انفراج في العلاقات بين واشنطن وأنقرة بعد قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا
(أ ف ب):
شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا تحسّنا كبيرا بعد أشهر من تدهورها إلى أدنى مستوى مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، ما أثار تكهّنات باحتمال توصّل البلدين إلى صفقة غير معلنة.
وكان الرئيس الأمريكي أجرى الجمعة اتصالا بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، أي قبل خمسة أيام من إعلانه المفاجئ سحب ألفي جندي من سوريا وإعلانه أنه حقق هدفه في سوريا بـ"هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية".
وكان الرئيس التركي قد هدد بشن عملية عسكرية وشيكة ضد المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا التنظيم في شمال سوريا، مؤكدا عزمه على "التخلص" منهم إذا لم يرغمهم الأمريكيون على الانسحاب.
وتدعم واشنطن عناصر "وحدات حماية الشعب الكردية" في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن أنقرة تعتبرهم منظمة "إرهابية" مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
وعقب المحادثة الهاتفية أعلنت الحكومة التركية في بيان أن أردوغان وترامب "اتّفقا على تعاون أكثر فاعلية" في سوريا.
لكن أردوغان، وفي تصريح أقل دبلوماسية، قال الإثنين "لقد تحدّثت إلى ترامب. على الإرهابيين الانسحاب من شرق الفرات واذا لم يرحلوا فسنتخلّص منهم".
في الوقت نفسه أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أن ترامب طرح مجددا مسألة الانسحاب من سوريا.
لكن قلّة أخذت كلام تشاوش أوغلو على محمل الجد، إذ ردّ المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو على سؤال حول التصريحات التركية بالقول إن العمل في سوريا "لم ينجز بعد"إلى أن اتّخذ ترامب قراره المفاجئ بالانسحاب.
وأوردت عدة وسائل إعلام أمريكية أن ترامب اتّخذ قراره مباشرة بعد الاتصال مع أردوغان. لكن ترامب يفاخر دوما بأن خطواته لا يمكن توقّعها، وهو لطالما طرح مسألة الخروج من سوريا، معتبرا أن التدخل الأمريكي فيها مكلف جدا.
ولكن صحيفة "حرييت" التركية افادت الجمعة أن ترامب اتخذ قرار سحب الجنود من سوريا، خلال مكالمة الرابع عشر من ديسمبر، بعد أن تعهّد اردوغان بالاستمرار في مكافحة الجهاديين.
وأفادت الصحيفة نقلا عن محضر المكالمة بأن ترامب سأل نظيره التركي "هل ستتخلّصون من فلول داعش إذا ما انسحبنا من سوريا؟". فردّ عليه أردوغان: "سنتولّى الأمر".
وقال سنان أولغن الخبير التركي في مركز الدراسات حول الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول إن "قرار ترامب لا علاقة له بتركيا". وأوضح أولغن أن "الاتصال مع أردوغان ربما عجَّل بالأمر".
- "دفع كبير" لتركيا -
وسواء كان هناك اتفاق صريح أو لم يكن، إلا أن انسحاب القوات الأمريكية يفتح المجال أمام هجوم تركي كانت احتمالاته أضعف مع الوجود الأمريكي وخطر وقوع قتلى أمريكيين.
وقال فيصل عيتاني وهو محلل في مجلس الأطلسي في واشنطن "إنه دفعٌ قوي لتركيا، وأعتقد أنه يعكس تحسّنا في العلاقات الأمريكية-التركية، ويقلّص اعتماد تركيا على روسيا".
وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي الذي أنشئ قبل نحو سبعين عاماً في مواجهة الاتحاد السوفياتي أثارت قلق الولايات المتّحدة بتوقيعها صفقة شراء صواريخ اس-400 الروسية.
وفي هذا الأسبوع، أعلنت الولايات المتحدة موافقتها على صفقة بيع صواريخ باتريوت وغيرها بقيمة 3,5 مليارات دولار إلى تركيا، واضعة أردوغان أمام خيار صعب فيما يتعلّق بتسليح جيشه.
شهدت العلاقات تدهوراً بعد توقيف تركيا للقس الأمريكي آندرو برانسون في إزمير، ومطالبتها واشنطن بتسليمها الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في منفى اختياري في بنسلفانيا، والذي تتّهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 2016.
وجعلت إدارة ترامب، التي تستند إلى قاعدة مسيحية إنجيلية، قضية برانسون على رأس أولوياتها، وفرضت عقوبات أضعفت الاقتصاد التركي وساهمت في تدهور قيمة الليرة التركية إلى أن أُطلق سراحه في أكتوبر.
وقال ستيفن كوك المحلل في مجلس العلاقات الخارجية "أعتقد أن الصفقة كانت إطلاق تركيا سراح برانسون مقابل امتناع الولايات المتحدة عن اتخاذ مزيد من الإجراءات المضرّة بالاقتصاد التركي".
وقال "لقد فاز المسؤولون الأمريكيون الذين دعوا لإنقاذ العلاقات".
- إعجاب بأردوغان؟ -
وأشار ترامب، الذي غالبا ما يُتّهم بأنه أكثر ارتياحا في التعاطي مع القادة الأقوياء منه مع حلفاء ديمقراطيين، إلى تقارب مع أردوغان.
وإثر لقاء بينهما العام الماضي وصف ترامب الرئيس التركي بأنه صديق ونوّه بقمعه للمعارضة.
وفي موازاة التكهّن بالانسحاب الأمريكي قال تشاوش أوغلو إن ترامب وعد "بالعمل" على ترحيل غولن.
والإثنين اتّهم القضاء الأمريكي شريكين سابقين لمايكل فلين، المستشار السابق لترامب، بدعم جهود أنقرة للتوصل إلى تسليم أنقرة الداعية التركي.
لكن على الرغم من إعلان البيت الأبيض الثلاثاء أن ترامب وافق فقط على "النظر" في ترحيل غولن، من غير المرجّح، على ضوء التطوّرات الأخيرة، أن يكون الداعية التركي مطمئنا لوضعه.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: