بعد مشاورات السويد .. نصّ إحاطة المبعوث الأممي إلى اليمن أمام مجلس الأمن
القاهرة – (مصراوي):
بعد سنوات من عرقلة المفاوضات السياسية؛ خطت الأزمة اليمنية أولى خطواتها الإيجابية من خلال محادثات عُقدت في السويد بين أطراف النزاع اليمني، حيث اتفقوا على وقف إطلاق النار في مدينة الحُديدة الاستراتيجية الواقعة على البحر الأحمر، وتسليم موانئ الحُديدة والصليف ورأس عيسى إلى الرعاية الأممية.
وفيما يلي نصّ إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والتي ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي، تعبيرًا عن تفاؤله بهذه الخطوة الإيجابية:
السيد الرئيس، السيدات والسادة، أعضاء هذا المجلس، أتحدث اليكم اليوم وبحوزتي بعض الأخبار السارة ورسالة أمل.
بعد عامين ونصف من الفرص الضائعة، يمكننا ان نقول ان العملية السياسية لإيجاد حل شامل للنزاع في اليمن قد استؤنفت أخيراً. خلال هذا الأسبوع وخلال مشاوراتنا في السويد، توصلت أطراف النزاع إلى عدة اتفاقيات مدرجة في إعلان ستوكهولم، والتي دخلت حيز التنفيذ في 13 ديسمبر بعد نشر هذه الوثائق. هذا ليس إنجازًا صغيرًا، وقد تم تحقيقه بالتزام الطرفين، والفضل يعود لهما في المقام الأول. وكان تفاني الطرفين بالعمل وكافة الموائمات التي قاما بها مثار اعجاب. لقد كان الطرفان منخرطين للغاية وبشكل مكثف وبحسن نية في هذه الجولة من المشاورات، حيث شهدت مشاورات الأسبوع الماضي أعلى مستوى من التفاعل بين الطرفين على الإطلاق، كما ذكر لي أحد أعضاء الوفدين.
وأعتقد أن جميع أعضاء هذا المجلس يشاركوني التعبير عن خالص امتناني لحكومة السويد لاستضافتنا، لقد فهمت حكومة السويد بشكل أفضل من أي طرف ما هو المطلوب لجعل هذه المشاورات ناجحة، ولذا أكرر الشكر لها.
السادة أعضاء هذا المجلس وأعضاء المجتمع الدولي، ان النجاح الذي حصل في السويد هو نجاح لكم ايضاً.
لم تكن الاتفاقات التي تم التوصل إليها ممكنة دون الدعم الكبير الذي حصلنا عليه من قادة العالم، واعد نفسي محظوظا بهذا الدعم. أنا ممتن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أظهر دعمه الشخصي لهذه العملية في الأوقات الصعبة، وفي الاتفاقات التي كنا نتفاوض عليها في السويد. وأنا ممتن للرئيس هادي الذي تابع عن كثب مفاوضاتنا، والتي كانت مشاركته أساسية في جميع الملفات. لقد أكد الرئيس هادي بنفسه صباح أمس للأمين العام موافقته على المقترحات المختلفة.
كما أنني ممتن لقيادة حركة أنصار الله ولعبد الملك الحوثي، الذي أظهر التزامه بإحراز التقدم خلال المشاورات، وأعلم أنه كان على اتصال دائم مع وفده. وأود أيضا أن أشكر رئيسي الوفدين: لقد واجه وزير الخارجية خالد اليماني والسيد محمد عبد السلام مهمة صعبة، لكنهما قادا وفدهما باحتراف وانضباط ومثابرة. لم تكن المهمة سهلة، وأشكرهم على أدائهم المتميز. وأود أيضا أن أشكر وزير خارجية المملكة المتحدة جيريمي هانت الذي قام بزيارة خاطفة للمشاورات أمس في لحظة حاسمة. وأريد ان أشكر أيضا جميع الذين ساعدوا في الترتيبات اللوجيستية لإجراء المحادثات، لا سيما التحالف بقيادة السعودية وسلطنة عمان والكويت.
أخيرا وليس آخرا، اسمحوا لي أن أشكر أميننا العام. كما قلت سابقاً في هذا المجلس، ان السيد غوتيريس على دراية جيدة باليمن. لقد كان على تواصل مستمر معي خلال الأسبوعين الماضيين. لقد وفر لنا من خلال لقائه مع ولي العهد السعودي على هامش اجتماعات مجموعة العشرين في الأرجنتين الموافقات المهمة والضرورية لنقل المصابين إلى مسقط قبل يومين من بدء المشاورات، وكانت لزيارته لنا خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة في المشاورات الأثر الكبير في التوصل للاتفاقات. أنا ممتن للغاية لقيادته.
السيد الرئيس،
ما الذي حققناه بالتحديد؟
أولاً، وكي لا ننسى، لقد حضر وفد الحكومة اليمنية ووفد حركة أنصار الله في الوقت المحدد لإجراء المشاورات. ان هذا ليس إنجازًا صغيرًا وذلك بفضل العديد من الأشخاص والحكومات. أشكرهم على ذلك. لكنني ممتن أيضا للوفدين لالتزامهم في بدء المشاورات.
كانت مشاورات السويد عبارة عن ثمانية أيام من العمل الشاق. لقد كانت الاجتماعات دقيقة، حيث عملت الأطراف يوميا على النصوص وكذلك على المبادئ. الاجتماعات التي بدأت ذات طابع رسمي، أصبحت مع مرور الوقت انخراط حقيقي بين الأشخاص من الطرفين الذين يعرفون بعضهم البعض والذين كانوا يسعون للتوصل إلى تجاوز الخلافات. لا أريد المبالغة بشأن مستوى الثقة بين الجانبين، لكنهم عملوا معاً وكانوا في حالة معنوية جيدة في معظم الأوقات.
وفضلا عن حضور الطرفين ومشاركتهما، لدينا الاتفاقات التي تم التوصل اليها، حيث تم نشرها وجميع التفاصيل متاحة لأعضاء هذا المجلس.
ما هي هذه الاتفاقات؟
أولاً، أهم شيء تم الاتفاق عليه هو انهاء المعارك في الحديدة. لقد دعا هذا المجلس منذ شهور للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، أعتقد أننا توصلنا اليه الآن. دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بعد نشر الوثائق في 13 ديسمبر. ويشمل الاتفاق الانسحاب المتبادل التدريجي والسريع للقوات من موانئ الحديدة الثلاث والمدينة. وسيتم تطبيق ذلك في سياق وقف إطلاق النار على مستوى المحافظة، ومطلوب من الأمم المتحدة أن ترصد امتثال الأطراف لهذه الالتزامات. أنا متأكد من أن هذا المجلس يرغب في تلبية هذا المطلب. إن نظام مراقبة قوي ومختص ليس ضروريًا فقط بل هو حاجة ملحة أيضا، وقد أخبرنا الطرفان أنهما سيرحبان به وسيعتمدان عليه. وبناء على تعليمات الأمين العام، فإن الإدارات المعنية في نيويورك وأماكن أخرى بدأت بالفعل في التخطيط للانتشار العاجل رهناً بقرارات هذا المجلس.
كانت الحديدة وما زالت محل الاهتمام الدولي هذا العام، فهي ليست فقط مركز ثقل هذا الصراع، بل هي شريان الحياة الحيوي للبرنامج الإنساني الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين. ان احتمال حصول مجاعة مروعة جعل التوصل لحل في الحديدة أمراً مهماً وضروريًا. ولهذا السبب، فإن الطبيعة الدقيقة لعمليات الانسحاب المتفق عليها تتمحور حول المتطلبات الإنسانية، والسماح للأمم المتحدة بلعب دور رائد في الموانئ هو استجابة أولى لذلك. ويجب أن نرى تطبيقا لذلك في غضون أيام. وستتولى الأمم المتحدة دورًا رائدًا في دعم مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية في عمليات الإدارة والتفتيش في موانئ الحديدة وصليف ورأس عيسى، والتي ستشمل مراقبة معززة من قبل مراقبي آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM).
لقد طور فريق الأمم المتحدة بقيادة زميلتي وصديقي ليز غراندي خطة تسعى للحصول على دعم محدد من الدول الأعضاء في الميناء، حيث كانت ليز غراندي وزملاؤها جزءا لا يتجزأ من صياغة الاتفاقات على الحديدة. فقد كان اثنان من زملائها معنا في السويد. أنا ممتن لها ولهم. وسيقومون بدور قيادي في الجوانب المدنية للاتفاقية. أود أن أشدد هنا على أن الحديدة تختلف عن أي أمر اخر، ولهذا السبب تعمدنا ان تكون الترتيبات التي تم الاتفاق عليها هي محددة زمنيا. انها خطوة إنسانية لإنقاذ الأرواح وتحويل مسار الحرب نحو السلام.
كما توصل الطرفان إلى تفاهم متبادل لتخفيف الوضع في تعز، وبحث فتح ممرات إنسانية للسماح بالمرور الآمن للسلع والأشخاص عبر الخطوط الأمامية، والحد من القتال في المحافظة، والبدء بعمليات إزالة الألغام، والإفراج المتبادل عن السجناء. حيث وافق الطرفان في السويد على إنشاء لجنة مشتركة مع الأمم المتحدة لتنفيذ هذه الأمور. وسوف تلتقي هذه اللجنة قريباً، لوضع خطة لإعادة السلام الى مركز تعز الحضري الضخم.
اتفق الطرفان قبل وصولهم إلى السويد، على إنشاء لجنة مشتركة للإفراج المتبادل عن جميع السجناء. ولقد كان الافراج عن السجناء أول نصيحة من الرئيس هادي، الذي حث الأمم المتحدة على التركيز على هذا الأمر. هذا واجتمعت هذه اللجنة بشكل متكرر في السويد، لتبادل قوائم أكثر من 15000 سجين، كما أننا سعداء للغاية بالحصول على الدعم والمشاركة الكاملة من لجنة الصليب الأحمر الدولية، ونأمل في تبادل ما يصل إلى 4000 سجين بحلول منتصف كانون الثاني / يناير.
هذا ولم نتوصل إلى اتفاق حول كل المسودات التي كانت مطروحة على الطاولة في السويد. فلا يزال يتعين وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقات المتعلقة بفتح مطار صنعاء والتدابير اللازمة لدعم البنك المركزي اليمني كشرط لدفع كامل مرتبات جميع موظفي الخدمة المدنية. وسنواصل السعي للتوصل إلى اتفاقات حول تلك الأمور.
أخيراً وليس آخراً، وافق الطرفان على معاودة الاجتماع في نهاية يناير. وقد ناقش الأمين العام للأمم المتحدة هذه النقطة بالذات مع الرئيس هادي.
السيد الرئيس،
ناقش الطرفان في السويد أيضًا، اتفاق الإطار الذي قدمته لكم هنا في يونيو، والذي يستند على المراجع الثلاثة، مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015. والمبدأ الأساسي في اتفاق الإطار هذا هو استعادة دور مؤسسات الدولة، واحتكار الدولة الحصري للقوة. وذلك من خلال مسار سياسي واضح لجميع الأطراف ولجميع أولئك الذين لهم دور في حل هذا الصراع، حتى يعود اليمن إلى السياسة المدنية والسلام. ولقد وافق الطرفان على مناقشة اتفاق الإطار في الجولة المقبلة من المشاورات. وأنا أشعر بتفاؤل كبير من هذا الالتزام، كما أنني مسرور بالردود الإيجابية بشكل عام التي تلقيتها من الأطراف بشأن اتفاق الإطار. أعتقد أنه يمكننا القول بأن أنصار الله يتفقون مع المضمون العام لجميع عناصر الإطار، بينما لدى الحكومة اليمنية بعض التحفظات التي أتفهمها وأحترمها. والخطوة التالية ستكون دراسة جدية لاقتراحات الحكومة، عندما يلتقي الطرفان في الجولة المقبلة. وسيكون الهدف أن ننتقل من التناول الإنساني الأساسي الذي تمت مناقشته في السويد، إلى تناول جدي للقضايا السياسية التي يجب معالجتها بين الطرفين من أجل حل النزاع في اليمن.
السيد الرئيس،
أتحدث اليكم اليوم وبجعبتي أيضا دعوة للحذر، كانت إنجازاتنا الجماعية هذا الأسبوع خطوة هامة إلى الأمام، لكن أمامنا مهمة شاقة، حيث أن العمل الشاق يبدأ من الان.
يسألنا الناس عما إذا كان بإمكاننا الوثوق بالطرفين لتنفيذ الاتفاقات التي أبرماها معًا في السويد. كلنا بلا شك لدينا وجهات نظر مختلفة حول هذا الأمر. وجهة نظري فيما يتعلق بهذا الامر ليست حول إذا كان بإمكاننا الوثوق بالطرفين لتنفيذ الاتفاقات بل هي حول مساعدتهم على تحقيق ذلك، ورفع التقارير عن النجاح وكذلك عن الفشل. التحقق من تنفيذ الاتفاقات هو المفتاح لبناء الثقة، وأنا شخصياً آمل أن يلعب هذا المجلس دوراً في الحفاظ على الاهتمام الدولي بتفاصيل تنفيذ هذه الاتفاقيات.
يمكنني أيضاً أن أؤكد ان التصريحات العامة والخاصة المقدمة للأمين العام من جميع المعنيين بأن هذه الاتفاقات لن تبقى حبرا على الورق. نحن نثق في هذه التصريحات. وكلنا نأمل في رؤيتها تتحول واقعا في الأيام القادمة.
السيد الرئيس،
قبل المشاورات، سألني كلا الجانبين ما إذا كان الطرف الآخر جادًا. لأكون صريحًا، لم أكن متأكدًا حقًا قبل حوالي أسبوعين. اليوم أنا أكثر ثقة. كما أن مشاورات السويد قدمت برهانا على الإجماع الدولي المطلق حول ضرورة احراز التقدم، وعلى حقيقة أن المسار السياسي هو وحده الذي يمكن أن يحل هذا الصراع. كان السفراء المعتمدين لدى اليمن متواجدين معنا خلال المشاورات، وهذا الإحساس بالتوافق الدولي يعطي الأمل لليمن. كما قالت معالي وزيرة الخارجية السويدية للصحافة لم يعد يمكن اعتبار اليمن حربا منسية. والآن يمكننا أن نضع أملنا في مسار قد يؤدي بالفعل إلى حل مُبكر لهذا الصراع.
شكرا جزيلا
فيديو قد يعجبك: