إعلان

كيف شن ترامب حربًا على أنجيلا ميركل وأوروبا؟

11:36 ص الأربعاء 19 ديسمبر 2018

أنجيلا ميركل

كتب – محمد عطايا:

عندما يتحدث دونالد ترامب عن الحلفاء فهو يعني ألمانيا، وعندما يتحدث عن الاتحاد الأوروبي أو خصومه، فهو يعني أيضًا ألمانيا. هكذا وصف إيفو دالدر، سفير الولايات المتحدة السابق في حلف الناتو، هوس الرئيس الأمريكي ببرلين.

في تقرير نشرته صحيفة "نيويوركر" الأمريكية، أكدت أن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب، شنت "حربًا" على ألمانيا، وهو ما بدى واضحًا خلال تصريحات ومواقف الرئيس المعادية للمستشارة أنجيلا ميركل.

في يوليو الماضي، في اليوم الأخير من قمة الناتو في بروكسل، اقترحت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، اجتماعًا طارئًا مغلقًا. وكانت الحالة الطارئة هو "دونالد ترامب".

قبل عقد الاجتماع بدقائق، ترامب وصل متأخرًا إلى جلسة كان فيها رئيسا أوكرانيا وجورجيا يدرسان قضيتهما للانضمام إلى الناتو. قاطع ترامب عرضهما وأطلق العنان لاعتداء لفظي على أعضاء التحالف، واصفًا إياهم بالقتلى.

بحسب "نيويوركر"، هدد ترامب بالخروج من "الناتو"، وأن تنأى الولايات المتحدة بنفسها إذا لم يدفع على الفور باقي الدول الأعضاء المزيد من النقود من أجل الحلف، مؤكدة أنه ركز بوابل من الهجوم على أنجيلا ميركل.

وقال ترامب في لهجة حادة لميركل: "أنت، أنجيلا"، فشل معظم أعضاء الناتو في تحقيق هدف إنفاق اثنين في المائة من ميزانية الدفاع للحلف. وصب تركيزه على ألمانيا بعدما قال إن الإنفاق العسكري لبرلين بنسبة تزيد قليلاً عن واحد في المائة من ميزانية الدفاع.

لم يكتف ترامب بذلك، وقال أمام الصحافيين، إن ألمانيا "خاضعة بالكامل لسيطرة روسيا"، بسبب خط أنابيب "نورد ستريم 2".

كما أن تغريداته في ذلك اليوم كانت ابتزازًا وهجومًا على برلين، بعدما كتب: "ما فائدة حلف الناتو في القوت الذي تدفع فيه ألمانيا لروسيا مليارات الدولارات للغاز والطاقة؟ تدفع الولايات المتحدة مقابل حماية أوروبا، ثم تخسر المليارات في التجارة. يجب أن تدفع ألمانيا 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي فورًا، وليس بحلول عام 2025".

بعد انتهاء الاجتماعات وخروج ترامب، جلس قادة الناتو "مذهولين" بما وصفوه بـ"المشهد الغريب" لترامب. وفي زاوية غرفة الاجتماعات، وضعت ميركل استراتيجية مع الأوروبيين الآخرين حول كيفية إيقاف ترامب.

ومع ذلك، عندما خرج ترامب من الاجتماع وتحدث مع الصحفيين، كذب الرئيس، مدعيًا ليس فقط أن حلفائه قد استسلموا له، ولكن أيضًا أنهم سيعتبرون مطلبه برفع إنفاقهم العسكري السنوي إلى أربعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على محمل الجد.

ووصفت "نيويوركر" تصرف ترامب بعد الاجتماع بـ"غير المنتظم، وغير القابل للتفسير"، موضحة أنه عندما غادر القمة، قاطع المستشارة أثناء مخاطبتها لزملائها من قادة الناتو، وقبلها، وقال: "أنا أحب هذه المرأة اليست رائعة؟".

في تلك اللحظة، أكد مسؤول ألماني كبير لـ"نيويوركر"، أن محاولة فهم الرئيس الأمريكي متروك للأخصائيين النفسيين والمؤرخين.

أوضحت الصحيفة الأمريكية، أن هجوم ترامب خلال اجتماع الناتو الماضي، كان موقفًا واحدًا من بين العديد من الحملات التي شنها على المستشارة الألمانية، والاتحاد الأوروبي بشكل عام.

قبل ترامب بسنوات

عانت أوروبا من العديد من المعارك مع الرؤساء الأميركيين على مر السنين، ولكن لم تواجه أبدًا خلال العقود السبعة التي انقضت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عداء بشكل علني لمؤسساتها الأساسية.

في 16 نوفمبر 2016، بعد ثمانية أيام من انتخاب ترامب، طار الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما إلى برلين للاجتماع مع ميركل. كانت آخر رحلة خارجية كرئيس.

لم يكن أوباما وميركل قد بدأ صداقة جيدة، لكنهما أصبحا أقرب ما يمكن أن يكون عليه شخصيتان عامتان.

خلال العشاء في فندق أدلون، ناقشا الأحداث المروعة في الأشهر القليلة الماضية، ولا سيما استفتاء بريطانيا العظمى لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وانتصار ترامب بشعار "أمريكا أولاً".

أقنعت ميركل أوباما خلال اجتماعهما، أنها شعرت بأنها اضطرت إلى الترشح مرة أخرى، من أجل أن تقف ضد ترامب، وبريكسيت، وزيادة الشعبوية اليمينية في جميع أنحاء أوروبا.

حثها أوباما على القيام بذلك، وذلك وفقًا لتصريحات تشارلز كوبشان، الذي شغل منصب كبير مستشاري أوباما في مجلس الأمن القومي للشؤون الأوروبية ورافقه في الرحلة، قائلًا: "كان أوباما مهووسًا بمصير أوروبا خلال العام الأخير من ولايته".

نتيجة لسياسات ميركل المرحبة باستقبال اللاجئين، أطلقت عليها مجلة "تايم" لقب "شخصية العام"، في عام 2015، ووصفتها بـ"مستشارة العالم الحر"، مستشهدة بقرارها باستقبال أكثر من مليون لاجئ.

أغضبت سياسة الهجرة في إدارة ميركل الرئيس الأمريكي ترامب، واستغلها للمساعدة في ترشيحه للبيت الأبيض.

وقال ترامب: "لقد اختارت مجلة تايم أنجيلا ميركل شخصية العام، عجبًا، لقد اختاروا شخصًا يدمر ألمانيا". وكثيراً ما قال في الحملة الانتخابية في العام 2016: "ما فعلته ميركل لألمانيا، أمر شائن وحزين".

بعد الفوز الكبير

بعد فوز ترامب بالرئاسة، قال أوباما إلى بن رودس، مؤلف كتاب العالم كما هو، "أنجيلا ميركل، هي الآن وحدها تمامًا".

وبعد يومين من فوز ترامب، أعلنت ميركل، بسبب "تلك الأوقات العصيبة"، قررت خوض الانتخابات مرة أخرى.

بعد انتخاب ترامب، كان قادة العالم الآخرون يمارسون لعبة الجولف مع ترامب، أو يتحدثون معه داخل برجه في نيويورك.

من جانبها، أصدرت ميركل بيانًا، وهنأت فيه الرئيس المنتخب، وتحدث عن "القيم المشتركة"، بما في ذلك "الديمقراطية والحرية واحترام القانون وكرامة الإنسان".

منذ البداية، لم تسلم ميركل إلى الأصوات داخل حكومتها بإن إدارة ترامب يمكن التعامل معها بسهولة. ومع ذلك، تخطت خلافات كبيرة مع سلفي ترامب، جورج دبليو بوش وأوباما، وأصبحت شريكتين قريبتين من كليهما.

أول لقاء بميركل

في مارس، سافرت ميركل إلى واشنطن في أول اجتماع لها مع ترامب. بدت أول مواجهة بين ترامب وميركل في المكتب البيضاوي ببصريات باهتة تقريبا: عرضت ميركل مصافحة احتفالية للكاميرات، التي بدا أن ترامب رفضها.

بعد أن غادر المصورون الغرفة، قال ترامب لميركل، "أنجيلا ، أنت مدين لي تريليون دولار".

في لقاءات بين ترامب وميركل اللاحقة، جاء الفريق الألماني مسلحًا بأرقام لإثبات للرئيس الأمريكي أنه كان من الخطأ تسمية ألمانيا بالفائز في العلاقة التجارية بين واشنطن وبرلين.

وأخبر الألمان ترامب أنه إذا أخذت الميزان التجاري بالكامل، فهو في صالح أمريكا.

لماذا كره ميركل؟

أوضحت "نيويوركر"، أنه لم يكن هناك سبب واضح لمواقف ترامب المتعنتة ضد أنجيلا ميركل. اقترح البعض أن ترامب يكره النساء الأقوياء. وتكهن آخرون بأن ميركل تذكره بهيلاري كلينتون. أو ربما كان كل شيء عن والده، فريد ترامب، الذي أمضى سنوات بعد الحرب العالمية الثانية ينكر نسله الألماني ويدعي أنه السويدي.

وافترض آخرون أن ترامب رأى ميركل كإحدى المقربات من أوباما، وأيضًا يعتبرها تجسيدًا للسياسة التعددية "العولمية" التي يعتبرها لعنة إلى "أمريكا أولا".

ورأى آخرون أن ازدراء ترامب لألمانيا وميركل تغذيه التغطية الإعلامية الإيجابية للمستشارة الألمانية كقائدة جديدة للغرب.

أزمة ترامب

بحلول ربيع عام 2018، لم يعد بإمكان الحلفاء الأوروبيين من أمريكا إنكار حجم مشكلة ترامب. "لقد قضوا الحلفاء كل عام 2017 في محاولة لمعرفة كيفية التقرب له، وفشلوا بشكل جماعي تمامًا.

في مارس الماضي، فرض ترامب تعريفة من الصلب والألومنيوم من خلال التذرع بحكم "الأمن القومي"، ورفض إعفاء أقرب حلفائه في أوروبا وكندا، حتى بعد شهور من الضغط.

كما أقال ترامب اثنين من المسؤولين الذين اعتمد عليهم الأوروبيون أكثر من غيرهم من أجل الاستقرار والطمأنة، وهما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وإتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي، واستبدلاهما بالمتطرفين مايك بومبيو وجون بولتون.

وفي شهر مايو، انسحب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية، على الرغم من معارضة جيمس ماتيس وزير الدفاع لذلك القرار.

بعد قرار ترامب بالانسحاب، قال دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، "مع أصدقاء من هذا القبيل –إشارة لترامب- من الذي يحتاج إلى الأعداء؟".

انتكاسة ترامب

في السادس من نوفمبر، عانى ترامب من انتكاسة سياسية، حيث فقد السيطرة على الكونجرس للديمقراطيين في الانتخابات النصفية. ومع ذلك، أظهر الرئيس وإدارته كل الدلائل على تصعيد القتال مع أوروبا.

قال لي أحد كبار المسؤولين في إدارة ترامب في أوائل ديسمبر: "نحن بحاجة فعلًا إلى ألمانيا للقيام بأكثر مما فعلت منذ نهاية الحرب الباردة".

بعد بضعة أيام، ألقى وزير الخارجية بومبيو، خطابًا مهاجمًا فيه الاتحاد الأوروبي، ومجموعة من المنظمات الدولية الأخرى. وحذر من أنه "يجب إصلاحها أو القضاء عليها".

لم تعد مثل تلك التهديدات من واشنطن تُرى في أوروبا على أنها كلمات فارغة. وينظر أقرب حلفاء أميركا جديًا إلى سياسات لم تكن مستبعدة في حقبة ما قبل ترامب.

في يوم الانتخابات النصفية الأمريكية، اقترح إيمانويل ماكرون إنشاء جيش أوروبي جديد لتكون "أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها بمفردها، دون الاعتماد فقط على الولايات المتحدة".

أثارت تلك الخطوة غضب المسؤولين في إدارة ترامب. واعتبروها "خطوة سيئة" من قبل ماكرون. كما وصفها أحد المسؤولين بأنها "مخادعة من جانب الأوروبيين".

وألقت ميركل كلمة أمام البرلمان الأوروبي تؤيد اقتراح ماكرون. قائلًا: "لقد ولت الأيام التي يمكننا فيها الاعتماد على الآخرين".

ومهما كانت كلمات ميركل حادة، فإن الفكرة القائلة بأنها يمكن أن تكون منافسة لترامب أو شريكة في المناورة السياسية "ليست واقعية".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان