حكومة ونظام أمني وديمقراطية.. كيف تعيش قافلة المهاجرين على الحدود الأمريكية؟
كتب - هشام عبدالخالق:
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المهاجرين الذين يحاولون طلب اللجوء في الولايات المتحدة بأنهم "مجموعة من المجرمين العنيفين الذين لا يحكمهم قانون"، ولكن المحادثات التي أجرتها الصحف عبر الهاتف وتطبيق "واتس آب" مع الصحفيين الذين يرافقون موكب المهاجرين وكذلك التحديثات التي ينشرونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أن المهاجرين نظموا نظام حكم متطور ومكتمل يحتوي على كل الأقسام من الإعلام حتى الأشغال العامة.
وتقول مجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إن طالبي اللجوء هؤلاء قد لا يكون لهم دولة الآن ولكن لديهم حكومة بالتأكيد، حيث استطاعوا إنشاء ديمقراطية أولية مكونة من مجموعتهم التي تضم حوالي 6 آلاف مهاجر أغلبهم من أمريكا الوسطى.
وتضيف المجلة الأمريكية، أن المهاجرين عندما احتاجوا القيام بتصريحات أو مناقشة أفضل الطرق أو التصويت على خطط مختلفة، أنشأوا جمعية عامة تجتمع ليلًا كمنتدى مفتوح للجميع.
وكان المجلس التشريعي الخاص بهم عبارة عن موقف سيارات مهجور أو استاد رياضي غير مستخدم. حتى أن بعض المهاجرين كانوا يتناوبون كمديرين للاتصالات، يصوغون بيانات صحفية يتم نقلها من خلال مجموعة إعلامية تضم أكثر من 370 صحفي عبر تطبيق "واتس آب".
وكوّن المهاجرون أيضًا، بحسب المجلة، قوة شرطة داخلية من 100 متطوع غير مسلح سوى بهواتف ضخمة، وكانت مهمتها الأساسية حفظ الأمن داخل الموكب.
وعندما احتاج المهاجرون لكسب تأييد الكيانات رفيعة المستوى، مثل جماعات الدفاع عن الهجرة، ومراقبي حقوق الإنسان والحكومات المحلية، انتخبوا مجلسًا للحكم والحديث يتألف من تسعة أشخاص للضغط من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية: الغذاء والمأوى والسلامة، وكان بعض ممثلي المجلس يتحدثون مع حكومات الولايات والمدن التي يمرون بها في محاولة لتأمين نقل المهاجرين عبر الحافلات أو الخيل إلى المحطة التالية في طريقهم.
والآن بعد وصول المهاجرين إلى الحدود الأمريكية المكسيكية وبالتحديد في تيخوانا المكسيكية، تنتظر حكومة المهاجرين وتخطط للخطوة التالية.
وتقول المجلة، إن الحقيقة الآن هي أن هذه القافلة أو موكب المهاجرين أصبح عالقًا الآن بين دولة منشأهم المضطربة وبين البلد الذي يقصدونه، ففي نهاية نوفمبر أطلقت دورية الحدود الأمريكية قنابل الغاز المسيل للدموع في المكسيك عندما حاولت مجموعة من المهاجرين عبور الحدود.
وقوافل المهاجرين دليل حي على أنهم بإمكانهم تنظيم أنفسهم للاستجابة لاحتياجاتهم، وهي نفس الاحتياجات التي لم تستطع حكومات أمريكا الوسطى التي فروا منها تلبيتها.
ويقول والتر كويلو، أحد المهاجرين من هندوراس والذي أصبح أحد زعماء القافلة والمتحدث الرسمي باسم المهاجرين وتم انتخابه في مجلس التسعة الحاكم: "أصبحت الحياة لا قيمة لها في تيجوسيجالبا، والحكومة لا تفعل شيئًا لتقليل العنف أو القبض على المجرمين، وإذا قمت بالإبلاغ عن حادثة ضد عصابة، تقوم العصابة بقتلك على الفور، وإذا تظاهرت ضد قلة الطعام تقوم الشرطة نفسها بقتلك".
وتضيف المجلة، بالنسبة لأشخاص مثل كويلو، فالحكومة التي نشأت في القافلة أصبحت أول مرة يثقون فيها بحكومة في حياتهم وأنها ممثلة لهم حقًا.
وفي نهاية أكتوبر، ضغطت الحكومة المكسيكية على سائقي الحافلات وسيارات الأجرة حتى لا ينقلوا المهاجرين في سياراتهم، وكان أمام المهاجرين أحد طريقين، إما الذهاب إلى أوخاكا، على الرغم من أن القيام برحلة عبر الطرق الجبلية والمسارات الضيقة سيكون صعبًا على مجموعة تسير على الأقدام، في حين ارتأى الآباء والأمهات -خاصة ممن كان لديهم أطفال مرضى- أن يمروا المرور عبر التضاريس الوعرة من فيراكروز، على الرغم من خطورة عبور منطقة مليئة بالجريمة المنظمة.
وقامت الجمعية العامة لحكومة القافلة بعد ذلك بالتصويت لاختيار طريق منهم، وصوت المهاجرون لصالح طريق فيراكروز، بغض النظر عن الخطر، وأعلنت القافلة أنها "تحمل حكومة ولاية فيراكروز المكسيكية مسؤولية أي شخص يتم إصابته أو يواجه الابتزاز أو يتم اختطافه أو اختفائه قسرًا أو الاتجار به أو قتله في هذا الطريق الذي أُجبرنا على اتخاذه".
ويقول تريستان كول، طالب دكتوراه في علم الإنسان بجامعة فاندربيلت الأمريكية إن العديد من المهاجرين على دراية بهذه النوعية من الحكومات غير الرسمية وذلك بسبب فشل الحكومات في أمريكا الوسطى لمدة زمنية كبيرة، وأصبح هؤلاء المهاجرين يستخدمون المحادثات المباشرة في حل النزاعات دون تدخل سلطة أعلى، على حد قول تريستان.
ورغم من أن المقارنة لا تصح مع المجتمعات الديمقراطية في أي دولة، إلا أن الديمقراطية التي حققتها حكومة القافلة كانت ناجحة بشكل مفاجئ في المناطق التي لا توجد بها ديمقراطيات فعلية، مثل ضمان تمثيل مجموعات الأقلية في حكومة القافلة.
وقبل أسبوع واحد من انتخاب الولايات المتحدة لأكثر مجالسها النيابية تنوعًا في التاريخ، كان المهاجرون أيضًا يصوتون للمجتمعات الأقل تمثيلًا. مجلس التسعة الحاكم كان يتكون في البداية من سبعة أعضاء: ثلاثة رجال وثلاث نساء وممثل واحد من مجتمع المثليين المؤلف من 100 شخص، وهو رجل مثلي الجنس.
لكن سرعان ما توسّع المجلس إلى تسعة عندما تواصلت مجموعة من النساء المتحولات جنسيًا مع القادة وقلن إنهن لا يشعرن أن الرجل المثليّ يمثلهن، خاصة أنهن يواجهن مضايقات وتحرشات جنسية طول الطريق، ولذلك انتخبت الجمعية امرأة متحولة جنسيًا ورجل آخر في المجلس.
وتؤكد المجلة أن هذا لا يعني أن المجلس مثالي، فهو يعاني من نفس أوجه القصور التي لدى معظم الديمقراطيات الراسخة، مثل انخفاض نسبة المشاركة المدنية وذلك حسب مارجريتا نونيز، طالبة الدكتوراه في علم الإنسان من المكسيك والتي تركت عملها الميداني للتطوع مع القافلة.
ولاحظت نونيز أن حوالي 600 عضو فقط شاركوا في الجمعية التي انتخبت المجلس المؤلف من تسعة أشخاص لتمثيل قافلة تضم أكثر من 6000 شخص، وتضيف أن النساء غالبًا ما يتم حرمانهن من التصويت لأن الاجتماعات تعقد عندما يخلد أطفالهن للنوم.
وهناك أيضًا معضلة أخرى تواجه القافلة، وهي أنهم كانوا يتنقلون طوال الوقت، مما يجعل من الصعب على مجلس الحكم المكون من تسعة أشخاص أن يجتمع مع أفراد القافلة طوال الوقت لمناقشة القضايا المهمة.
دخول الولايات المتحدة
ويستعد طالبو اللجوء للوقت الذي سيُسمح لهم فيه بالعبور إلى الولايات المتحدة، وهو اليوم الذي قد يكون على بعد شهورٍ إن لم تكن سنة، ويجب على المهاجرين أن يقفوا في صف ويكتبوا أسمائهم في دفتر، ومن ثم ينتظروا أن يتم استدعائهم من قبل مهاجرين آخرين الذين تطوعوا للإشراف على العملية.
وعندما يتم استدعائهم يمكن للمهاجرين عبور الحدود لإجراء المقابلات الأولية مع سلطات الحدود (حدد المسؤولون الأمريكيون عدد الأشخاص المسموح لهم بالعبور من 30 إلى 90 كل يوم)، وعندما يستطيع المهاجرون تنظيم صفوفهم أصبح الدفتر يحتوي على آلاف الأسماء بالفعل.
وعلى الرغم من تلك العقبات، فإن المهاجرين مصممون على البقاء بانتظار أن يتم استدعائهم. بعد يومين من حادث الغاز المسيل للدموع في نهاية الشهر الماضي، عقد المجلس الحاكم في القافلة مؤتمرًا صحفيًا للحديث عنه. وقال بيان من القافلة: "لا نريد العودة إلى العنف، لم يكن من السهل علينا مغادرة بلادنا وترك جزء من عائلاتنا، والسير عبر أماكن مجهولة للحصول على فرصة للعيش في الولايات المتحدة، ونريد لأطفالنا أن يحصلوا على التعليم والرعاية الصحية والحياة بدون تهديدات".
وتقول المجلة: "إذا أراد طالبو اللجوء بناء هذا النوع من الحياة، فسوف يحتاجون إلى مساعدة رسمية من الدولة. والآن، لا يبدو أي شخص متحمس لتقديم تلك المساعدة. وحافظت الحكومتان المكسيكية والأمريكية على مباحثاتهما حول كيفية التعامل مع الأزمة الإنسانية وراء الأبواب المغلقة، في محاولة لوضع خطة لإبقاء المهاجرين في تيخوانا بينما تتم معالجة مطالباتهم في الولايات المتحدة".
وتضيف المجلة، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عندما سُئل عما إذا كانت الوزارة تحدثت مع قادة القافلة: "إننا نقدر تعاون المكسيك وجهودها لزيادة قوة إنفاذ القانون الخاصة بالمهاجرين وأمن الحدود للحد من تدفق مهاجري القافلة إلى الولايات المتحدة".
ونقلت المجلة في ختام تقريرها رسالة كويلو للرئيس دونالد ترامب: "نحن نريد العمل.. نحن لسنا مجرمين، ونأمل أن يُليّن الله من قلبك".
فيديو قد يعجبك: