بين الحرية والقمع.. كيف أظهرت أزمة خاشقجي تناقض أردوغان؟
كتبت - هدى الشيمي:
على مدار الأيام الأخيرة الماضية تصدّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عناوين الصحف المحلية والعالمية، بعد تنصيب نفسه مدافعًا عن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في اسطنبول، ومطالبته بمحاسبة القتلة في أسرع وقت ممكن.
وكان الصحفي السعودي جمال خاشقجي شوهد لآخر مرة عقب دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول لإجراء بعض المعاملات الورقية لكي يتزوج من امرأة أخرى، وبعد نحو 3 أسابيع كشفت السلطات السعودية أنه قُتل إثر مشاجرة مع موظفين في القنصلية.
ووفقًا لتحقيقات النيابة السعودية، فإن ثلاثة فرق؛ استخباراتية وتفاوضية ولوجيستية، توجهت إلى اسطنبول، لإعادة خاشقجي إلى السعودية، سواء بالإقناع أو بالقوة الجبرية.
وأكد أردوغان، في مكالمة هاتفية جمعته بالرئيس التركي دونالد ترامب، أنه سيعمل على كشف ملابسات جريمة مقتل خاشقجي بكافة أبعادها، وعدم السماح بالتستر عليها.
وجهان لأردوغان
في هذا الشأن، قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في تقرير إذاعي منشور على موقعها الإلكتروني، إن الرئيس التركي الذي يُلقي بالاتهامات ويدعو المجتمع الدولي بالتكاتف لتحقيق العدالة في واقعة مقتل الصحفي السعودي، رغم أن بلاده تمتلك أسوأ سجلات حقوق الانسان وحرية الصحافة، خاصة وأنه شن حملة شرسة استهدف وسائل الإعلام والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين زادت حدتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، وزُج على إثرها بآلاف الصحفيين في السجون.
وتحتل تركيا المرتبة السابعة والخمسين بعد المئة من أصل 180 بلدا لناحية حرية الصحافة في تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود.
وأفادت مراسلون بلا حدود، في تقرير نشرته منذ عامين، بإغلاق 140 وسيلة إعلام و29 دار نشر بموجب تنظيمات فرضت في ظل حالة الطوارئ التي تلت محاولة الانقلاب الفاشلة، وحبس أكثر من 2500 صحفيا وموظّفا في مجال الإعلام بلا عمل عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
حكاية صحفي تركي
أجرت المجلة الأمريكية حوارًا مع جان دوندار، رئيس التحرير السابق لصحيفة "جمهوريت" التركية العريقة والتي تعد أقدم الصحف في أنقرة، والذي اُعتقل في عام 2015 عقب نشر الصحيفة تقريرًا يفيد بأن حكومة أردوغان متورطة في تهريب السلاح للجماعات الجهادية في سوريا.
رغم التهديدات التي واجهها دوندار عندما علمت السلطات أن الصحيفة حصلت على وثائق ومعلومات بشأن هذه الواقعة، إلا أنها لم يتردد لحظة وقرر نشرها.
يقول الصحفي التركي إن "كل الصحفيين كانوا يعملون على الحصول على مواد ومعلومات في هذا الشأن، إلا أنهم جميعًا خشوا نشر أي شيء، خاصة في ظل نفي الحكومة للأمر برمته".
عندما حصل دوندار على الوثائق والمعلومات وبعد مشاهدته لمقاطع فيديو تكشف ما يجري في المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق قرر نشر التقرير فورًا، وبغض النظر عن العواقب.
اقتصر الأمر في البداية على قرصة أذن، يقول الصحفي التركي إن محاميهم تلقوا تحذيرات وتهديدات لمنعهم من نشر التقرير، ولكنهم مع ذلك تعاملوا مع الأمر ببساطة شديدة، لاسيما وأن الصحفيين الأتراك اعتادوا على تلقي التهديدات والتحذيرات طوال الوقت.
وفي عام 2015، نشرت الصحيفة التركية شريطي فيديو يُظهران تورط أجهزة المخابرات التركية بإرسال شاحنات أسلحة للتنظيمات الإرهابية في سوريا، ما جعل الرئيس التركي يستشيط غضبًا، وقال في مؤتمر صحفي إن الصحيفة ستدفع الثمن باهظًا، واتهم العاملين فيها بتسريب أسرار قد تضر بمصلحة الدولة.
محاولة اغتيال
سُجن دوندار 3 أشهر، وبعد خروجه تعرض لمحاولة اغتيال من قبل شخص وصفه بالخائن، وهي الكلمة التي يصف بها الرئيس التركي الصحفيين المعارضين، ثم ترك كل شيء وسافر إلى منفاه في ألمانيا حيث يعيش منذ عامين تقريبًا.
يقول دوندار: "السجن جزء طبيعي من دورة حياة أي صحفي في تركيا، فأنت تذهب إلى المدرسة وتبدأ في المذاكرة وتنتقل من مرحلة إلى أخرى، حتى تبدأ مسيرتك المهنية كصحفي ومن ثم يُزج بك في الحبس".
لهذا السبب كان الصحفي التركي مستعدًا للأمر، جهز الكتب التي أراد قراءتها وحضر الأفكار التي يود كتابتها.
وجوده في ألمانيا لا يعني أنه بات في أمان، يقول دوندار للمجلة إن أردوغان يعمل على اثبات قدرته على محاسبة معارضيه بغض النظر عن مكانهم، لهذا السبب تنشط وكالات الاستخبارات التركية في ألمانيا على وجه التحديد، حيث يعيش أغلب معارضي ومنتقدي الرئيس التركي.
وخلال زيارته ألمانيا منذ أشهر، قال الرئيس التركي في مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن دوندار خائن ويجب محاسبته، وهذا ما يعتبره الصحفي التركي رسالة إلى كل مؤيدي أردوغان وأتباعه بقتله والتخلص منه، حتى يصبحون أبطالاً شعبيين.
فيديو قد يعجبك: