البشير من "الجزيرة" يواجه انتفاضة السودان بـ"لن نركع".. كيف تنتهي الأزمة؟
كتب - محمد الصباغ:
وقف الرئيس السوداني عمر البشير، الثلاثاء، أمام المئات من أنصاره بولاية الجزيرة واصفًا من خرجوا محتجين خلال الأيام الستة الماضية بأنهم "خونة ومرتزقة"، وطالب مواطني الولاية التي تقع وسط السودان بالاتجاه للعمل والإعمار، مشيرًا إلى ما اعتبره مؤامرة خارجية وحصار يفرضه الغرب من أجل ألا يتقدم السودان.
ظهور البشير هو الأول أمام المواطنين منذ اندلاع المظاهرات في الأسبوع الماضي، والذين بدأت احتجاجاتهم بسبب غلاء السلع الأساسية وخصوصا الخبز والوقود، ولكن سرعان ما تطورت المطالب لتنادي الاحتجاجات في عدد من الولايات السودانية برحيل الحكومة والرئيس البشير.
ومع دخول المظاهرات أسبوعها الثاني باتت عدة سيناريوهات تفرض نفسها على الأرض، فخطاب الرئيس لا يبشّر بأي سعي نحو تلبية مطالب المتظاهرين، بل اتجه إلى تخوينهم ووصفهم بالعملاء والمخربين، وهو ما يدفع إلى مواجهة يخشى البعض أن تتحول إلى صراع مسلح أو "انقلاب قصر".
بعد التقارير حول القبض عليه وسجنه استجابة لمطالب المتظاهرين، اعتبر الرئيس الذي وصل إلى الحكم منذ حوالي 30 عامًا أن وقوفه أمام الجماهير ظهر الثلاثاء هو رد على كل "خائن وعميل ومارق ومخرب وعلى الذين روجوا وأطلقوا الشائعات بالقبض عليه وسجنه"، بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا).
وخرجت في ولاية الجزيرة، يوم الإثنين، مسيرات مناهضة للحكومة ومنددة بالتدهور الاقتصادي في البلاد، وبحسب وسائل إعلامية ونشطاء محليين، فقد خرجت مسيرات في أحياء بمناطق المناقل ورفاعة والمدابغ والتليفزيون بولاية الجزيرة، منددين بزيارة البشير، وكان بعضها على مقربة من المكان الذي ألقى فيه الرئيس خطابه.
وترى الفنانة السودانية المقيمة في مصر آسيا مدني، أن البشير استغل الشعبية التي يتمتع بها حاكم ولاية الجزيرة، محمد طاهر أيلا، من أجل الظهور العلني الأول له. وظهر ذلك خلال كلمة البشير، حينما أشاد الرئيس بالحاكم، فبدأ الهتاف المتواصل لطاهر إيلا من المئات الحاضرين.
وذكرت في تصريحات هاتفية لمصراوي، وهي من مواليد ولاية الجزيرة، أن "أيلا" يمتلك شعبية جيدة في نظرا لتقديمه خدمات للمواطنين، لكن في نفس الوقت كانت هناك مظاهرات أخرى منددة بزيارة البشير في أماكن قريبة من موقع إلقاء الخطاب.
وتعد المظاهرات الأخيرة في السودان هي الأكبر منذ تولي البشير الحكم عام 1989 بعدما جاء حسب تصريحاته الأولى آنذاك بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان.
لكن بعد حوالي 30 عاما من حكم البشير وحزبه المؤتمر، وصل معدل التضخم في السودان إلى حوالي 70% وتراجعت العملة المحلية وارتفعت الأسعار بشكل كبير.
"الشعب يشعر بالإهانة"
رغم حديث البشير خلال اليومين الماضيين عن اتخاذ إجراءات اقتصادية من أجل دعم الفقراء في السودان، إلا أن الاحتجاجات تواصلت واتسعت رقعتها في العاصمة الخرطوم وولايات أخرى بينها الجزيرة التي ألقى منها خطابه الأول منذ بدء الاحتجاجات.
بدأت الاحتجاجات في مدينتي بورتسودان شرق البلاد وعطبرة، قبل أن تنتقل يوم الخميس إلى مدن أخرى بينها الخرطوم وأم درمان والأبَيض في ولاية شمال كردفان.
في خطابه بولاية الجزيرة، تحدث البشير أيضًا عن الرغبة الخارجية في كسر السودان دون أن يحدد أسماء جهات أو دول، واعتبر أن ما يحدث هو اختبار إلهى. وقال: "ألا إن نصر الله قريب… هذا هو الدرب الذي سار فيه الأنبياء والأولياء.. احنا لن ننكسر ولن نركع ولن نطلب إلا من الله الذي يملك خزائن الأرض".
وكان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، أجرى اتصالا هاتفيًا خلال الأيام الماضية أبدى فيه دعمه للسودان. وذكرت صحيفة "السوداني" أن الدوحة منحت الخرطوم مليار دولار من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية وتخفيف حدة المظاهرات.
وفي تصريح هاتفي لمصراوي، اعتبر الصحفي السوداني فيصل محمد صالح، أن خطاب البشير لم يأت بجديد حيث اعتمد على مهاجمة المتظاهرين.
وأضاف الصحفي البارز: "خطاب البشير بلا تأثير ولم يستمع إليه أحد. خطاب معتاد يوصم المتظاهرين بالتخريب والعمالة". كما لفت إلى أن الحكومة لو بدأت في التعامل مع الأمر على أنه أزمة اقتصادية فقط فسوف تفشل، حيث أن الأمر بات سياسيًا بالأساس والدليل على ذلك نوع الهتافات التي "تطالب بتغيير النظام".
وتقول آسيا مدني، إن المظاهرات لم تعد بهدف اقتصادي يحركها غلاء الخبز وارتفاع الأسعار، وأضافت: "الموضوع مش فلوس بل بات مشكلة كرامة وقصاص.. الشعب حس بإهانة".
الإحصائيات الرسمية السودانية أشارت إلى مقتل 8 مواطنين خلال الاحتجاجات الجارية في مختلف مدن السودان، لكن منظمة العفو الدولية قدّرت عدد القتلى بحوالي 37 قتيلا، بينما أشارت المعارضة السودانية إلى أن العدد هو 22 شخصًا.
كما ذكر أحد الطلاب بجامعة الخرطوم الذين تعرضوا للاعتقال لساعات قبل الإفراج عنه في الأيام الماضية، إن قوات الأمن كانت تلقي القبض عشوائيًا على المتظاهرين.
وأضاف عمران محمد (اسم مستعار) في تصريحات لمصراوي، أن قوات الأمن اعتدت عليه لحظة اعتقاله، ثم أثناء ترحيله مع زملاء آخرين في سيارة الأمن.
وأشار أيضًا إلى أنه تعرض لاعتداءات بدنية بعد وصوله إلى مكتب الأمن بالخرطوم، بعدما كان يشارك في مسيرة طلابية بالعاصمة، قبل أن يُفرج عنه في وقت لاحق.
كيف تنتهي الأزمة؟
يرى عدد كبير من السودانيين أن الحراك الحالي مختلف عن سابقيه، حيث رقعة الاحتجاجات المتسعة والتنوع في الخلفية الاجتماعية والسياسية للمتظاهرين. كما أن الحراك الذي انطلق من مدينة عطبرة في شمال السودان، جاء عفويًا بدون أي خلفيات سياسية ما جعل الحكومة بالفعل تشير في تصريحاتها إلى أن الغضب الشعبي مقبول، لكن التخريب وتدمير الممتلكات هو ما سيتم مواجهته.
وهو ما أكده فيصل صالح، بقوله إن هناك اختلاف في المظاهرات الحالية حيث كانت الشرارة من المدن البعيدة وليس العاصمة الخرطوم، بجانب أنها كانت غير منظمة أو مسيسة كما كان في يناير من العام الجاري.
واستخدمت السلطات الأمنية السودانية، الثلاثاء، الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المتظاهرين الذين طالبوا في شوارع الخرطوم بتنحي البشير.
وكانت مسيرة دعت إليها نقابات مهنية ونشطاء محليين، قررت التوجه إلى القصر الجمهوري من أجل تقديم التماس للرئيس البشير، ودعم السودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي المسيرة عبر هاشتاج "موكب 25 ديسمبر".
ولكن قوات الأمن السودانية أقامت نقاط التفتيش والحواجز وأغلقت شوارع رئيسية، وحينما حاول المتظاهرون اخترق تلك العقبات أطلق عليهم قنابل الغاز وتم منعهم من الاقتراب من القصر الذي لم يكن رئيس الجمهورية متواجدا به من الأساس.
وترى آسيا مدنى أن الاختلاف يعود إلى تراكم الضغوط السياسية والاقتصادية، ما تسبب في تراكم الغضب لدى المواطنين، بجانب الاستغلال الجيد لوسائل التواصل الاجتماعي التي تجعلهم يتغلبون على التعتيم الإعلامي الذي تمارسه السلطات، على حد وصفها.
وتقول إن المظاهرات لن تهدأ ببعض الأموال التي يتم إنفاقها على دعم الخبز، في إشارة إلى أن الأزمة الأساسية لم يتم علاجها وهي إهدار موارد السودان.
وذكر الطالب عمران أن المظاهرات لن تتوقف حتى يتم تنفيذ المطالب المتمثلة في رحيل البشير، و"نجاح الثورة".
على صعيد متصل، انتشرت مقاطع فيديو لمواطنين من السودان يتبادلون التحية مع قوات من الجيش السوداني، وذكر موقع "سودان تربيون" أن شهود عيان بمدينة القضارف ذكروا أن قوات الجيش قامت بحماية المواطنين بعدما أطلقت قوات الشرطة الرصاص نحو المتظاهرين.
كما حدث أمر مشابه حينما حمت قوات الجيش في منطقة السلاح الطبي بالخرطوم المتظاهرين، وذلك عقب خروجهم في مسيرات بعد مباراة لكرة القدم بين الهلال السوداني بملعب أم درمان يوم الأحد.
وفيما رأى بعض السودانيين أن ذلك ربما تخليًا من الجيش عن البشير بعد ارتفاع حدة المظاهرات في إشارة ربما إلى تحرك ضده لحل الأزمة، تعتبر "مدني" أن ما حدث مواقف فردية لا تعبر عن أن الجيش السوداني سيواجه الحكومة أو أن ينعزل عن قراراتها.
ويتفق فيصل في الرأي معها، حيث أشار إلى أن الجيش لم يتلق الأوامر بمواجهة الاحتجاجات، ورأى أن القوات المسلحة السودانية اختارت الحياد. واعتبر المواقف التي اتخذها عناصر من الجيش في بعض المناطق وليدة الموقف وليست منهجًا سائدًا.
وكان الجيش أعلن بداية الأسبوع التزامه بواجبه الدستوري ودعم الرئيس السوداني عمر البشير.
فيما رأى سودانيون آخرون تواصل معهم مصراوي، أن الاحتجاجات المتفرقة أنهكت قوات الشرطة، وأن العدد الكبير للمتظاهرين في هذه الموجة الاحتجاجية جعل السلطات الأمنية غير قادة على إنهائها.
الأزمة التي يعيشها البشير حاليًا تأتي في ظل عدم قدرته على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة إلا بعد تعديل الدستور، حيث تنتهي ولايته الثانية والأخيرة في العام بنهاية العام المقبل.
ووافق عدد كبير من أعضاء البرلمان السوداني على مقترح بتعديل الدستور ليكون البشير قادرًا على الترشح، لكن وسط هذه المظاهرات والغضب السوداني يبدو التحرك نحو تعديلات دستورية تبقي البشير لأكثر من 30 عاما في حكم السودان من الأمور الصعبة.
وذكر مواطنون سودانيون، أنه من غير المتوقع أن يعلن البشير عدم تعديل الدستور والرحيل من الحكم بنهاية العام المقبل، استنادا على بقاءه في السلطة منذ حوالي 30 عامًا.
وفي حديثه لمصراوي قال الصحفي السوداني فيصل إبراهيم، إن هناك عدد من السيناريوهات المحتملة التي قد تنتهي بها الأزمة بداية باحتمال تكرار تجارب سابقة حيث يتدخل الجيش لصالح المتظاهرين، وذلك كما وقع في أعوام 1964 و1985، حينما بدأت مظاهرات شعبية قرر الجيش على إثرها التدخل وتسليم السلطة لحكومة منتخبة جديدة.
ولكنه حذر أيضًا من أن تعنت الحكومة في تلبية مطالب المتظاهرين ومع اتساع رقعة وحجم الاحتجاجات، قد يؤدي إلى مواجهات مسلحة كما يحدث في اليمن وسوريا. ولم يستبعد أيضًا احتمالية حدوث ما وصفه بـ"انقلاب قصر" يقوده عناصر بالحكومة للإطاحة بالبشير وتهدئة الأجواء.
وكان البشير اختتم خطابه أمام المواطنين في ولاية الجزيرة بوعدهم بأن يأتي في العام المقبل لافتتاح مشروعات جديدة "نكاية في المخربين والمرتزقة".
واختتم فيصل حديثه بالقول إن فكرة إعلان البشير عدم استمراره في السلطة بعد انتهاء ولايته الحالية أمر مستبعد حيث يريد البقاء في السلطة خوفًا من محاكمات قد تعقب خروجه، بجانب أن البرلمان يسيطر عليه حزب المؤتمر الذي قد يمرر أي تعديلات دستورية بسهولة.
فيديو قد يعجبك: