ميركل "الاستثنائية" وكيف أثرت الهجرة على إرثها؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا حول الإرث الذي ستخلفه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد انتهاء فترتها كمستشارة في 2021، وعزمها عدم الترشح لرئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم مرة أخرى؛ الحزب الذي انتخب اليوم الجمعة خليفة لميركل.
ووجهت المستشارة الألمانية، في آخر خطاب لها كرئيسة للاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، اليوم الجمعة، نداء من أجل الدفاع عن القيم "المسيحية" و"الديمقراطية" في مواجهة صعود التيارات القومية والشعبوية في العالم.
قالت ميركل: "في هذه الأوقات الصعبة، علينا ألا ننسى قيمنا المسيحية الديمقراطية"، وذلك في مؤتمر الحزب في هامبورج، حيث يفترض أن يعين 1001 مندوب خلفًا لها على رأس الحزب الذي قادته 18 عامًا.
عددت ميركل، التي تتخلى عن رئاسة حزبها، لكنها ستبقى مستشارة حتى نهاية ولايتها عام 2021، لائحة طويلة من المخاطر الحالية مثل "التشكيك بالنهج التعددي والتراجع على الصعيد الوطني وخفض التعاون الدولي" والتهديدات "بحرب تجارية"، ودافعت عن إرثها، مذكرة بأن الحزب كان في حالة سيئة حين تولت رئاسته عام 2000.
قالت الصحيفة الأمريكية في تقريرها المنشور على موقعها الإلكتروني الخميس: إن البعض يتساءلون عما إذا كانت قيادة ميركل للحزب وألمانيا، وقوانين الهجرة والتقشف الاقتصادي "ساعدت في زرع بذرة الفرقة التي تمزق أوروبا الآن".
أشارت نيويورك تايمز إلى أن ميركل كانت زعيمة لألمانيا وأوروبا في نفس الوقت، إذ قادت بلادها والقارة العجوز عبر الأزمات المتعاقبة وساعدت برلين في أن تصبح القوة الأوروبية الرائدة لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الهجرة:
ولكن قرار ميركل باستضافة أكثر من مليون طالب لجوء عكّر صفو هذا الوضع المريح، وأدى التقشف الذي فرضته هي ووزير ماليتها القديم فولفغانج شوبله، على البلدان التي تطاردها الديون مثل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وعلى وجه الخصوص اليونان، إلى مزيد من البؤس والاستياء الذي يتفاقم حتى يومنا هذا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
في صيف 2015، مع اندفاع مئات الآلاف من المهاجرين إلى أوروبا، طلب مسؤولو المجر والنمسا المساعدة من ألمانيا، ووافقت ميركل، واصطف الألمان في المحطات لاستقبال القطارات التي تأتي محملة باللاجئين.
وتقول نيويورك تايمز إن قرار ميركل باستضافة اللاجئين أثار إعجاب الكثيرين بها من خارج حزبها السياسي، وقالت كلوديا روث نائبة رئيس البرلمان الألماني، وهي من حزب الخضر، إنه "في مثل العالم الذي نحيا فيه الآن يتم بناء المزيد من الجدران بين البلدان وبعضها البعض، قامت ميركل بفعل الشيء الصحيح باستضافة هؤلاء اللاجئين، وكان لها مبادئ".
أضافت روث أن هذا أكسب ألمانيا احترامًا كبيرًا، وأصبحت صورة ألمانيا في العالم على أنها صديقة الإنسانية، وقامت ميركل بتثبيت هذه الصورة.
لكن لم يمض وقت طويل، حتى بدأت الشقوق والانقسامات تظهر داخل ألمانيا، وحصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" -الذي تأسس في عام 2013- على دفعة كبيرة مع وصول المهاجرين، وأصبح بعد 3 سنوات ثالث أكبر حزب في البرلمان الفيدرالي، وله مقاعد في جميع برلمانات الأقاليم الألمانية أيضًا.
وتقول الصحيفة إن قرار ميركل حول الهجرة كان أكثر اللحظات المؤثرة في تاريخ منصبها، حيث جعلها تبدو "متساهلة."
بالنسبة للبعض، بحسب الصحيفة، كان هذا تعزيزًا لسمعة ميركل على أنها تفرض شروطًا على بقية أوروبا، خاصة في الجنوب الذي تحمل وطأة أزمات القارة الاقتصادية المزدوجة، وحتى قبل أزمة الهجرة، كانت الديون بمثابة اختبار محوري لمستشارة ألمانيا التي أصبحت قوة مهيمنة حديثًا.
سياسات ميركل خلال سنوات حكمها جعلت الجميع يتساءل هل كانت ترى مصالح أوروبا كمصالح لألمانيا؟ أم أنها أرادت أن تكون أوروبا ألمانيا كبيرة؟
حقبة ما بعد ميركل:
تقول الصحيفة إن إرث ميركل سيظهر الجمعة، بعد انتهاء التصويت على منصب رئيس حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، والذي فازت به أنجريت كرامب كارنباور، التي تتولى منصب الأمين العام للحزب.
وترى الصحيفة أن التصويت لأنجريت سيكون بمثابة تأييد لموقف ميركل الوسطي الهادئ. وستكون أيضًا إشارة قوية للنساء في وقت تكتسب فيه سياسة الرجال الأقوياء قوة دفع في أوروبا وخارجها.
يقول المؤرخ الخاص بميركل ستيفان كورنيلوس، إنها (ميركل) منعت كوارث أكثر من كونها نفذت رؤى، وكانت تقوم بردود فعل بدلًا من خطوات استباقية تسبق بها الجميع، ولكن هذا أمر قيّم للغاية في الوقت الذي نتعامل فيه مع عالم يتفكك، ومع قادة مثل دونالد ترامب.
وتضيف الصحيفة، ميركل بالنسبة لمؤيديها بمثابة تذكير بالوقت الذي كانت تتوسع فيه الديمقراطية حول العالم.
جيرالد كناوس، الرئيس المؤسس لمبادرة الاستقرار الأوروبي، الذي قدم النصح لميركل حول الهجرة لأكثر من 10 سنوات، قال للصحيفة: "ميركل شخص استثنائي بالفعل.. وأتمنى ألا تكون الأخيرة من نوعها في هذا العصر".
فيديو قد يعجبك: