بعد اعتقال مسؤولة "هواوي".. كيف غيرت الصين من طريقة تعاملها مع ترامب؟
كتب - هشام عبدالخالق:
أدى الاعتقال الأخير لمسؤولة صينية تنفيذية بشركة هواوي الصينية، بناء على طلب من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى إثارة مواجهة جيوسياسية بين بكين وواشنطن، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وتقول الصحيفة الأمريكية في تقرير لها منشور على موقعها الإلكتروني: "المديرة التنفيذية لشركة هواوي والتي تم اعتقالها هي ابنة أحد كبار رجال الأعمال في الصين، كما أنها إنها تساعد في إدارة شركة هواوي، التي تحاول السيطرة على الجيل القادم من تكنولوجيا الاتصالات. ويأتي اعتقال مينج وانتشو، الذي ينظر إليه على نطاق واسع داخل الصين على أنه إهانة مباشرة، في وقت يتزايد فيه الشكوك بين الجماهير والقيادة الصينية بأن الولايات المتحدة تريد منع صعود الصين من خلال حرب تجارية تخوضها معها".
وبحسب الصحيفة، يبدو أن بكين قررت أن تأخذ ردًا محسوبًا بعد حادثة اعتقال المديرة التنفيذية لهواوي، حيث وصفت القيادة الصينية الوضع على أنه ذو خلفية أمنية في الوقت الذي قدمات فيه تنازلات حول التجارة للمساعدة على نزع فتيل التوتر بين البلدين.
وتضيف الصحيفة، أن موقف الصين حتى الآن يأتي جزئيًا من ضعفها، فاقتصاد البلد في حالة ركود حاد، مما يضع ضغوطا سياسية على الرئيس شي جين بينج للتوصل إلى اتفاق مع ترامب، ويدرك المسؤولون الأمريكيون النفوذ الذي يتمتعون به الآن، حيث يستخدمون التعريفات الجمركية للحصول على تنازلات كانت بكين ترفضها أو تؤجلها لوقت طويل.
في الأسابيع الأخيرة، كان شي جين بينج -الذي كان يتحدى سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي بشكل مباشر- يتابع سلسلة الصفقات التي أبرمها مع ترامب في بوينس آيرس في قمة العشرين، وبدأ في رفع الحواجز التي فرضت مؤخرًا على الواردات من المواد الغذائية والطاقة والسيارات الأمريكية، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بتعريفات بقيمة 250 مليار دولار على البضائع الصينية.
وبينما كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بوينس آيرس يُنظر إليه على أنه هدنة مؤقتة في الحرب التجارية، فإن الجانبين يعملان الآن على إبرام صفقة طويلة الأجل تخلق إطارًا لعلاقات أوثق وأكثر استقرارًا بين أكبر اقتصادين في العالم، ودعا نائب رئيس مجلس الدولة ليو هو الثلاثاء الممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت لايتايزر ووزير الخزانة ستيفن منوشين لوضع خريطة طريق أولية للمفاوضات، بهدف إجراء مباحثات مباشرة الشهر المقبل.
وقال تو شين تشوان عميد المعهد الصيني لدراسات منظمة التجارة العالمية في بكين لصحيفة "نيويورك تايمز": "إن الحكومة الصينية تريد فعلا التفاوض على اتفاق مع الولايات المتحدة لتهدئة النزاع، ليس فقط بسبب الصعوبات الاقتصادية في الصين الآن ولكن أيضا من أجل علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة".
وبحسب الصحيفة، فإن الهدنة التجارية لا تزال هشة، ويمكن خروج المفاوضات عن مسارها بسهولة. وعلى الرغم من أن بكين قدمت بعض التنازلات، إلا أنها لم تقدم ما فيه الكفاية لمعالجة بعض أكبر النقاط الشائكة لبعض الأشخاص في إدارة ترامب، مثل نقل التكنولوجيا القسري والعجز التجاري، وحالة احتجاز مسؤولة هواوي يمكن أن تتصاعد بسهولة، مما يضع مزيدًا من الضغط في الصين على شي جين بينج ليتصرف.
وتضيف الصحيفة، إذا اشتعلت التوترات القومية فالعلاقة بين بكين وواشنطن ستعاني، وفي لحظات التوتر السابقة، استغرق ذوبان الجليد بين الطرفين بعض الوقت.
صورة 1
وكانت السلطات الكندية أوقفت مينج وانتشو رئيسة الشؤون المالية في شركة الاتصالات الصينية "هواوي تكنولوجيز"، بناء على طلب من الولايات المتحدة الأمريكية حيث تواجه اتهامات بالتحايل لانتهاك محتمل للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وأعلنت شركة "هواوي" أنها ليست على دراية بأي أفعال خاطئة قامت بها مينج.
ويضيف تشوان، أنه إذا تم تسليم مينج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون من الصعب على الحكومة الصينية أن تتحكم في غضب الشعب، وسيكون لزامًا عليها أن تشدد موقفها على كلًا من كندا وأمريكا.
وتضيف الصحيفة، أن ترامب وكبار مساعديه كانوا سعداء بعشاء العمل الذي جمعه مع الوفد الصيني في قمة العشرين في بوينس آيرس، وبالإضافة إلى الاتفاق بين الطرفين هناك، يستعد قادة الصين أيضًا لسلسلة من التحركات لفتح الاقتصاد لمزيد من الاستثمارات التجارية والأجنبية، وهو توقيت شامل للاحتفال بالذكرى الأربعين لإصلاحات البلاد الاقتصادية في فترة ما بعد الزعيم الصيني السابق ماو تسي تونج. ومثل هذه التحركات، مثل المزيد من خفض التعريفات الجمركية، ستوفر للرئيس الصيني فرصة لإدخال تدابير صديقة للسوق دون أن يبدو أنه يستسلم للضغوط الأمريكية.
ولكن، بحسب الصحيفة، من غير الواضح ما الذي سيرضي الإدارة الأمريكية وخاصة الرئيس ترامب، حيث يضغط وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين للتوصل إلى اتفاق يحصل بموجبه على بعض التنازلات السريعة، من أجل تقليل التداعيات الاقتصادية المحتملة لحرب تجارية مكثفة. ويريد ترامب، الذي يبدو قلقًا بشأن التقلبات في أسواق الأسهم، إتمام صفقة كبيرة، مع تجنب أي شيء جذري من شأنه أن يضر بعلاقته مع شي، وذلك وفقًا لعدة مسؤولين على دراية مباشرة بالأمر.
ويراقب المستشارون الاقتصاديون لترامب الصين بدرجة عالية من الحذر، ويشكك البعض، مثل روبرت لايتايزر، كبير المفاوضين في المحادثات، بشكل كبير أن الصين ستقوم بأي شيء أكثر من اللازم لإزالة تهديد التعريفات الجديدة.
لدى بكين تاريخ في تقديم وعود لا تبقيها أو لا تنفذها بالكامل. من شأن بعض التحركات الأخيرة من جانب الصين أن تقدم انتصارات سطحية لإدارة ترامب ، دون أن تطلب من بكين تغيير أي شيء بشكل جوهري.
وقد أعربت الصين عن استعدادها لخفض التعريفات الجمركية على السيارات الأمريكية إلى 15 في المائة ، من 40 في المائة. لكن هذا ما تتقاضاه الصين بالفعل لبقية العالم ؛ كانت التعريفات الأعلى مجرد تدبير انتقامي فرض بعد أن بدأت الولايات المتحدة حربًا تجارية. ولا تزال الصين تحتفظ بضريبة القيمة المضافة بنسبة 16 في المائة تنطبق على جميع السيارات ، بما في ذلك السيارات المستوردة.
وتضيف الصحيفة، مع استمرار المباحثات والمفاوضات، قد يتم إجبار الصين على الانصياع بسبب ضعف اقتصادها، ومن الصعب أن نعرف بالضبط مدى سوء الاقتصاد في الصين، ويرى العديد من الاقتصاديين أن البيانات الصينية غير موثوق بها، حيث تفرض بكين قبضة محكمة على تداول المعلومات، لكن بعض القطاعات، مثل العقارات والسيارات، تشير إلى أن الانخفاض يزداد حدة مع مرور كل شهر.
ويقول ديريك سكيسور، الباحث الصيني في معهد أمريكان إنتربرايز بواشنطن: "بالنسبة لشي، فإن الموازنة بين تلك الضغوط الداخلية والخارجية ستكون حاسمة عندما تدخل الصين المرحلة التالية من المفاوضات، ومهما كان النفوذ الإضافي الذي تتمتع به الولايات المتحدة في المحادثات الحالية والذي هو مبنيّ على تهديد التعريفات، فالرئيس الصيني، مثله مثل المفاوضين من قبله، يعتقد أن ترامب سوف يتراجع.
وتنقل الصحيفة قول سكيسور في ختام تقريرها: "لا يمنح حادث شركة هواوي ترامب أي ميزة إضافية، ولكن هذه التعريفات تمنحه تلك الميزة سواء كنت تعتقد أنها فكرة جيدة أم لا، وبناءً على ما فعله ترامب حتى الآن، يعتقد الصينيون أننا في نهاية المطاف سوف نتراجع عنها مثلما فعلنا في السابق".
فيديو قد يعجبك: