مركز بحثي: التحالف الاستراتيجي يحمي العلاقات التركية الإسرائيلية
كتب – سامي مجدي:
قال مركز بحثي أمريكي معني بالشؤون الاستخباراتية إن التحالف الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل في الشرق الأوسط الذي عززه هدفهما الحد من النفوذ الإيراني ومنع دول عربية أخرى من الاصطفاف ضدهما، سيحمي العلاقات بين أنقرة وتل أبيب من "الصدمات الخارجية".
وأضاف مركز ستراتفور في تقييم نشره الاثنين أن الجهود الأمريكية المكثفة لإيجاد حلفاء إقليميين يمكنها الاعتماد عليهم في احتواء إيران من شأنها أن تبقي البلدين متقاربين.
وأشار المركز إلى دفاع تركيا عن إقامة دولة فلسطينية. وقال إن هذا يوفر لتركيا مصداقية مهمة أمام العالم الإسلامي، في حين أنه يتعارض مع الاستراتيجية الدفاعية للدولة العبرية.
في التفاصيل، يقول ستراتفور إن إسرائيل وتركيا يبدو أنهما في طور اختبار استعداداتهما لاستئناف العلاقات الدبلوماسية. فالمسؤولون من البلدين يعتقد أنهما التقيا في الإمارات العربية المتحدة الشهر الماضي لبحث تحسين تلك العلاقات التي توقفت منذ مايو.
هناك إشارات أخرى على التقارب التركي الإسرائيلي، بحسب تقييم المركز.
يقول ستراتفور إن تركيا أرسلت مؤخرا ملحقا اقتصاديا إلى إسرائيل التي فتحت بدورها قائمة داخلية لاختيار سفير محتمل إلى تركيا. ويخلص التقييم إلى أن البلدين – وهما متحالفتان في بعض الأحيان، ومتعاديتان في أحيان أخرى - يُدفعان مرة أخرى نحو تسوية، فيما يتحركان لمواجهة إيران والتوافق مع المطالب الأمريكية والدفاع عن مواضعهما في الشرق الأوسط.
"البحث عن أرضية مشتركة"
يقول المركز الأمريكي إن هناك الكثير من العوامل الاستراتيجية التي تربط تركيا وإسرائيل؛ فهما قوتان غير عربيتين محوريتين في المنطقة وحاسمتين في توازن القوى، التي تضم إيران الفارسية والقوى العربية وعلى رأسها السعودية.
وأضاف ستراتفور إلى أن تركيا تحتفظ بأقوى قوة بحرية، فيما إسرائيل لديها أقوى سلاح جو. وكل منهما ترى الأخرى قوية بما فيه الكفاية لمعاداة الأخرى.
وأوضح المركز أن إسرائيل حتى تحمي نفسها في منطقة لا تكن لها أي ود، عليها أن تحافظ على الأقل على "علاقة عمل" مع تركيا. بديل ذلك يعني – بحسب ستراتفور – أن عليها أن تتعامل مع قوة إقليمية كبرى في الوقت الذي تتعايش فيه مع دول عربية معادية لها إلى جوارها.
بالعودة إلى الوراء قليلا، قال المركز إن إسرائيل كان عليها خلال العقدين الماضيين، التكيف مع طريقة تركيا في بناء علاقاتها الإقليمية. وهي طريقة ضمت الدخول في معارك مع إسرائيل خاصة حول معاملة سلطات الاحتلال للفلسطينيين وذلك حتى تجتذب الجمهور العربي.
وبالنسبة لتركيا، أوضح ستراتفور أن علاقة إسرائيل مع فصائل كردية بعضها مسلح تصطدم مع هدف أنقرة في إضعاف قيام دولة كردية محتملة على حدودها بالشكل الذي يهدد تركيا نفسها. ومن شأن إبقاء إسرائيل قريبة مع تركيا أن يساعد في منع تل أبيب من تسليح تلك الفصائل الكردية مرة أخرى.
يقول المركز إن أهداف تركيا وإسرائيل الإقليمية تتداخل رغم الاختلافات، خاصة عندما يتعلق الأمر باحتواء نفوذ إيران. وهذا يظهر بشكل أوضح في الصراع السوري، حيث تريد تركيا وإسرائيل أن تبتعد دمشق عن طهران وتتقارب مع أنقرة.
"في حين أن إسرائيل معنية بالدرجة الأولى باستقرار أركان سوريا التي تؤثر على حدودها، إلا أن الوجود الإيراني هناك يزعزعها. مثل روسيا، يمكن لتركيا أن تؤثر على الوجود الإيراني لكنها لا تستطيع السيطرة عليه. وتعرف إسرائيل أيضًا أن تركيا، وهي ناشطة في سوريا أكثر من أي قوة أخرى، ذات أهمية بالغة لضمان بقاء الجماعات المتمردة هناك بعيدة عن الفصائل المتطرفة".
في لبنان، يقول المركز إن الدولتين سعتا إلى كبح نفوذ حزب الله، وإن بوسائل مختلفة. فإسرائيل تحارب حزب الله من وقت لآخر، وتبقي على توسعها العسكري تحت السيطرة. أما تركيا فقد اختارت اتباع نهج أكثر دقة وتدرجاً من خلال دعم القوى السياسية والأمنية المعارضة لإيران، ومقاومة حزب الله وغيره من وكلاء طهران.
"العلاقات الاقتصادية"
يقول ستراتفور إن تحسن التجارة بين إسرائيل وتركيا هو الهدف الأكثر عمقا، مشيرا إلى أنه حتى في أوقات الخلاف الدبلوماسي، استمرت أعمال الاستيراد والتصدير قائمة على قدم وساق بين البلدين.
أوضح أن إسرائيل تستورد ما قيمته ثلاثة مليارات دولار من المواد الخام والسلع المصنعة، مثل الأسمنت والصلب والطماطم، من تركيا، التي تبرز هشاشتها الاقتصادية الحالية أهمية علاقتها التجارية. وتساعد تلك الواردات في ضمان أن تحصل الشركات الإسرائيلية على إمدادات ثابتة من المواد.
وبالنسبة لتركيا، فقد لعبت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية دورا مهما في العلاقات بين الدولتين. يقول ستراتفور إن تجارة الأسلحة لاتزال مجالا واعدا للتعاون بين أنقرة وتل أبيب رغم نضج صناعة الأسلحة التركية بشكل كبير خلال العقد الماضي.
هناك أيضا مجال الطاقة، والذي قد يبرز في نهاية المطاف كمنطقة أخرى للتعاون، بحسب المركز. فإسرائيل وتركيا تتنافسان على استكشاف الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، حتى أنهما بحثتا قبل عدة أعوام إمكانية بناء خط أنابيب يربط بينهما.
بيد أن الصفقة بين شركة نوبل أنرجي وديليك درينليج الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط المصرية والتي تم توقيعها في سبتمبر الماضي، لتوصيل الغاز من حقلي تمار وليفياثان في إسرائيل ومصر، إضافة إلى صعوبة بناء خط الغاز في الأراضي القبرصية المتنازع عليها، أحبطت أية أحلام في بناء خط غاز بين إسرائيل وتركيا في المدى القريب.
"أحدث انقسام"
قال ستراتفور إن انهيار العلاقات بين إسرائيل وتركيا في مايو 2018 كان مجرد انقطاع دوري في العلاقات المتوازنة بعناية. ولفت المركز إلى أن قرار الولايات المتحدة في ديسمبر 2017 نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، أدى إلى تفاقم القضية الأكثر إثارة للجدل بين تركيا وإسرائيل: الصراع الفلسطيني.
في مايو الماضي، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل بالإبادة الجماعية وطرد السفير الإسرائيلي إيتان نيه بعد مقتل عشرات الفلسطينيين في اضطرابات في غزة مدفوعة جزئياً بنقل السفارة.
يقول المركز إن الخطاب التركي اللاذع بشأن أفعال إسرائيل ضد الفلسطينيين أمرا مألوفا في عهد أردوغان؛ إذ تسعى تركيا لأن تلعب دور البطولة في القضية الفلسطينية لأن ذلك يعزز من مكانة أنقرة ونفوذها القيادي في العالم الإسلامي. كما أن قيام أردوغان بدوره في رعاية الإسلام السياسي يعزز من صورته القوية في الداخل وبالتالي ترسيخ شرعيته.
أما إسرائيل، يقول ستراتفور إن تركيزها ينصب في المقام الأول على أمنها، وما إنكارها قيام دولة فلسطينية إلا وسيلة لضمان ذلك الأمن والاستقرار. ولفت المركز إلى أن المدى الذي قد تذهب إليه تركيا في دفاعها عن الحقوق الفلسطينية يبقى غير متوقع إلى حد ما.
وأضاف المركز أن إسرائيل بإمكانها التعايش مع أي خطاب لاذع من جانب تركيا، فقد اعتادت على ذلك. لكن أي تدخل جديد من الحكومة التركية في الأراضي الفلسطينية المضطربة من شأنه أن يكون مزعجا للغاية لإسرائيل القلقة من التمويل التركي للجمعيات المدنية والإسلامية في القدس الشرقية، ذلك الدعم الذي يهدف في الأساس إلى تعزيز القوة الناعمة التركية هناك في منافساتها مع الدول العربية في قطر والمملكة العربية السعودية ومصر.
الدور الأمريكي
قال مركز ستراتفور إن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية يمكن أن يحفز الانقسام التركي-الإسرائيلي الأخير، ويؤكد من ناحية على تأثير الولايات المتحدة في العلاقات المثيرة للجدل بين أنقرة وتل أبيب.
وأشار المركز إلى أن الولايات المتحدة لعبت في السابق دوراً رئيسياً في الجمع بين الدولتين؛ ففي 2013، ضغط الرئيس باراك أوباما على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاعتذار عن مقتل النشطاء الأتراك الذين قتلوا عندما اعترضت إسرائيل "أسطول حرية غزة" في عام 2010 ووافقت على تعويض عائلاتهم.
أضاف ستراتفور أن الولايات المتحدة بحاجة الآن إلى التعاون مع تركيا وإسرائيل ونسج علاقة عمل مع كليهما، كما جرى أثناء الحرب الباردة، وذلك لموازنة إيران وخفض الأعباء على كاهل الولايات المتحدة.
وأوضح المركز أن الضغط هذه المرة سيكون على تركيا بسبب تفاقم مشاكلها الاقتصادية. رغم تراجع زخم العلاقات الأمريكية-التركية، إلا أن واشنطن ستواصل تشجيع أنقرة على العمل مع تل أبيب.
في الوقت نفسه، تمر الولايات المتحدة وإسرائيل بفترة غير معتادة في العلاقات بينهما، الأمر الذي قد يشجع إسرائيل في سياساتها الإقليمية والمحلية. وقد استغلت إسرائيل ذلك وضغطت على الولايات المتحدة بشأن تركيا، في صفقة بيع الطائرات المتقدمة إف-35، التي علقتها واشنطن، بحسب ستراتفور.
ودعا المركز تركيا إلى النظر في "التقارب الهادئ" بين إسرائيل والسعودية. إذ من شأن التعاون بين تل أبيب والرياض - بتشجيع من واشنطن وبدافع الرغبة المتبادلة مع احتواء إيران ومواجهتها - أن يقوض الهدف التركي بزيادة نفوذ أنقرة في شمال سوريا وشمال العراق.
وقال ستراتفور إن "هذا الوضع يترك بطبيعة الحال تركيا تريد العمل بشكل أوثق مع إسرائيل، لذا يمكنها التخفيف من أي تحركات سعودية قد تهدد الضرورات الأمنية التركية، مثل إمكانية تسليح بعض الجماعات الكردية التي تحارب إيران. كما أن تحسين العلاقات التركية مع إسرائيل يمكن أن يساعد أيضا في تخفيف بعض الضغط الأمريكي."
"المضي قدما"
يقول تقييم ستراتفور إن الإجراءات التركية قد تعرقل حدوث تقدم في العلاقات مع إسرائيل رغم أن معظم المؤشرات تشير إلى مصالحة بين البلدين في نهاية المطاف.
أوضح المركز أن أنقرة لا تزال تبحث عن طرق أبعد من الخطاب لإعادة إدراج نفسها في القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن اقتراح أنقرة إنشاء ميناء بحري في غزة، والذي من شأنه أن يسهل وصول المساعدات التركية إلى المنطقة، يمكن أن يحقق بعض التقدم في ذلك الجانب.
كما أن تركيا ستمضي قدما في نسج علاقات في القدس الشرقية، على أمل أن تفضل إسرائيل إشراكها هناك بدلا من القوى الأخرى. لكن من المرجح أنها لن تقدم التمويل إلا بموافقة تل أبيب. خلاف ذلك، يمكن تقييد استئناف العلاقات الدبلوماسية.
وخلص المركز إلى أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل ستبقى في الوقت الراهن "برجماتية وشبه تجارية"، وستبقى أيضا رهنًا بتأثير الأحداث في المنطقة. قد يفتح التقارب الفرص الاقتصادية أمام الشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى الاستثمار في تركيا الضعيفة اقتصادياً.
واختتم المركز قائلا: "يمكن توقع استمرار الحوار بين البلدين حول مستقبل سوريا وحول سبل عزل النفوذ الإيراني هناك. وتظل هاتان المسألتان - التجارة وإيران - في صميم علاقتهما مرة أخرى."
فيديو قد يعجبك: