"السترات الصفراء".. 5 أرقام تشرح لماذا نزل الفرنسيون إلى الشوارع؟
كتب – سامي مجدي:
تدخل احتجاجات "السترات الصفراء" السبت أسبوعها الرابع على التوالي، إذ يستعد آلاف الفرنسيين للتظاهر من جديد في العاصمة الفرنسية باريس تنديدا بارتفاع الضرائب وتراجع القدرة الشرائية.
وتحولت باريس إلى ما يشبه "مدينة أشباح"، حيث أغلقت السلطات برج إيفل ومتحفا اللوفر وأورسي ومركز بومبيدو والمتاجر الكبرى ومسرح الأوبرا، السبت بينما ألغي عدد من مباريات كرة القدم. كما قام أصحاب المتاجر بحماية واجهات محلاتهم.
ونشرت السلطات 89 ألف شرطي وعنصر درك وآليات مصفحة لتفكيك الحواجز في جميع أنحاء فرنسا، تحسبا لاندلاع مواجهات عنيفة مع المحتجين على غرار ما جرى السبت الماضي.
وأمام ضغط الاحتجاجات، اضطر الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته إلى تقديم تنازلات بالتخلي عن ضريبة الوقود، غير أن الحركة الاحتجاجية تطالب بتنازلات أكثر بما في ذلك خفض الضرائب وزيادة الرواتب وخفض تكاليف الطاقة وحتى استقالة ماكرون.
ولم يتحدث ماكرون علانية منذ أن أدان اضطرابات يوم السبت الماضي أثناء قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين لكن مكتبه قال إنه سيلقي كلمة للأمة في مطلع الأسبوع.
وهذه أكبر أزمة تواجه ماكرون منذ انتخابه قبل 18 شهرا، وقد وترك لرئيس الوزراء إدوار فيليب التعامل مع الاضطرابات وتقديم تنازلات.
وربما تكون الأوضاع الاقتصادية في فرنسا بمثابة الدخان الكامن تحت السطح الذي أشعل فتيل الاضطرابات الأسوأ التي تشهدها فرنسا منذ الاحتجاجات الطلابية عام 1968. وشرح تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز قبل أيام أهم الأرقام الاقتصادية في فرنسا.
1- متوسط الدخل الشهري: 1700 يورو
تعاني فرنسا مثلها مثل البلدان الغربية الأخرى، من فجوة عميقة بين الأثرياء والفقراء في البلاد البالغ تعداد سكانها أكثر من 67 مليون شخص. وهناك 20 في المئة في أعلى قمة الهرم يكسبون خمسة أمثال أكبر من الـ20 في المئة في قاع الهرم.
وهناك نسبة 1 في المئة من أثرياء فرنسا يملكون أكثر من 20 في المئة من الثروة الاقتصادية في البلاد. ويبلغ متوسط دخل الفرد 1700 يورو شهريا، ما يعني أن نصف العمال في فرنسا دخلهم الشهري أقل من ذلك.
وبالنظر إلى أغلبية المطالب التي ترفعها الحركة الاحتجاجية "السترات الصفراء"، نرى أن المحتجين يتظاهرون بسبب صعوبات دفع إيجارات السكن وتوفير الطعام لعائلاتهم وتوفير تكاليف المعيشة في العموم وليس أسعار الوقود فحسب.
لكن الأمر ليس بهذا الشكل على طول الخط؛ فمستويات المعيشة والأجور تزايدت في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية طيلة ثلاثة عقود فيما عرف بـ"الثلاثية المجيدة". وواصلت الأجور ارتفاعها بالنسبة للطبقتين الدنيا والمتوسطة حتى مطلع ثمانينيات القرن الماضي بفضل الاتفاقات التي أبرمتها النقابات العمالية مع الحكومات المتعاقبة.
بيد أن هذه الديناميكيات تفككت مع سعي الحكومات الفرنسية المتعاقبة ذات الميول اليسارية إلى تحسين القدرة التنفاسية، جزئيا، من خلال تقليص مكاسب الأجور، بحسب الخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي. وتعرض معدل دخل الفرد من الطبقة الدنيا أو المتوسطة إلى حالة من الركود، وزاد فقط بمعدل نحو 1 في المئة في العام أو أقل من ذلك.
على عكس من ذلك، ازداد الأثرياء ثراءً وكان معدل نمو ثرواتهم نحو 3 في المئة في العام. وزادت الدخول المرتفعة بشكل خيالي للمديرين التنفيذيين أصحاب الدخول المرتفعة في الأصل في زيادة الضغوط ونقمة الطبقتين الدنيا والمتوسطة.
لكن العمال الفرنسيين أفضل حالا من نظرائهم في إيطاليا حيث نمو الأجوار بالسالب منذ 2016. فالأجور الحقيقية هناك هبطت بنسبة 1.1 في المئة في الربع الرابع من 2016 وطيلة 2017، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه أجور ساعات العمل في فرنسا، كانت هذا الارتفاع متباطئ منذ نهاية أزمة ديون منطقة اليورو في 2012.
2- النمو الاقتصادي: 1.8 في المئة
فرنسا هي ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا بعد بريطانيا وألمانيا، وسادس أكبر اقتصاد عالمي قبل أن تتكيف مع التضخم. فزائرو باريس تتولد لديهم انطباعات بأن بريق وسحر العاصمة (مدينة النور) يعني أن بقية البلاد مثلها، وهو أمر بعيد عن الحقيقة.
ظل النمو الاقتصادي الفرنسي يعاني من حالة ركود على مدى نحو عقد خلال أزمة الديون الأوروبية طويلة الأمد، ولم يبدأ في التحسن إلا مؤخرا. لكن هذا التعافي الاقتصادي لم يكن متساويا؛ فهناك أعداد كبيرة من الوظائف الدائمة انتهت، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق الصناعية السابقة. والعديد من الوظائف الجديدة التي يتم إنشاؤها هي عقود مؤقتة غير مستقرة.
والنمو أمر رئيسي لتحسين أوضاع العمل لهؤلاء المحتجين. لكن في حين أن التعافي والانتعاش الاقتصادي الذي بدأ قبل تولي ماكرون منصبه، ساعد في توفير وظائف، فإن معدل النمو السنوي تباطئ إلى 1.8 في المئة بالتوازي مع تباطئ بقية منطقة اليورو.
3- البطالة أعلى من 9 في المئة
تباطئ النمو تسبب في صعوبات أمام الحكومة الفرنسية في مساعيها لحل مشكلة البطالة.
فنسبة البطالة في فرنسا تترواح بين 9 و11 في المئة منذ 2009، عندما ضربت أزمة الديون منطقة اليورو. وانخفضت النسبة إلى 9.1 في المئة اليوم من 10.1 في المئة عند انتخاب ماكرون.
لكن هذ الرقم يظل أكثر من ضعف نسبة البطالة في ألمانيا المجاورة.
وتعهد ماكرون بأن يصل معدل البطالة إلى 7 في المئة بحلول الانتخابات الرئاسية في 2022، وأقر بأن فشله في ذلك يمكن أن يشعل فتيل الشعبوية.
لتحقيق ذلك الهدف، يجب أن يكون النمو الاقتصادي بمعدل ما لا يقل عن 1.7 في المئة في كل سنة من السنوات الأربع المقبلة، وهو أمر لا يوجد من يؤكده، بحسب المرصد الفرنسي، وهو مجموعة بحيثة مستقلة.
ويحاول ماكرون إعادة تنشيط الاقتصاد الفرنسي.
طالب هذا العام بإصلاحات شاملة لقانون العمل في البلاد لمساعدة أرباب العمل على وضع القواعد المتعلقة بالتعيين والإقالات، وتجاوز القيود الطويلة الأمد التي تثني أصحاب العمل عن توظيف عمال جدد. كما تحد الشروط من قدرة النقابات على تأخير التغيير، من خلال السماح بالتفاوض على اتفاقات فردية على مستوى الشركة أو الصناعة بين الرؤساء والعمال.
ساعدت تلك الإصلاحات في جلب شركات مثل فيسبوك وجوجل إلى فرنسا. لكن الأمر قد يستغرق سنوات لتظهر النتائج على العمال. وأثارت الإصلاحات غضب العمال الذي يرون خطة لنزع الحقوق العمالية التي فازوا بها بصعوبة، صالح الشركات الكبرى.
4- خفض الضرائب على الأغنياء: 3.2 مليار يورو
كجزء من خطته لتحفيز الاقتصاد، خفض ماكرون الضرائب لأغنى دافعي الضرائب في فرنسا خلال سنته الأولى في منصبه، بما في ذلك من خلال إنشاء ضريبة ثابتة مقابل دخل رأس المال.
غير أن حجر الزاوية في حزمة الضرائب، والجزء الذي أثار أكبر قدر من الغضب من جانب المتظاهرين، هو رفع ضريبة الثروة التي طبقت على العديد من أصول أغنى الأسر الفرنسية، واستبدلت بواحدة لا تنطبق إلا على الممتلكات العقارية.
هذه الإجراءات خفضت عوائد الضرائب التي تجمعها الدولة كل عام بـ3.2 مليار يورو.
وهناك أدلة لا تذكر على تأثير ذلك التحفيز. وباتت سمعة ماكرون، بدلا من ذلك، أنه يعمل لصالح الأثرياء- وهو من أبرز أسباب الغضب فيما بين محتجي "السترات الصفراء".
في حين أن أصحاب الدخول المرتفعة قد حصلوا على إعفاءات ضريبية بموجب الخطة المالية التي وضعها ماكرون، فإن القوة الشرائية لـ5 في المئة من الأسر انخفضت في العام الماضي.
حتى قبل نزول محتجي "السترات الصفراء" إلى الشوارع، أدرك ماكرون أن الدعم الذي يلقاه بدأ يتلاشى.
5- شبكة الضمان الاجتماعي: 715 مليار يورو
في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن "السترات الصفراء" تحظى بدعم ثلاثة أرباع السكان، إلا أن هناك تساؤلات طرحت حول مقدار الألم الذي يختبره المتظاهرون حقاً - أو إلى أي مدى يمكن أن يتم إرجاع هذا التدفق من المحتجين إلى ثقافة التظاهر منذ قرون من الزمن ضد التغيير.
تحمي فرنسا المواطنين من خلال واحدة من شبكات الأمان الاجتماعي الأكثر سخاءً في العالم، حيث يتم إنفاق أكثر من ثلث إنتاجها الاقتصادي على الرعاية الاجتماعية، أكثر من أي بلد آخر في أوروبا.
في 2016، أنفقت فرنسا حوالي 715 مليار يورو على الرعاية الصحية والفوائد العائلية والبطالة وغيرها من أشكال الدعم. وفي مقابل هذه المساعدات، يدفع العمال الفرنسيون بعض أعلى الضرائب في أوروبا.
في حين أن الضرائب هي الأكبر على أصحاب الدخل المرتفع، فإن فرنسا تفرض ضريبة قيمة مضافة بنسبة 20 في المئة على معظم السلع والخدمات. وإلى جانب ضريبة الوقود التي تعهدت حكومة ماكرون بالتخلي عنها مؤقتا، تميل مثل هذه التدابير إلى الإضرار بالفقراء، في حين أن الأثرياء بالكاد يتأثرون بها.
فيديو قد يعجبك: