7 أعوام على سد النهضة.. "طفل إثيوبيا" الذي يُهدد مصر "قد لا يرى النور"
كتبت- رنا أسامة:
حفل عام 2018، الذي أوشك على الانتهاء، بتطوّرات مهمة تُهدّد مسيرة مشروع سد النهضة الإثيوبي؛ بدءًا من انتحار المهندس المُشرف على بنائه، مرورًا باعتقال مدير شركة المقاولات المسؤولة عنه لتورّطه في قضايا فساد، وصولًا إلى الكشف عن عيوب فنية قد تُرجئ إنجازه لمدة 4 سنوات إضافية.
تسعى إثيوبيا إلى تخزين 74 مليار متر مكعب من مياه النيل خلف سد النهضة، بما قد يؤثر على حصة مصر المائية التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب. في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضروري لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما في ذلك دولتا المصب، مصر والسودان.
مفاوضات مُتعثّرة "بلا سقف زمني"
لم يختلف عام 2018 عن سابقه فيما يتعلّق بمفاوضات الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) حول السد، فها هو عام ينقضي دون التوصّل إلى صيغة تضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. وفي 21 يناير الماضي، رفضت إثيويبا المُقترح المصري بإشراك البنك الدولي في المفاوضات.
وشهد هذا العام 4 جولات من المفاوضات باءت بالفشل؛ جرت أولاها في اجتماع تُساعي على مستوى وزراء الخارجية والري بمصر والسودان وإثيوبيا في أبريل الماضي بالخرطوم، استغرقت 16 ساعة دون التوصل إلى اتفاق حول الخِلافات العالقة بين الدول الثلاث.
أما الثانية، فاحتضنتها أديس أبابا في مفاوضات ثلاثية على المستوى الفني في 5 مايو، دون تقدّم ملموس في مسار اعتماد التقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري. بعدها جرى الاجتماع التُساعي الثاني في منتصف الشهر نفسه في العاصمة الإثيوبية، حرّك التعثر قليلًا، حسبما قال سامح شكري، وزير الخارجية.
وفي سبتمبر الماضي، عُقدت جولة جديدة في أديس أبابا، انتهت بإعلان وزارة الري عدم التوصل لنتائج جديدة، وإرجاء المفاوضات إلى وقت آخر. وقال محمد عبدالعاطي، وزير الري والموارد المائية: "لم نصل لاتفاق حول النقاط العالقة".
وأكّد عبدالعاطي استمرار المفاوضات التي بدأت منذ سبتمبر 2011، "دون سقف زمني" لحين حصول مصر على اتفاق يراعي مطالبها. وقال في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أكتوبر الماضي، إنه لم تتحقق بعد انفراجة جوهرية في المفاوضات بشأن السد بين الدول الثلاث.
وأشار إلى أن مصر تطلب أن يقتصر ملء السد الذي تبنيه إثيوبيا على رافد النيل الأزرق قرب حدودها مع السودان، على فترات فيضان النيل ويتوقف الملء خلال فترات الجفاف، وهي نقطة يرفضها الجانب الإثيوبي.
تتركّز نقطة الخلاف بين الدول الثلاث على مدة التخزين وآلية تشغيل السد وضمان حقوق مصر التاريخية في المياه والمُقدّرة بحوالي 55.5 مليار متر مكعب.
يقع السد على ضفة النيل الأزرق، على بُعد حوالي 20 كيلومترًا من الحدود السودانية، بسِعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب، وتكلفة إجمالية قُدّرت بنحو 5 مليارات دولار أمريكي، (ما يُعادل 10 مليارات بِر إثيوبي).
تحرّكات سريعة: "إنجاز أكثر من نصف مراحل البناء"
انطلق عام 2018 بخطوات أعطت الانطباع بأن إثيوبيا أوشكت على إتمام بناء السد، الذي وعدت بإنهائه فى 5 سنوات قبل أن تُقِرّ لاحقًا بإرجائه، مع الإعلان عن ملء 9 ملايين متر مكعب من الخرسانة للمشروع الأساسي له، وملء 11.3 مليون متر مكعب من الخرسانة لسد "سادِل" الفرعي.
بالتوازي، انخفض عدد العاملين على المشروع من 13 ألفًا إلى نحو 10 آلاف، منهم 400 مهندس أجنبي، لأن "ارتفاع السد من وقت لآخر يؤدي إلى انحدار موقع البناء، بما يُخفّض القِوى العاملة والأجهزة "، حسبما قال مدير المشروع الذي انتحر في يوليو الماضي، سيمينجاو بيكيلي، في تصريحات سابقة مطلع العام.
علاوة على ذلك، أُنجِز نحو 66 بالمائة إلى الآن من عمليات بناء السد، وأُعلِن عن بدء إنتاج الكهرباء من اثنتين من توربيناته الـ16 نهاية 2018 بقوة تصل إلى 6 آلاف ميجاوات، حسبما أعلن رئيس مجلس إدارة هيئة الطاقة الإثيوبية دبرتسيون دبرميكائيل في مارس الماضي.
كما جرى تعيين 3 سفيرات لسد النهضة، الذي وُضِع حجر الأساس له في 2 أبريل 2011، بهدف تعزيز دور المرأة في المشروع. وفي الذكرى السنوية الأولى على بنائه، قال عنه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، فور تعيينه رسميًا في أبريل الماضي، إنه "الموحّد للشعوب الإثيوبية".
نقطة تحوّل: "انتحار مدير المشروع"
لكن لم تُكلّل التحرّكات الإثيوبية لإتمام بناء السد بنهاية 2018 بالنجاح، فسُرعان ما توقّفت بعد العثور على المُدير التنفيذي للمشروع، سمينجاو بيكيلي، مقتولًا داخل سيارته في 26 يوليو الماضي.
وبعد 3 أشهر من الحادث الغامض للرجل الذي كان ينظر إليه الإثيوبيون باعتباره "رمزًا لسد النهضة"، أعلنت السلطات أنه مات مُنتحرًا بعدما أطلق النار على نفسه داخل سيارته في ميدان مسكل وسط العاصمة أديس أبابا.
بدوره أكّد رئيس الوزراء الإثيوبي أن "بناء السد لن يتوقف برحيل المهندس بيكيلي". وقال آبي أحمد: "من يعتقد ذلك جاهل ولايعرف الحقيقة"، حسبما نقلت وكالة الأنباء المحليّة.
الأمر ذاته شدّد عليه وزير المياه والكهرباء الإثيوبي، الدكتور سلشي بقلي، الذي قال: "سنواصل عمل المهندس سيمجناو حتى ننتهي منه والمشروع لا يتوقف بسبب موته".
وعُيّن إفريم ولد كيدان، نائب مدير المشروع، مديرًا مؤقتًا لسد النهضة لمدة شهرين بعد وفاة بيكيلي، لحين أعلنت إثيوبيا تعيين المهندس كفلي هورو، مديرًا جديدًا للمشروع في أكتوبر الماضي.
توقّف مؤقت: "سد النهضة قد لا يرى النور"
بيد أن محاولة المُضي قدمًا لإنجاز بناء السد دون أن يُعرقله حادث انتحار مهندس سد النهضة باءت بالفشل- على ما يبدو- لاسيّما مع الإعلان عن إخفاق شركة المقاولات المسؤولة عن المشروع في تنفيذه في موعده الزمني المُحدّد.
وقال آبي أحمد في أغسطس الماضي إن "سد النهضة قد لا يرى النور" لإخفاق شركة المقاولات التابعة لقوات الدفاع الوطني الإثيوبي، وتُعرف اختصارًا بـ"ميتيك"، في القيام بالأعمال الهيدروميكانيكية وتوفير المعدات الكهروميكانيكية للسد، بما في ذلك التوربينات المطلوبة، فألغي التعاقد معها.
بعدها أُعلِن عن توقيع مجموعة الهندسة الميكانيكية الألمانية "فويث" اتفاقًا لتوريد 3 توربينات إلى السدّ. وتُعد شركة "ساليني إمبريجيلو" الإيطالية هي المقاول الرئيسي في المشروع، فيما كانت "ميتيك" متعاقدة على القطاعات المعدنية الخاصة بالمكونات الكهروميكانيكية والهيدروليكية للسد.
في تلك الأثناء، توقّف العمل مؤقتًا على المشروع بعد دخول العاملين عليه في إضراب استمر لمدة 3 أيام، مُطالبين بزيادة برواتبهم وتحسين ظروفهم المعيشية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.
التهديدات تُلاحق المشروع: فساد "ميتيك"
دخلت التهديدات التي تُلاحق المشروع مُنعطفًا جديدًا بعد أن بدأ فساد شركة "ميتيك" يتكشّف رويدًا رويدًا؛ في سبتمبر الماضي اتهم مسؤول إثيوبي بارز الشركة المسئولة السابقة عن أعمال السد بسرقة 8 مليارات بِر إثيوبي.
وصرّح رئيس شركة الكهرباء والطاقة في إثيوبيا، أبراهام بيلاي، أن الشركة تلقت ما يزيد عن 16 مليار بِر إثيوبي، من أصل 25.58 مليارًا محددة للمشروع، ولكنها أتمت 30 بالمائة فقط من العمل فيما كان من المُفترض إنجاز 56 بالمائة من الأعمال الإلكتروميكانيكية بالمشروع.
في 13 نوفمبر الماضي، أُلقي القبض على المدير التنفيذي السابق لـ"ميتيك" على خلفية الاشتباه في تورّطه في عمليات فساد وإساءة استخدام للسلطة، الأمر الذي أفضى إلى تأخير إنجاز عدد من المشروعات، بينها سد النهضة.
وأعلن النائب العام الإثيوبي بيرهانو تسيجاي، وقتذاك، اعتقال 63 مُشتبهًا بهم من جهاز الأمن والمخابرات الوطني ومن "ميتيك" في قضايا فساد وانتهاك لحقوق الإنسان، ونُقِلوا إلى مقر لجنة شرطة أديس أبابا، الذي يُعتبر بمثابة سجن مؤقت.
بحسب تحقيقات النيابة العامة الإثيوبية، أجرت الشركة عمليات شراء بأكثر من ملياري دولار دون طرح أي عطاءات. وقبلها بـ5 أشهر، وجدت لجنة برلمانية أن "ميتيك" أهدرت مئات الملايين من الدولارات في إنتاج الأجهزة دون دراسة شاملة عن السوق لمنتجاتها.
وعُيّن اللواء أحمد حمزة مديرًا تنفيذيًا جديدًا لـ"ميتيك" في 29 نوفمبر، خلفًا لبقلي بلادو الذى استقال من منصبه.
"ولادة مُتعسّرة": متى يكتمل بناء السد؟
في خِضم تلك المشكلات، بات خروج السد إلى النور في شكله النهائي أشبه بـ"الولادة المُتعسّرة"، فالموعد الزمني المُحدد لإنجازه أرجئ 3 مرات.
كان من المُفترض إتمام بنائه في غضون 5 سنوات من وضع حجر الأساس له ليُصبح جاهزًا في 2016، ثم أُرجئ موعد إنجازه إلى نهاية 2018، حتى مدّدت إثيوبيا الموعد الزمني المُحتمل لإكماله لـ4 سنوات إضافية ليخرج إلى النور في 2022.
توقّعت إثيوبيا الانتهاء من أعمال بناء سد النهضة في 2022، وقدّرت خسائرها بسبب التأخير بنحو 800 مليون دولار أمريكي. وقال مدير مشروع السد، كيفلى هورو، ضمن فعالية أقيمت فى أديس أبابا، ديسمبر الجاري، إن عام 2022 سيشهد اكتمال المشروع.
وعزا مدير المشروع سبب تأخّره، حسبما نقلته عنه وكالة الإنباء الإثيوبية، إلى "تغييرات جرت على تصميم السد، أدت إلى تأخير الأعمال الكهروميكانيكية".
وذكرت إذاعة "فانا" الإثيوبية أن أديس أبابا تجرى حاليًا مناقشات مع خبراء فنيين ومسؤولين حول وضع المشروع فى الفترة السابقة، وأشارت إلى أن إثيوبيا خسرت 800 مليون دولار بسبب تأخير بناء المشروع.
وفي وقت سابق، توقّعت الأمم المتحدة أن تختبر مصر نقصًا في حصتها من مياه النيل، بنسبة 25 بالمائة، بسبب السد عام 2025.
فيديو قد يعجبك: