن يربطنا شيء واحد من الصعب للغاية الحديث عنه بهم بأسوأ طريقة ممكنة وهو أننا أصبحنا ضحايا جرائم حرب، ولم يتم مقاضاة أحد عن ارتكاب هذه الجرائم.
وتستطرد مراد، الفائزة بنوبل للسلام عن دورها في إنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحروب، "فكرتُ كثيرًا في الضابط الأعلى رتبة، وكم كان متوحشًا وذو رائحة نتنة تشبه البيض المتعفن، وأنني لن أستطيع مقاومته مهما فعل، ولذا نظرت حولي ورأيت رجلًا ذو أقدام صغيرة وتوسلت إليه أن يأخذني معه، وقلت له: "افعل بي ما تشاء ولكنني لا أستطيع الذهاب مع هذا العملاق"، ولا أدري لماذا وافق على أخذي معه، وكان هذا الرجل قاضيًا في الموصل ولم يعارضه أحد".
وتقول الصحيفة، استطاعت نادية مراد بعد ذلك الهرب من مختطفيها وتم تهريبها خارج العراق في أوائل عام 2015 إلى ألمانيا، وعملت هناك للتوعية بمخاطر الاتجار في البشر.
وتقول مراد عن تجربتها في التوعية بمخاطر الاتجار في البشر: "في نوفمبر 2015، بعد مرور عام وثلاثة أشهر على مجيء تنظيم داعش إلى مدينتي، غادرت ألمانيا متجهة إلى سويسرا للتحدث في منتدى الأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أروي فيها قصتي أمام جمهور كبير، ولكنني أردت التحدث عن كل شيء - الأطفال الذين ماتوا بسبب الجفاف هربًا من داعش، والأسر التي لا تزال عالقة في الجبال، وآلاف النساء والأطفال الذين لا يزالون في الأسر، وما شاهده أشقائي في مواقع المجزرة، لقد كنت واحدة من مئات الآلاف من الضحايا من الإيزيديين، وكان مجتمعي متفرقًا، يعيشون كلاجئين داخل وخارج العراق، وكان العالم بحاجة لسماع ما يحدث للإيزيديين".
وتضيف مراد، رويت قصتي في الأمم المتحدة حتى يعلم الجميع أنه لا يزال الكثير مما لم يتم تنفيذه في العراق، حيث يجب تأسيس منطقة آمنة للأقليات الدينية، ومحاكمة أفراد داعش من القادة حتى المواطنين الذين دعموهم بسبب ارتكابهم لجرائهم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وأخبرتهم عما فعله القاضي بي في بيته وكل الاعتداءات وعمليات الاغتصاب التي مررت بها.
وتقول مراد: "كل مرة أروي قصتي تمثل صدمة بالنسبة لي فأنا أعيشها مرة أخرى، وعندما أحكي كيف كان يغتصبني الرجال في نقاط التفتيش، أو إحساس سوط القاضي الذي أخذني أسيرة في بيته وهو يضربني، فأنا أنتقل مرة أخرى إلى تلك الأحداث وكأنني أعيشها ثانية".
وأكدت مراد أن قصتها تمثل أفضل سلاح لديها ضد الإرهاب، وأنها تنوي استخدامها حتى يتم تقديم هؤلاء الإرهابيين للمحاكمة، ويجب على قادة العالم وخاصة قادة العالم الإسلامي أن يحموا المظلومين.
وتقول مراد في ختام مقالها: "أود أن أنظر للرجل الذي اغتصبني في عينيه وأراه يخضع للعدالة، وأهم شيء أنني لا أريد لفتاة أخرى أن تمر بنفس ما مررت به".
فيديو قد يعجبك: