هآرتس: لماذا نسى الجميع سوريا؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تحليلاً للكاتب تسيفي بارئيل سلط فيه الضوء على ما أسماه بـ "نسيان سوريا".
وقال الكاتب في بداية تحليله: "هل يتذكر أحدكم متى كانت آخر مرة تصدرت فيها سوريا العناوين؟ أو متى كانت آخر مرة قام أحد قادة العالم بتصريح علنيّ كانت فيه سوريا مصدر الاهتمام؟ لقد تضاءل الاهتمام العالمي بسوريا، وتطورت الحرب الأهلية السورية -التي تقترب من عامها الثامن- لتتحول إلى سلسلة من المناوشات المحلية والتي يأمل الكثيرون أن تنتهي بوقف لإطلاق النار".
ويضيف الكاتب، تسير الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إقامة حكومة جديدة أو مختلفة على الأقل في دمشق بخطى بطيئة، وفي الواقع، من المقرر عقد بعض اجتماعات القمة، التي أصبحت جزءًا من الأجندة الدولية لمعالجة الأزمة، في الأسابيع المقبلة، لكن أصبح لا أحد يترقبها.
ولمرة أخرى، تحاول روسيا، تركيا، وإيران إيجاد بعض الحلول، في الوقت الذي لم يتم تضمين الولايات المتحدة في المناقشات، وتعلق الدول العربية على القضية بكسل.
وتحول اهتمام المجتمع الدولي بشدة عن سوريا في الآونة الأخيرة، بحسب الكاتب، وأصبح محور الحديث من يقف وراء اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والعقوبات الأمريكية على إيران، والانتخابات النصفية في الكونجرس الأمريكي التي انتهت بفوز الديمقراطيين بمجلس النواب، والجمهوريين بمجلس الشيوخ، وأصبحت محافظات مثل إدلب وحلب -بعد أن كانتا مصدر الأحداث في العالم- لا يهتم بهما أحد، كما تضاءل الاهتمام بتنظيم داعش باستثناء الجيوب التي يسيطر عليها في سوريا وتشهد معارك عِرضية.
ولكن بالنسبة للملايين الذين يعيشون في سوريا، وملايين اللاجئين الذين فروا إلى أوروبا والدول العربية، فالحرب لم تنتهِ بعد بل قلبت حيواتهم رأسًا على عقب.
وفي الوقت الحالي، تقبع أغلب الدولة السورية تحت سيطرة الرئيس بشار الأسد، ولا توجد بعد، بحسب الكاتب، أي دلالات على جهود إعادة الإعمار، وعلى الرغم من كثرة الحديث عن الأموال التي تحتاجها سوريا وأنها تبلغ 500 مليار دولار، إلا أنه لا توجد أي دولة أو حتى مجموعة دول اتفقوا على تبرعهم بمثل هذه الأموال.
ويقول الكاتب، إنه من المحتمل أن الدول تنتظر نوعًا من الاتفاق على إنشاء حكومة مستقرة في سوريا لإدارة تلك الأموال بشكل صحيح والإشراف على ما يتم إنفاقه، ومن الصعب توجيه أصابع الاتهام إلى الدول المانحة المحتملة في ضوء التجربة المريرة التي حدثت في العراق وأفغانستان، حيث وصلت معظم المساهمات إلى جيوب الأفراد الذين كانوا على مقربة من النظام أو غارقون في الفساد.
وأوضح الكاتب، أن المجموعات التي لا تزال تتبرع بالأموال إلى سوريا، هي منظمات خاصة وشبه حكومية تعمل في مجالات مختلفة، مثل الخدمات الصحية أو التعليم. ولكن حتى في تلك المجالات، تنفذ التبرعات ويتم تخفيض الخدمات.
من بين المتأثرين بهذا، عشرات الآلاف من طلاب الجامعات وحتى المدنيين الذين فرّوا إلى دول قريبة وأصبحوا غير قادرين على الحصول على مِنح دراسية، وأبرز دليل على ذلك منظمة اليونسكو التي أوقفت برنامج المِنح الخاص بها لطلاب البكالوريوس بعد أن قدمت أكثر من 1000 منحة دراسية للعام الدراسي 2016-2017.
يعيش في لبنان حوالي 1.2 مليون لاجئ سوري، ويواجه طلاب الجامعة بيروقراطية كبيرة، ويطالب العديد من اللبنانيين المنظمة التي تقدم الأموال للسوريين، أن تشرح كيف يمكن لمساعدة الوافدين الجدد أن يخدم مصالح بلادهم.
الجمعية اللبنانية للبحوث العلمية، التي قدمت في الماضي منحا دراسية للطلاب السوريين، تواجه وضعًا مقلقًا، بعد أن خرج نصف السوريين من الدراسة لأنهم مضطرون للعمل، وتقدم الجمعية الآن المنح الدراسية للطلاب فقط في مجالات معينة في لبنان، مثل الطب والهندسة، والتي ستضمن لهم الوظيفة بعد تخرجهم. وعلى الرغم من أن معدل الخروج من التعليم انخفض بشكل كبير إلى 2٪ فقط في الوقت الحالي، إلا أن عدد المنح الدراسية تقلص أيضًا بشكل كبير.
وفي الوقت نفسه، تواجه منظمات الإغاثة في الأردن مطالب بأن تتضمن الطلاب الأردنيين -وليس فقط اللاجئين السوريين- في برامج تمويل منحهم الدراسية.
وفي تركيا، التي يوجد بها ما يقرب من 3 ملايين لاجئ سوريا منهم نصف مليون في سن الجامعات، سهلت الحكومة دخول الجامعات المحلية عن طريق إلغاء امتحانات القبول وأحيانًا عدم الحاجة لإثبات التخرج من المدرسة الثانوية، في ضوء العدد الكبير من الوافدين الجدد الذين فقدوا وثائقهم.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوال الطلبة اللاجئون يواجهون صعوبات كبيرة بسبب افتقارهم إلى اللغة التركية، وانخفاض مستوى بعض التعليمات في الجامعات والكليات المحلية، والحاجة إلى كسب العيش، وغيرها، ونتيجة لذلك فأن السوريين الذين يحضرون تعليمًا عاليًا مؤهلين له في تركيا نسبتهم 4% فقط.
ويقول الكاتب إن "بعض المنظمات التي تسعى إلى مساعدة الطلاب السوريين - بما في ذلك مؤسسة SPARK الهولندية غير الربحية التي يمولها الاتحاد الأوروبي - تقوم بإنشاء برامج وجمع التمويل بهدف تشجيع الجامعات في الشرق الأوسط على قبول الطلاب اللاجئين ودمجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، وتستند هذه الجهود على إدراك أن هؤلاء الطلاب لن يتمكنوا من العودة إلى سوريا في المستقبل القريب، مما يجعل استيعابهم في البلدان المضيفة أكثر أهمية".
ويضيف الكاتب أنه في نفس الوقت، وعلى الرغم مما سبق، يواجه اللاجئون السوريون الذين يتقدمون بطلبات للحصول على منح دراسية بشكل عام متطلبات صارمة من المجموعات التي تقدم تلك المنح، والتي تفضل تمويل الأفراد الأكثر موهبة وأصحاب أعلى الدرجات.
ويختتم تحليله بـ "التفاوت المتوقع بين مستوى تعليم هؤلاء الطلاب واحتياجات الاقتصاد السوري عندما تبدأ جهود إعادة التأهيل كبيرة للغاية، ومن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات عديدة قبل أن تعود الكليات والجامعات المحلية إلى درجة تمكنهم من توفير تعليم مناسب لطلابها، بناءً على المناهج الحالية والمناسبة".
فيديو قد يعجبك: