إعلان

"قتل واعتقال وحجب".. هل تُنهي العصا الأمنية احتجاجات السودان بلا تنازلات؟

05:40 م الإثنين 24 ديسمبر 2018

احتجاجات السودان

كتبت- رنا أسامة:

تتزايد التكهّنات بشأن قُدرة الحكومة السودانية على وضع حدّ للاحتجاجات الشعبية المُناهضة لسياسات الرئيس عُمر البشير، المُتصاعدة منذ نحو 6 أيام في مختلف أنحاء البلاد، تنديدًا بتدهور أحوال المعيشة في البلاد، لاسيّما مع تبنّي السلطات ما يُعرف بسياسة "العصا الغليظة" في مواجهة التظاهرات.

اشتعل فتيل الاحتجاجات من مدينة عطبرة، الأربعاء الماضي، في تجّمعات حاشدة عدّها مُراقبون "أكبر تحدٍّ شعبي" لحكومة البشير الذي حكم البلاد قبل 29 عامًا. جاء ذلك تنديدًا برفع قيمة وجبة الفطور في المدارس لأكثر من الضعف وإعلان المخابز رفع سعر الرغيف من جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات سودانية.

ويواجه السودان أزمة اقتصادية حادة منذ العام الماضي، حيث تضاعفت أسعار بعض السلع مثل الخبز والدواء، وارتفع التضخم بما يقرب من 70 في المائة وانخفضت قيمة العملة المحلية، وعانت مدن عِدّة من نقص كبير في توفر السلع الأساسية خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.

وأعلن الأمين العام لاتحاد المخابز في السودان، جبارة الباشا، زيادة حصة المخابز من الطحين في ولاية الخرطوم بشكل دائم. وقال إن "الخرطوم تستهلك 50 ألف جوال دقيق سعة 50 كيلوجرامًا يوميًا، وإن هناك عجزًا قدرة 7 آلاف جوال"، حسبما أوردت وكالة الأنباء السودانية (سونا).

القوة في مواجهة "احتجاجات الغلاء"

على مدى 6 أيام من "احتجاجات الغلاء"، لجأت الشرطة إلى القوة لمواجهة المُحتجين الغاضبين، الذين وصفهم المتحدث باسم الحكومة بشار جمعة، في وقت سابق، بأنهم "مُندسّون"، وحذّر من أن السلطات "لن تتساهل" مع أولئك الذين يشعلون النار في منشآت الدولة أو يخربون الممتلكات العامة".

وقال سكان في بعض المدن السودانية التي تشهد اضطرابات، إن الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين منذ اليوم الأول، وإنها لجأت في بعض الحالات لاستعمال الذخيرة الحية، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

ووقع ما لا يقل عن 10 قتلى، اثنان في عطبرة و6 في القضارف وعسكريان، بحسب السلطات الرسمية. لكن يقول معارضون، على رأسهم زعيم حزب الأمة السوداني المُعارض، الصادِق المهدي، إن عدد القتلى بلغ 22 قتيلًا إضافة إلى الجرحى.

وأدانت منظمة العفو الدولية سقوط قتلى في "احتجاجات الغلاء" بالسودان. ونقل موقع سودان تريبيون عن نائب مدير المنظمة في شرق أفريقيا، سيف مجانجو، قوله: "يجب أن تتوقف عمليات القتل، فلا يمكن تبرير إطلاق النار على المحتجين العزل"، مطالبًا بإجراء تحقيق مُستقل حول الأحداث.

ومع استمرار الاحتجاجات، طبّقت السلطات عددًا من الإجراءات الاحترازية، بما في ذلك تعليق الدراسة في كافة الجامعات وكذلك مرحلتي الأساسي والثانوي بولاية الخرطوم لأجل غير مُسمّى. وأعلنت الطوارئ في ولاية النيل الأبيض و4 مدن، منها القضارف، حيث طبّقت حظر تِجوال من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحًا.

2

واعتقلت السلطات الأمنية 14 من قيادات تحالف الإجماع الوطني المُعارض في السودان أثناء اجتماعهم في مدينة أم درمان، السبت، تزامنًا مع وصول الاحتجاجات إلى مدينة الأُبَيِّض، عاصمة ولاية شمال كردفان، بمشاركة المئات.

فيما أصدرت القوات المسلحة السودانية بيانًا تعهّدت فيه بتأييدها للبشير، فيما يبدأ الأطباء إضرابا، يعقبه إضراب عام غدًا الثلاثاء.

كما هاجم مُتظاهرون مكاتب حزب البشير، مُطالبين بإنهاء حكمه منذ تولّيه السلطة في انقلاب دعمه الجيش عام 1989. واقترح نواب سودانيون، ديسمبر الجاري، تعديلًا دستوريًا لرفع القيود على فترات الرئاسة التي كانت ستُلزِمه بترك السلطة في 2020.

وبالأمس، استخدمت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق مشجعي كرة قدم احتشدوا في أحد الطرق، مُردّدين شعارات تطالب بالحرية. ومنعت قوات الشرطة المتظاهرين الخارجين من الملعب من عبور جسر يؤدي إلى قلب العاصمة الخرطوم وقصر الرئاسة.

وطوّقت الملعب والطرق المؤدية إليه، فور خروج المتظاهرين إلى شارع الأربعين.

كما استخدمت الشرطة الرصاص الحي لتفريق المحتجين في تظاهرة خرجت صبيحة أمس الأحد من مدينة أم روابة، ردّدت هِتافات "سلمية سلمية ضد الحرامية، والشعب يريد اسقاط النظام". وتعرّضت فتاة لطلق ناري على كتفها بعد أن هتفت: "يا بوليس أقلع طاقيتك رطل السكر بقي ماهيتك"، بحسب صحيفة "الراكوبة" السودانية.

حجب مواقع التواصل

إلى جانب فرض الطوارئ واستخدام الغاز المُسيّل للدموع والرصاص الحي، حجبت الهيئة العامة للاتصالات الحكومية في السودان مواقع التواصل الاجتماعي تخوفًا من تمدد التظاهرات في البلاد.

وقال بعض المواطنين لـ"بي بي سي" إن خدمة الانترنت انقطعت عن فيسبوك وتويتر وانستجرام، ولم يتمكّنوا من التواصل عبرها منذ التاسعة من مساء الخميس.

في بادئ الأمر، ظن بعضهم أن السلطات حجبت كافة مواقع الانترنت، لكن سُرعان ما اكتشفوا بعد دقائق أن الحجب اقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، فلجأوا إلى تبادل روابط "البروكسي" والشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، لتعود التطبيقات مُجددًا إلى العمل بشكل طبيعي، وفق الراكوبة.

3

ونفت شركة "زين" السودان، أكبر مُشغّلي الهاتف الجوال وتقديم خدمة الإنترنت، أن تكون حجبت الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية التظاهرات.

ونقل موقع "الأحداث نيوز" السوداني عن الرئيس التنفيذي للشركة، الفاتح عروة، قوله إن "قرار الحجب حكومي، اتخذته السلطات لدواعٍ أمنية". وذكر أن شركات الاتصالات الأربع العاملة بالبلاد طبّقت القرار، ونفّذته شركته قبل باقي الشركات، رغم أنها المتضرر الأكبر من إيقاف الخدمة التي أفقدتها 15 في المائة من حركة الإنترنت اليومية.

جاء ذلك بعد تعيين مصطفى عبدالحفيظ مديرًا عامًا للهيئة العامة للاتصالات بالسودان، الخميس، خلفًا للمدير السابق الدكتور يحي الذي أقاله البشير في اليوم نفسه.

رقابة على الصحف

بالتوازي، فرضت الأجهزة الأمنية في السودان رقابة "قبلية" مُشدّدة على الصحف الورقية، وأمرت المطابع بعدم طبع أي صحيفة قبل أن يطلع عليها الرقيب الأمني، منعًا لتناول أخبار التظاهرات على نحو يدعمها ويؤجّجها.

ويتنافى ذلك مع ميثاق الشرف الصحفي الموقّع في نوفمبر الماضي، والذي أعلن بموجبه جهاز الأمن رفع الرقابة. واضطرت أكثر من صحيفة للاحتجاب الأيام الماضية احتجاجًا على عودة الرقابة.

ومن بين الصحف المُحتجبة، صحيفة "الجريدة" المستقلة، بعد حذف الرقيب الأمني أكثر من 5 صفحات. وقالت صحيفة الراكوبة إن الجريدة اضطرت للاحتجاب لأن الرقيب الأمني رفض نقل تصريحات من مدير جهاز الأمن بمقتل متظاهرين.

4

كما اضطرت صحيفة "التيار" المستقلة للاحتجاب السبت الماضي، بعد أن طلب منها الرقيب الأمني حذف خبر رئيسي منسوب لرئيس جهاز الأمن، يتعلق بقوله إن حق التعبير السلمي مكفول. وذكرت الصحيفة أنها احتجبت عن الصدور لأن جهاز الأمن طلب منها حجب "مواد تمس مصداقيتها"، بحسب أحد المسؤولين فيها بمواقع التواصل الاجتماعي.

أما باقي الصحف اليومية السودانية، فاضطرت لنقل الأحداث وفقًا لرؤية جهاز الأمن، وخرجت بمانشيتات عريضة على غِرار: "الحكومة تعمل على معالجة الأزمة وترفض التخريب"، و"تورط الموساد في أعمال التخريب"، و"أزمة السيولة تنتهي في أبريل"، و"قبضنا شبكة تجسس إسرائيلية".

الأمر الذي انتقده نشطاء سودانيون اعتبروا أن الصحف "تغرد خارج الزفة"، مُطالبين بمقاطعتها والاعتماد على ما يُبثّ على شبكات التواصل الاجتماعي من تقارير وأخبار وصور.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان